تجار الوباء
المصطفى محبوب*
في هذه الظروف العصيبة التي تجتازها بلادنا والتي تفرض أن نساهم جميعا في نشر قيم التضامن وبعث الطمأنينة في النفوس ونشر ثقافة الوعي الصحي بين الناس كما ينبه إلى ذلك الأطباء المختصون ووسائل الإعلام، تلك الثقافة التي تجنب البلاد والعباد مخاطر هذا الوباء، يخرج علينا كل مرة أشخاص طباعهم خبيثة، لا ذرة ايمان في قلوبهم، لا ضمير يؤطر تصرفاتهم ولا ريح إنسانية تضبط مواقفهم في هذه اللحظات التي تستدعي منا أن نكون يدا واحدة تسعى إلى خير البلاد والعباد، لا مؤشر للوطنية الحقة التي تفرض أن نحترم رموز المملكة لدى هؤلاء المشغولين بالتهكم والاستهزاء بكل ما يمت إلى الإسلام بصلة حيث وجدوها فرصة كي يسخروا من المساجد التي أغلقت ويبخسوا من قيمتها بحجة أننا ومع انتشار هذا الوباء بحاجة إلى المستشفيات وكم حذرونا من قبل وانتقدوا بناء الجوامع وكأني بهم يقولون للناس اليوم ستؤدون ضريبة إعراضكم عن تشييد المستشفيات وتضييع أموالكم في بناء مساجد ليست لها أولويات مثل المستشفيات… لكن المشكل هنا أكبر من كونه تدبيرا للأولويات أو تنويعا لمجالات الإحسان العمومي ( ربما أعود لتفصيل هذه النقطة بالذات في موضوع آخر ومستقل)، لكن المشكل ينطوي على خطورة كبيرة وهي زرع الرعب في نفوس الناس وجعلهم يفقدون الثقة في مؤسسات دولتهم وايهامهم أن الدولة ومع كل الجهود التي تبذلها مشكورة من أجل تجاوز الأزمة، ليست لها القدرة اللازمة للتعامل مع كل وضع مستجد ويتضح هذا من نبرة التأسف التي تنضح بها تدويناتهم وكأني بهم يقولون : ” سنذهب ضحايا المساجد التي تركتنا بلا مستشفيات”. حقيقة وبلا لف ولا دوران، هذا هو مضمون الرسائل التي يريد ايصالها أصحاب هذه المنشورات، الذين جعلوا الرعب يدب إلى النفوس وهم يشككوننا في قدرة مختبراتنا ومستشفياتنا على التعامل مع الوباء المستجد. ولست أرى فرقا بين هؤلاء وأولئك الذين سيقوا للمحاكمة لنشرهم أخبارا زائفة من شأنها زرع الرعب في النفوس وجعل الناس يفقدون الثقة في المؤسسات، أضف إلى ذلك السخرية وبطريقة كاريكاتورية من المساجد التي تميز هذه الدولة التي تدين بالإسلام وكما ينص على ذلك الدستور. لست أبالغ حين أكرر هذا المعطى الأخير وأسطر عليه، لأن هناك دلائل أخرى تؤكد أن هؤلاء وفي الوقت الذي انشغل فيه الأسوياء من المواطنين بتوعية الناس وتحسيسهم وبالتضامن وبنشر كل ما هو مفيد لنا جميعا ونقل المعلومات الصحيحة لتفادي تفشي الوباء والترفع عن كل الخلافات مهما كانت طبيعتها، نجد هؤلاء يتمادون في غيهم حيث سخروا من الدعاء الذي يعتبر في عقيدة المسلم مخ العبادة، وسخروا من طلبة العلوم الشرعية والذين حسب زعمهم ينجزون آلاف البحوث في حين لا يستطيعون تصميم وخياطة كمامة، ما علاقة هذه العلوم بالكمامة ؟ ولماذا لم يطالبوا بمثل ذلك طلبة القانون أو الاقتصاد أو الآداب… ( مع احتراماتي لكل التخصصات)؟ وعندما يتحدثون تحسبهم علماء لهم اكتشافات واختراعات في حين لن تجد لهم تميزا في مجال تخصصهم ولا يفيدون المجتمع في شيء ولا ينتجون شيئا مما يطالبون به غيرهم لا كمامة، لا لقاح، لا دواء بل ولا حتى كلام طيب، اللهم براعتهم في نشر الفتنة والاستهزاء بعقيدة شعب مسلم يدل شعار المملكة على هويته وينص الدستور على دينه الذي يجب أن لا تنتهك حرماته وألا يستفز أي مواطن أو مواطنة في عقيدته. الكل انخرط في عمليات التوعية والتحسيس التي تقوم بها الجهات المختصة إلا هؤلاء بقوا يتفرجون، يسخرون ويثبطون العزائم بمنشوراتهم المحبطة التي تمس دين الدولة وعقيدة المواطنين. إلى متى نبقى مكتوفي الأيدي أمام هذه الشرذمة التي تفرق وقت الشدة والمحنة التي تتطلب الوحدة؟ لست هنا أحرض أحدا على أحد وإنما أسائل قوانيننا التي من واجبها حماية الملة والدين. لا أرى فرقا هنا بين هؤلاء وبين الذين استغلوا الوضع للزيادة في الأسعار والاحتكار، فمنعدمي الضمائر الذين نتحدث عنهم استغلوا الوضع أيضا لبث هرطقاتهم وسمومهم التي تزرع الفتنة، ولست أرى كذلك فرقا بينهم وبين الذين يبخسون جهود الدولة ويتوجهون عكس سياستها في هذا الوقت بالذات كالذي سيق للمحاكمة لأنه ضد إغلاق المساجد وتحريض الناس على عدم التفاعل مع الاحتياطات التي اتخذتها الدولة حرصا على مصلحة وصحة المواطنين، فمنعدمي الضمائر الذين نتحدث عنهم لم يحترموا أيضا حرمات المساجد وقداستها ويقومون فقط بإلهاء الناس عن الانشغال بما هو أسمى، أجدى وأنفع فيسيروا عكس تيار التعبئة والتجنيد لمحاربة الوباء، حقا لا أرى فرقا بين هؤلاء وأولئك. الناس سئموا انتهاك حرمات دينهم وسئموا استفزاز مشاعرهم بالتهكم والسخرية من عقائدهم ونرجو أن تتدخل الدولة لتضع حدا لكل ما من شأنه أن يمس مقدساتنا أو يزعزع عقائد المؤمنين. وأنتهز الفرصة لأثمن عاليا تدبير الدولة لهذه المرحلة بتواصلها مع المواطنين واطلاعهم على المستجدات و كذا الإجراءات الاحترازية التي اعتمدتها وآخرها حالة الطوارئ الصحية، دون أن ننسى الجانب الاجتماعي والقرارات الايجابية التي اتخذتها الحكومة ثم تموين الأسواق بالسلع الكافية…ولا يفوتني أن أرفع القبعة عالية لمواطنين شرفاء كان همهم تقديم الخدمات للمعوزين من المرضى وكبار السن… تحية لكل المواطنين الشرفاء الذين يرون في المرحلة مرحلة تضامن، وحدة، وضع اليد في يد دولتنا لتجاوز الأزمة ولا نامت أعين الجبناء، من همهم إثارة الفتنة والقلاقل والرعب بين الناس، ومن همهم إلهاء الناس وشغلهم عن التبني الايجابي لهذا الهم المستجد. ونسأل الله العظيم أن يحفظ وطننا والعالم أسره من شر هذا الوباء. وتحياتي ومودتي
* شاعر وكاتب مغربي
المصدر : https://tinghir.info/?p=43279