مشاهد رمضان : سنن أم بدع؟

admin
2020-05-25T14:11:01+01:00
آخر الأخباراقلام حرة
admin25 مايو 2020
مشاهد رمضان : سنن أم بدع؟
عثمان عوي

بدأ المشهد من باب بناية تختلف عن كل البنايات المجاورة ، أحسبها عمومية لأن راية البلد تعلوها والرياح تارة تظهر نجمتها الخماسية وتارة تخفيها، يُخرٍج شاب سيارة من المرآب وآخر يُخرٍج قُفَفا بها مواد غذائية متنوعة ، كل ذلك كان تحت أوامر صاحب الجلباب الرسمي الذي يجيب على المكالمات الهاتفية بدون انقطاع ، يُحضِر كل فصول السنة في حديثه الذي لا ينقطع ، يأمروينهر، يشتم و يدعو بالبركة في العمر ، يسمي بالحمار و يجيب بنعم سيدي ، يجيب على رنة ويقطع أخرى ، …
امتلأت الشاحنة الصغيرة وهي من النوع الجيد من مركبات تحمل حروفا حمراء الا أن الأيادي نالت من جودتها كما تنال أيادي النبش والغدر من مومس الطرقات والحانات…


يتولى الشاب القيادة و الآخر يتربع بين البضاعة أما بطل المشهد فيركب بجانب السائق وقد أخرج يده من النافذة يلوح بها على كل من صادفه على طريق سفره، لم يطل السفر حتى وصل الى دوار تظهر عليه كل علامات البؤس و الحرمان، يأمر السائق بالوقوف اما البيت الاول ، يخرج ورقة عليها أسماء كُتِبَتْ بخط يده، ينظر اليها ثم يأمر السائق بالمسير ، يصل الى البيت الموالي ينزل ويدق الباب يخرج شاب في مقتبل العمر فيأمر بالمناداة على والده ، يخرج الشيخ متأكا على العصا، يزيد من قوس ظهره ليُقبِّل يد الطارق، يقدم القفة مع عبارة ” أنت اول من استفاد ، وانس خيري للمرة العاشرة ” ، ينصرف ودعوات الشيخ الهرم تكاد لا تنقطع، يصل باب آخر ، تخرج سيدة في مقتبل العمر ، يمزج ” المحسن” كلامه بالابتسامة العريضة ، يأمر بقفتين وينهي اللقاء بالاشارة الى الهاتف ، تهز رأسها ، تبتسم وتلج في صمت …


يصل منزلا آخر، يقدم القفة، يأخذ صورا تذكارية وسط العيال الكُثُر ، يدس يده في جيبه يُخرِج قطعا نقدية يوزعها على الأطفال ثم يقول : ” يا فلان ، ألم تر انني دائما بجانبك ؟ وهل تضمن لي أن تكون بجانبي عندما أطلب منك ذلك ؟ ” لم يترك وقتا للاجابة فتتحرك الشاحنة …


أوقفته سيدة و صوتها يعلو الزقاق : لماذا لم أستفد من هذه المساعدة التي هي من عطاء لْمْخْزْنْ ؟ ألست مواطنة؟ ألم أَنْتَمِ الى الدوار؟ ألم تعرف عدد عيالي ومشكل زوجي الذي غاب لسنوات ؟
أخرج اللائحة من جيبه ونظر اليها ثم قال : لستِ مدرجة على اللائحة ، وعليكِ أن تراجعي بعض مواقفكِ من لْمْخْزْنْ و المسؤولين ، ثم لك الحق في الشكاية وانصرف …


وقف أمام باب آخر ثم آخر ثم آخر بعد أن تجاهل منزلا و بابا وكوخا و آخرو آخر …
كانت العبارات تختلف من باب لآخر ، لكل مقام مقال ، ولكل وقفة كلام ، ولكل شخص منزلة ،ولكل موقف حديث…
حفظت لكم ذاكرتي الثقيلة نزرا قليلا مما يقول بطل القصة :
” رغم أنني أشك في اختياراتك السابقة فها أنا أتيت بالخير كله الى عيالك “
” لو لا أنا لما استفدت من المساعدة ، لم أجد اسمك في اللائحة الأولى و قلبت الطاولة على كل المسؤولين “
” ها أنا أضيِّع علاقاتي مع لْمْخْزْنْ من اجلكم وأنتم لا تعترفون بالخير و الجميل “
” رغم أنكِ لا تجيبين على هاتفي فأنا أتواضع وأخدمكِ أمام بيتك ، أنا الآن كالعبد تحت أعين الجيران “
” وهل تفقد أحد أحوالكم غيري؟ “
” لقد وصلتني أقوالك لكن أنا أتنازل و أقدم كمن لا شغل له لأساعدك “.
” ها انا مرة اخرى أعطيك بلا حساب ”

عبارات عديدة جعلتني أمشي وراء هذا الشخص الغريب الذي لا يخونه لسانه لوصف كل مشهد وكل حال ، يعرف كيف يصنع الابتسامة كلما شاء و الوجه العبوس بعدها بكل تفان ، يرفع رأسه ويمعن النظرتارة ، واخرى يحني رأسه كالخادم أمام سيدته ، يقول كلاما امام البيت ويقول نقيضه لسائق الشاحنة ، يهجو في الطريق و يمدح قرب الباب ،…


كدت أسأله عن سيادته لأتعرف عليه ، تراجعت خوفا من بطشه ، أخطأت إذن ، كيف يبطش وهو المحسن الموزع للأموال و المواد ، تسللت الى السائق لعله يخبرني عن سيرة سيده ، نهرني بقوة فتراجعت ، لم يسمح لي الخوف والخجل أن أسأل أحد السكان …
علمت ان في الامر عجب …
علمت أن شيء ما يحوم حول رمضان …
علمت أنها علاقة أخذ وعطاء …
فكرت في كل الأمور فلم أجد بدا أن أسألكم أيها القراء:

  • من بطل المشهد يا سادة؟
  • لماذا كل أنواع الخطابات يا سادة؟
  • لمن المال ، ومن أين المال ، و كيف يُصرف يا سادة؟

  • عثمان عوي خميس دادس
    ثاني أيام عيد الفطر المبارك من عام الحجر الصحي
    عيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بألف خير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.