شبح كورونا يكتسح العالم

admin
2020-04-26T22:40:57+01:00
اقلام حرة
admin26 أبريل 2020
شبح كورونا يكتسح العالم
خالد الحسني

عرف العالم مؤخرا، فيروس(كوفيد 19) الذي تسبب في حالة من الذعر والهلع والفوضى لمختلف الشعوب؛ حيث أدى هذا الفيروس إلى اضطراب الحياة اليومية لملايين الأشخاص، كما ساهم أيضا في تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي، وأوقف حركة التنقل المحلي والعالمي، علاوة على إلغاء عشرات المؤتمرات السياسية واللقاءات الثقافية والرياضية. على الرغم مما تقوم به الدول من إجراءات وقائية للحد من انتشار هذا الوباء، إلا أنهم لم ينجحوا إلى حد الآن في إيقاف تفشي هذا الفيروس الذي يراه المراقبون والمنظرون بأنه أخطر أزمة عالمية وبائية عالمية في الألفية الثالثة. إذ أنها أربكت العالم، وجعلت جميع المنظمات الدولية والعالمية تنقلب رأسا على عقب. إضافة إلى ما أحدثه هذا الوباء من مشاكل وأزمات اقتصادية وثقافية تتخبط فيه دول العالم ، فقد عرّى ما يسمى بالاتحاد الأوروبي، وما تتبجل به أبواق السياسة من قيم المواطنة والتعاون الدولي.


يبدو أن الوضع اصبح أكثر خطورة على الساحة الدولية والمحلية، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن خطورة هذا الفيروس الذي سوف يغزو العالم ويخلف إصابات ووفيات. فجميع الحكومات استجابات لنداء المنظمة، وذلك بفرض حالات من الاستثناء، تمثلت في الحجر الصحي، وإغلاق جميع المؤسسات التعلمية، والأسواق التجارية الكبرى ودعت إلى رفع شعار “بقى فدار، لتنقذ نفسك وعائلتك”. كل هذا خلق نوعا من الخوف والقلق والذعر في نفوس المواطنين، صغارا وكبارا، خوفا من هذا الوباء، وخوفا من الموت، وخوفا من قلة المواد الاستهلاكية.


هذا الجانب النفسي هو الذي أثار انتباهي في هذه الجائحة، إذ الملاحظ أن حدة الخوف والقلق تتزايد مع وثيرة الحالات المسجلة في عدد الإصابات بهذا الوباء. علما أن كبار الأطباء النفسانيين يدعون إلى ضرورة التعامل مع هذه الأزمنة بنوع من الأريحية دون الشعور بالتوتر وبالقلق، وذلك بالعمل على التحفيز وطرد الملل بمجموعة من الأنشطة كالقراءة، والرياضة، والموسيقى والرسم…وإذ بي أسمع هذه النصائح عقدة مع نفسي لحظة تأمل بالرجوع إلى التاريخ البشري، والعمل على كشف طفيف عن تتغلب البشرية على الأزمات والأوبئة، ومواجهة حتمية الموت والخوف… وذلك بطرح مجموعة من التساؤلات حول واقع العالم والإنسان والحياة والموت. جوهر كل تلك الاسئلة الكبرى كانت فكرتيْ الموت والخوف وهما من التيمات الكبرى، التي كانت قد شغل الشاغل للإنسان في رحلته التاريخية. وفي كل مرحلة وفي كل مصيبة أو كارثة، تتأسس مفاهيم جديدة وتهدم مفاهيم قديمة وبالية. وتطرح جدلية العالمين، جدلية الموت والحياة، وجدلية الخير والشر… وأمام هذه الكوارث الطبيعية والإنسانية، يتوجه الإنسان بخطابه الروحاني والعقلاني إلى أمرين:


الأمر الأول هو القوى الخفية الغيبية، إذ يجد الإنسان نفسه ضعيفا وعاجزا أمام الظواهر الطبيعية، ولا ملجأ له إلا التضرع إلى السماء بعينين خاشعتين طالبا الخلاص (كيركجارد).


أما الأمر الثاني فيتمثل في العلم والبحث العلمي (البحوث و المختبرات)، حيث يعمل الأطباء ليلا ونهارا من أجل الكشف عن الغموض الذي تنكمش فيه الطبيعة، وسعيا منهم لفهم قانونها والتحكم فيها (ديكارت).


إذن، فمنذ الأزل كل تفكير الإنسان هو عمل لردع هوة الخوف وهدمها، الخوف الذي يسكن الإنسان أمام عظمة الطبيعة، وعجزه هو عن الكشف عن الغموض والبحث عن المعنى(هيوم). فالملاحظ أن الخوف يلبس في كل منعطف تاريخي لبوسا جديدا بحسب المحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي…لهذا يبقى هاجس الإنسان هو التغلب على الخوف والقلق، والبحث عن حالة الاطمئنان والعيش بسلام.


فلما اعتقد الإنسان أنه بسط سيطرته على الطبيعة إذا بها تنفلت بين راحة يديه لتخلق له مفاجئة وصدمة، “وكلما اعتقد أن هذا الدواء أوقف هذا المرض نهائيا، ظهر وباء أخر يهدد انتصاره وفرحته ويعكر صفوة وجوده”. هذا ما وقع للإنسان اليوم أمام هذا الوباء “فمن كان يعتقد أو يظن ان حال العالم سيؤول لما آل إليه اليوم”. وجد الانسان نفسه أمام هذا الوباء (كوفيد 19) ، وشعر بخوف جديد يختلف عن خوفه السابق أمام الحروب، والمجاعات والكوارث الطبيعية…إنه خوف من فيروس لا يرى بالعين المجردة، أنه خوف من المجهول، ذلك الذي يحيط به من كل الجوانب لكنه لا يراه. إنها حرب خفية شرسة على العلاقات الإنسانية والصداقة والحب…وكأن (سارتر) يعنينا بقولته” الآخر هو الجحيم” الآخر يهدد حياة الأنا، إنه نوع من مأسسة العلاقات بنوع آخر “اللاتواصل نوع من أنواع التواص”(ميرلوبونتي).


عندما يصير العالم مخيفا، يمكننا أن نجد الراحة في تعاليم الفلاسفة الذين عرفوا كيف يتعاملون مع الأزمات والكوارث بنوع من الحكمة. هذا ما نجده في فلسفة الرواقية (مدرسة فلسفية قديمة، تأسست في أثينا في القرن الثالث قبل الميلاد، من روادها: سينيكا Seneca، وإبكتيتس Epictetus، وماركوس أوريليوس Marcus Aurelis. فحين نواجه مثل هذا الوباء، نجد تعاليم هؤلاء الفلاسفة مناسبة جدا لنا من أجل تجاوز هذه الأزمة والخروج من محنة وجودية عالمية. عندما يكون المستقبل مرعبا، ومفتوحا على المجهول وعلى إمكانات متعددة لا نهائية، عندما يفقد المستقبل المعنى، يمكن أن نجد في تعاليم أولئك القدامى المعنى ونوع من الحكمة في التعامل مع الواقع والحياة، سعيا لتحقيق حالة من الاطمئنان والراحة النفسية.


إن ما يهم، ليس ما يحدث وما حدث لك، وإنما الكيفية التي تستجيب بها لما يحدث” (إبكتيتس). فكبار الرواقيين ينصحون بأنه من السخافة الاندهاش بالأشياء، وأن الإحباط يأتي نتيجة للتوقعات غير المعقولة. وأختم هذه التعاليم بما قاله أبيقور فيما بعد عن الخوف من الموت ” لماذا أخاف من الموت؟ فطالما أنا موجود، فإن الموت لا وجود له، وعندما يكون الموت، فإني لست موجودا. فلماذا أخاف من ذلك الذي لا جود له عندما أكون موجودا؟”


أمام هذه الجائحة؛ جائحة كورونا وما خلفته من خوف ورعب وهلع في نفوس الأفراد عبر العالم. فالمؤكد أن العالم ليس هو ما قبل كورونا وليس ما هو في زمن كورونا، ولن يكون أبدا هو ما بعد كورونا. والمؤكد أيضا أن أسئلة جديدة ستطرح غدا(رغم أنها طرحت اليوم وأمس) أمام الفيلسوف والأديب والطبيب والفنان ورجل السياسة…والإنسان بصفة عامة. نسائل “الخوف” وننفتح على “الأمل” بحثا عن المعنى في عالم اللامعنى.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.