بداية نرحب بضيفنا المصطفى المعتصم الناشط السياسي المغربي .بداية لنعود لزمن الطفولة حدثنا استاذ عن ومضات من طفولتك وكيف اثرت هذه الفترة في تشكل وعيك السياسي
نشأت في حي شعبي القريعة بدرب السلطان بالدارالبيضاء ، درست الابتدائي بمدرسة كريت ثم التحقت باعدادية الغزالي وثانوية مولاي عبدالله حيث نلت الباكالوريا تخصص علوم طبيعية . تربيت في بيئة محافظة لكن مسيسة ، سمحت لي بالتعرف في صغري في على بعض من المقاومين وبعض السياسيين ممن كانوا يزورن بيتنا بين المرة والأخرى نظرا لعلاقتهم بأبي رحمه الله . من أحاديثهم ونقاشاتها بدأ اهتمامي بالعمل السياسي يتنامى كان تركيزهم ينصب حول ما حدث بعد الاستقلال من أحداث ، كيف ضرب المقاومون المخلصون وكيف تمت تصفية جيش التحرير والاغتيالات والاختطافات التي طالت نخبة من أبناء هذا الشعب الأبي ، كانوا يتناقشون عن حرب الريف في 1958 وعن السياسيين المتورطين فيها كانوا يتحدثون عن الجزائر والوحدة المغاربية التي تم وأدها بحرب الرمال بين المغرب والجزائر ، كانوا طبعا يتحدثون عن عبد الناصر وانجازاته وإخفاقاته ، كانوا معجبين به لكنهم كانوا يؤاخدونه على اعدام سيد قطب . من نقاشاتهم عرفت أن هناك في مصر تنظيم يسمى الإخوان المسلمين وأن سيد قطب قد تدخل له عدد من القادة و السیاسیین کعلال الفاسي كي لا يعدم . منهم توصلت بأول كتبي التي كنت ألتهمها التهاما ككتب السيرة النبوية وكتب العقاد وسلامة موسى . كنت أحب كتب التاريخ بشكل خاص . عندما لمس أحدهم بدايات تأثري بالفكر اليساري في بدايات السبعينات أهداني ثلاث كتب واحد يتكلم عن الشيخ محمد عبده والآخر كتاب الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية وهو كتاب يتكلم عن التجربة التنظيمية للإخوان المسلمين ثم كتاب كمعالم في الطريق لسيد قطب الذي وجدت صعوبة بالغة في فهمه فلم أستطيع اتمامه .
الميولات السياسية لأبي وأصدقاءه كانت مزيج من الإخوانية والناصرية وكانوا متأثرين لحد ما بالفكرة التي أطلقها جمال عبد الناصر الإشتراكية الإسلامية وهذا من أسباب اقتناعي منذ بداية تشكل وعيي أن الإسلام لا يتعارض مع الاشتراكية . سنة 1967 كانت الهزيمة المذلة للناصرية التي تراجعت باستمرار خصوصا بعد رحيل عبدالناصر لتفتح المجال أمام ظهور الحركات الإسلامية وفِي طليعتهم الإخوان المسلمين والحركات الماركسية اللينينية التي تنامى وجودها خصوصا بعد ثورة الطلبة في فرنسا سنة 1968.
االسؤال الثاني . حدثنا عن تفاصيل انضمامك للحركة الاسلامية بالمغرب و بعض الاحداث التي رسخت في ذهنه عن تلك الفترة
ولجت العمل السياسي مبكرا ، لم يكن عمري يزيد عن خمسة عشر سنة ، مع مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت جامعاتنا تشهد مدّا ماركسيا غير مسبوق ، حيث تأثرت الحركة الطلابية المغربية التي كانت ذات ميولات يسارية أصلا، بظروف الحرب الباردة ، في ساحات ساخنة كالفيتنام و كل جنوب شرق آسيا وكوباوأمريكا اللاتينية وفِي المشرق العربي حيث شكلت هزيمة النظام الناصري في 67 محطة للتفكير في حل غير الحل القومي الناصري كما تأثرت الحركة الطلابية المغربية بالثورة الطلابية في فرنسا سنة 1968 . هزيمة الناصرية في 1967 أدت إلى ظهور يسار جديد كان يرى أن الحل في الماركسية اللينينية وإلى انبعاث تجربة الإخوان المسلمين وظهور تجارب إسلامية في المشرق والمغرب تقول أن الإسلام هو الحل .
وحيث إن النقابة الطلابية “الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ” كان حينها تنشط حتى في الثانويات فقد امتد المد اليساري بالعنوان الماركسي اللينيني حتى الثانويات. يجب الاشارة إلى أن المدرسة العليا للأساتذة ( كانت واحدة في الرباط فقط ) قد خرجت في نهاية الستينات بداية السبعينات قبل اغلاقها بقرار من الدولة المغربية جيلا من أساتذة التعليم الثانوي تخصص في علوم انسانية خصوصا الفلسفة اللذين ساهموا في نشر الفكر الماركسي .
انخرطت في العمل النقابي والنضالي التلاميذي وعشت لحظة تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ وكنت من الأوائل المنخرطين فيها . تأسيس هذه النقابة جاء على إثر منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من التواجد بالثانويات وقد طرحت الدولة التعاضديات كبديل تم رفضها من طرف الفعاليات اليسارية العاملة سواء في الثانويات أو في الجامعة والتي كانت تأمل بأن يكون العمل الطلابي والتلاميذي رأس الحربة في النضال ضد النظام، فأسسوا SNL أي النقابة الوطنية للتلاميذ.
لم أجد في البداية أي مشكل بين أن أكون اشتراكيا ومسلما في نفس الآن ولنقل أن فكرة الاشتراكية الإسلامية الناصرية ولدت لدي قناعة قبلية لقبول هذا المزيج ، هذه الفكرة استقطبت مفكرين وكتاب كانوا يحضون في تلك اللحظة بالكثير من الاهتمام والمتابعة كعبد الحميد جودة السحار الذي كتب كتابا عن اشتراكية أبو ذر الغفاري . مما جعلت من انخراطي في SNL أمرا سلس إذ كنت مبدئيا على استعداد للانخراط في عمل سياسي نضالي ذا توجه اشتراكي . لكن ما حدث هو أني ومجموعة من المناضلين الآخرين في النقابة الوطنية للتلاميذ سوف نصدم بالتوجه الإلحادي الطاغي داخل السيار الجديد والذي كنا تختزله بالجبهة . كان هناك مشاعر كراهية غير مبررة اتجاه الدين الذي كانوا يعتبرونه أفيون و خلصوا إلى ضرورة مهاجمة الدين وتخليص المغاربة منه كمقدمة للتحرر. كانت هذه أكبر هدية قدمت للنظام الذي رفع في وجوههم شعار الدفاع عن الدين ضد الإلحاد . طبعا هناك تفاصيل أخرى صدمتني وصدمت إخوة آخرين على مستوى السلوكيات الفردية لبعض المناضلين اللذين كانوا متأثرين بالنسخة الفرانكوفونية للماركسية اللينينية.
صدمتي وصدمة مجموعة من رفاق دربي في SNL بثانوية مولاي عبدالله دفعتنا للبحث عن طريق نضالي نلتمس فيه مناشدة العدالة الاجتماعية بدون أن نصطدم بتعاليم ديننا السمح . بدأنا بدراسة جماعية كتاب اإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية ودراسة كتب عبقريات العقاد طيلة صيف 1972 ومع مطلع السنة الدراسية 1972-1973 بدأنا أولى خطواتنا في تأسيس خلية بثانوية مولاي عبدالله بالدارالبيضاء .
في صيف 1972 زارني بالبيت صديقي ورفيقي حسني عبداللطيف رحمه الله لأنه بقي على علاقة بي حتى عندما أخذت المسافة من SNL ، كان يأتيني بمجلة المناضل كلما صدرت لاحظ وجود كتاب الإخوان المسلمين كبرى الحركات الاسلامية تبادلنا أطراف الحديث وانصرف . بعد هذا اللقاء سأتفاجأ برفاق من SNL يتحدثون عن ظهور الإخوان المسلمين في المغرب وأني قد أصبح منهم والمصدر طبعا كان هو عبداللطيف حسني ، هو من أطلق علينا هذا الإسم .
الرفاق في الثانوية كانوا يؤمنون بالعنف الثوري ونظروا إلى وجودنا معهم في الثانوية كأننا نمثل التناقض الرئيسي ونجسد الرجعية فلجؤوا إلى تعنيفنا نحن اللذين لم نكونوا نتعدى أصابع اليد . هذا العنف المبالغ فيه والمصحوب بحملة دعائية كبيرة ضدنا داخل ثانويات الدارالبيضاء وثانويات أخرى جاء بنتيجة عكسية، إذ أصبحنا حديث الساعة ليس فقط في ثانوية مولاي عبدالله بل في جل الثانويات الكبرى بالدارالبيضاء . كنا لا نهاب أي مخلوق ولاد الشعب العنف جزء من حياتهم اليومية في أحيائهم وأزقتهم ، لهذا صمدنا وحولنا ثانوية مولاي عبدالله فضاء للنقاش ولو في ظل العنف الذي عانينا منه . أخبارنا بلغت الأستاذ عبدالكريم مطيع الذي كان قد شكل جمعية الشبيبة الإسلامية في متم سنة 1969 ، رتب معنا لقاءا في المسجد المحمدي بدرب الأحباس تعرف علينا وتعرفنا عليه وعرض علينا فكرته وأهداف جمعيته .
السؤال الثالث..حدثنا عن اجواء رمضان والعيد ويوميات المعتصم المعتقل
كنت طيلة اعتقالي أي ثلاث سنوات وشهرين في عزلة ، وهذا في حد ذاته أمر صعب ، ثلاث رمضانات التي قضيتها في السجن لم تكن كرمضنات التي كنت فيها حرا، أجواء رمضان لها طابع خاص وروحانية خاصة لا تتوفر في السجن ، نعم اللجوء إلى الله يساعد على التخفيف من وطأة السجن ليس في ذلك من شك .
كان رمضان يأتي في نهاية الصيف ، وكان اليوم طويلا نسبيا ، والليل قصير ، كان علي أن أعتمد على نفسي في كل شيئ اعداد الفطور والعشاء والسحور ، وكان يومي يقسم بين اعداد الطعام وترتيب الزنزانة والورد القرآني اليومي وحفظ بعض الآيات من الذكر الحكيم والصلاة والتراويح والمطالعة وبعض التمارين الرياضية الخفيفة بعض الأحيان كنت أتفرج على التلفاز حيث كنت أقتصر على مشاهدة قناة الرياضية إذا كانت فيها مقابلات عن البطولة الوطنية وبعض النشرات الإخبارية . طبعا في السجن لا يسمح بالتفرج إلا على القنوات التلفزية المغربية ، وفِي السجن وقفت على رداءة قنواتنا وكان التفرج فيها في الكثير من الاحيان جزء من المحنة التي كنا نعيشها . العيد أيضا كان صعبا ففي صباحه تتذكر قصيدة المتنبي الذي مطلعها عيد بأية حال عدت يا عيد ، تتذكر الأهل والأبناء والعائلة الكبيرة تتألم لآلامهم وليس لآلامك، تعرف جيدا معاناتهم في يوم كان من المفروض أن يكون يوم فرح وعلى كل حال كما قال هاشم الرفاعي : يهزني ألمي فأنشد راحتي.. في بضع آيات من القرآن.
السٶال الرابع .مر الربيع المغربي فنلت الحرية في زمن الحراك كيف تلقيت خبرة العفو وانت في زنزانتك.
كانت ابنتي سمية قد أخبرتني أن شبابا من عشرين فبراير سيعتصمون أمام السجن مطالبين باطلاق سراحنا نحن المعتقلين السياسيين في سجن الزاكي على خلفية قضية بليرج ، وكان لدينا شعور بأن تمة أمور تعد خصوصا وأن هيأة الدفاع وبعض الفاعليات الحقوقية التي لعبت دورا في الدفاع عن حريتنا كثفت اتصالاتها من أجل اطلاق سراحنا في ذلك الحين . صباح يوم 14 أبريل 2011 بلغني أن المحامين و بعض الفاعليات الحقوقية قد اتصلوا بالعائلة في ساعة متأخرة من الليل ليخبروهم أنه تقرر العفو عن مجموعة من المعتقلين وكنت منهم ، طبعا كان علي أن أسجد لله فرحا على نعمة الحرية . جاء الحارس وطلب مني الاستعداد للمغادرة لم أجمع سوى ملابسي وكتبي وتركت كل شيئ آخر كنت أستعمله من تلفاز وأواني وحتى أغطية ، كانت لحظة مؤثرة تلك التي رأيت فيها حراس السجن في فرحة غامرة وهم يودعونني فقد نشأت علاقة الطيبة بيننا ، كان منهم من تأثر كثيرا لدرجة أن عيناه دمعت وهو يقول مودعا لي ” ما سخيناش بك ولكن سير بحالك هادي ما شي بلاصتك”. في إدارة السجن كان هناك مسؤولين من المجلس الوطني لحقوق الإنسان اللذين نقلونا إلى المجلس حيث حضينا باستقبال كبير من العائلات وهيئة دفاعنا والحقوقيين وإخواننا وأخواتنا اللذين تمكنوا من التنقل ذلك الصباح ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وأمين المجلس والكثير من شباب 20فبراير اللذين لن أنسى ما حييت ما قاموا به اتجاهنا . بعد هذا الاستقبال الرسمي ، خرجت مسيرة من المجلس في اتجاه نادي المحامين بالمحيط حيث كان هناك مهرجان تخللته كلمات من المحامين والمدافعين عنا وكلمات من المفرج عنهم .
سادسا..لنعود للنشاط السياسي ما اخر مستجدات ملف حزب البديل الحضاري المنحل..
ليس هناك أي جديد بخصوص ملف حزب البديل الحضاري ، هذه القضية التي ستبقى نقطة سوداء في سجل المغرب الحديث . حزب يحل بشكل غير قانوني ، ويحال دون تمكننا من اللجوء إلى القضاء وكل المسؤولين اللذين اتصلنا بهم يقولون لنا أن المسألة تتجاوزهم . طرقنا كل الأبواب التي استطعنا طرقها لكن في المغرب من رئيس الحكومة إلى وزارة الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان من دون نتيجة . في كل مرة كان يقال لنا هناك جهات عليا وراء منعكم . حاولنا مراسلة ملك البلاد لكننا لم نتلقى أي جواب .والحقيقة أن في المغرب إذا لم يكن لك ما يسمى في قاموس سياسيينا بالضامن فلا أحد يكلمك.
عار أن يبقى مناضلون ومناضلات حزب البديل محرومين من إيطار حزبي ارتضوه لأنفسهم وسنظل نبذل الوسع لرفع هذا الحيف وسنظل نقدم شكوانا للعلي القدير ولو أننا في بعض الأحيان نتفق على القول أن ربنا قد أراد بنا خيرا من هذا المنع اللاقانوني والجائر نظرا لمآل الساحة السياسية ببلادنا اليوم . وعلى كل حال الحزب ليس كل شيئ في العمل السياسي وإذا بقيت الدولة على موقفها من حرماننا من حقوقنا الدستورية فسنظل نعمل بالأشكال السياسية المتاحة .
سابعا واخيرا..حدثنا عن ماذا علمتك تجارب الحياة في مسارك الدعوي والسياسي و بعض الطرايف ليتقرب القارىء من مسارك
علمتني أن أحب الله لجماله وأعبده لجماله ، وعلمني حب وعبادة جمال الخالق حب عباده وخلقه ، علمتني أن أتخلى عن الوثوقية ما عدا في الأمور العقائدية ، أي أن أكون نسبيا في فهمي ، في أفكاري ، في آرائي ، وفِي تحليلاتي ، علمتني أن الحياة من دون قيم ومبادئ ليست حياة ، علمتني أن لا أحد في هذه الدنيا الفانية ضروري أو خالد ، علمتني أنه يتوجب علي فقط القيام بما أستطيعه ويتطلبه انتسابي لهذا الدين والأمة والبشرية والمرحلة لا أقل ولا أكثر ، علمتني أن النصر صبر ساعة وأنه من عند الله ، علمتني أن الظلم والطغيان مهما على وتجبر فإنه إلى زوال .
المصدر : https://tinghir.info/?p=45968