في ظل مُستجدات جائحة فيرُوس كورونا، أصاب العالم دوار غير مسبُوق، ارتعدت له رزانة كثير من الدول والحكومات ومنها بالتأكيد، تلك التي ما انفكت تطمئن المواطنين بتفاهة الأمر وصعوبة وصوله إلى حيث هشاشتنا، بل إن بعض مُحلليها النبهاء الذين أخذوا شواهدهم العليا من جامعات “تِسُومَّارْ” ومدرّجات المقاهي الشعبية ذات المداخن النفاثة بالشيشة وأشياء أخرى، تجاوزوا حدّ المنطق فربطوا بين الفيروس والاقتصاد والسّياسات الدولية الكبرى ، وفي أبهى فهومهم تجليات حرب عالمية باردة بين الغول الأصفر الصيني ودب البيت الأبيض.
احترازيا اذن، أوقفت الوزارة بقرار مستعجل الدراسة في كل المُستويات والأنواع والفئات، فأعلنت استنفارا قويا على الصّعيد الوطني، فبُهت أولائك الذين كانوا بالأمس يتفكّهون ويتوهموا استحالة تحقيق ما هم الآن فيه من حيرة وتعجب. في مُقابل هذا الصّنف المُمانع بجهالة، هناك صنف ثان مُستعد للانخراط في فوبيا فيروس كورونا طواعية، بل أكثر مما يلزم، ومنهم أساتذة وأطر وأشباههما ممن طلبت منهم الوزارة التدريس عن بعد والعمل على منح التعلّمات بوضعيات مُختلفة عن العادة. ولسنا هنا بصدد سرد صُعوبات تحقيق ذلك لوجيستيكيا ومعنويا كذلك ، بل حين نمعِن النظر في طبيعة العملية وكيفياتها، نجد فراغات مهولة واشكالات عويصة، ولن يتأتى ذلك كله في غياب دراسة مضبوطة، ورؤية صحيحة يهيأ لها سلفا بالقدر الذي يكفي، فكيف لمن فشل في التدريس عن قرب أن ينجح فيه عن بعد، وكيف لمن لا يضع بونا بين بناء التعلّمات منهجيا و خربشات الفايسبوك أن يسْعفك في التعليم عن بعد، أيكون الأمر قد اختلط عند الوزارة بين مدارسهم هناك ومدارسنا هنا، أم إنها فعلا لا تفرق بين الأمرين رغم تباعدهما حدّ التناقض، فتركت مساحة للاجتهاد مفتوحة أمام أهل التسنطيحة.
إن الأمر فعلا، لا يستحق الانسياق نحو التفاهة ، وفتح الباب أمام بائعي العلم بضاعة فاسدة ، فنحن لا نتقص من شأن زملائنا الأساتذة، لكن ننبه بأدب أولائك المكبوتين الذين انبروا قبل بلاغ الوزارة في نشر إعلانات دعمهم على جدرانهم المهترئة بالفايسبوك، معتقدين أن البلاغ يقصد حساباتهم التواصلية الشخصية وزنازين مركبات نقصهم الاجتماعية، غير مدركين أن الأمر يتجاوز ذلك ويترفع عنه الى منصات الكترونية داعمة ومواقع اتصالية عالية كما هو الشأن في التعليم الجامعي عن بعد في الجامعات الغربية الحديثة،
إننا لا ننكر ايجابيات مواقع التواصل الاجتماعي في الاعلان واكتساب بعض المعرفة والخبرات، ولا قدرة الوسائل التكنولوجية في الإسهام في التعلم الفعال، لكن نعيب في المسألة المُستجدة باختصار ما يلي :
– التعليم عن بُعد يستوجب عُدة وازنة وموارد بشرية كفأة في المجال الإعلامي الالكتروني، وواعية بقوانين النشر وحفظ الخصُوصيات وفق التعديل القانون الجنائي الجديد،
– خلط بعض المدرّسين الاندفاعيين بين ما هو تربوي منهجي، وبين المعرفة الفضفاضة التي هي ثقافة عامة عابرة،
– الخطاب في البلاغ الوزاري حدّد أبواب التعليم عن بُعد في الرابط الالكتروني الخاص والقناة الرابعة، وليس الحسابات الشخصية للأفراد كما توهّم بعض “المجتهدين”،
– الواقع التعليمي المُباشر كشف عن فشل وتعثرات مزمنة يصْعب ردم صدعها فكيف بآخر بعيد وافتراضي لا تحده قيود، ولا تراقبه قوانين ولا مذكرات، ولا ضمير أيضا،
– يقتضي هذا التعليم عن بعد وجُود إدارة عن بعد ومفتش (مراقبة تربوية) عن بعد، وحراسة عامة عن بعد تمنح أذونات الدخول والخروج الكترونيا، وتراقب سير العملية التعليمية التعلمية،
– التعليم والتعلم عملية جدلية بنائية مُشتركة بين المدرس والمتعلم، وتلك سِمة تغيب في التعليم عن بعد لغياب العنصر المادي في المسألة،
– تقديم الدعم الحر والتقويمات الداعمة لا علاقة له بتقديم دروس منهجية كما في حصص الدراسة العادية،
– اقحام الوطنية في المسألة هو ضيق نظر ومحاولة نيل شهرة عابرة بأمور جاء بها القدر ولا يستطيع البعض تحقيقها صفيا في الواقع، ولا في مضانّها المُعتادة،
– الاشتغال في مجال التعليم عن بعد يقتضي كفاءة وخبرة ومنهجية مضبوطة، وليس كلام إنشاء شبيه بمحادثات الحمّامات والمقاهي ودور العجزة ومهاترات الأحلام.
– وباء كورنا نازلة خطيرة تستدعي من الجميع التحلي بالواجب في حدود المعقول دون الانجراف نحو تقديم كورونا معرفية قاتلة عن بعد، قد تدمر المتعلم كله بأجمعه،
– الدواهي العظام اختبار للذات الفردية والجمعية على حد سواء، فلا تغلب أناك وتسلّح بالإيثار فهو أجدى نفعا وأقرب للتقوى، ثم اسأل الله السلامة للجميع وللوطن.
…………………..
(محمد بوطاهر- الجمعة13 مارس 2020)
المصدر : https://tinghir.info/?p=42879