المقاومة بين الشعور الديني والشعور الوطني (معركة بوكافر نموذجا)

admin
2020-03-14T20:55:57+01:00
آخر الأخباراقلام حرة
admin12 مارس 2020
المقاومة بين الشعور الديني والشعور الوطني (معركة بوكافر نموذجا)
يوسفي عبد المجيد

المقاومة بين الشعور الديني والشعور الوطني

(معركة بوكافر نموذجا)

                                                                                            

ذ.يوسفي عبد المجيد

 

تقديم:

        في ظل عولمة كاسحة ساعية لتنميط كل الثقافات ،ولمحو كل الخصوصيات وكل السمات المميزة يجد الباحث في التاريخ الوطني نفسه ملزما بالبحث أكثر وأكثر في أحداث هذا التاريخ بكل ماوسمه من بطولات وأمجاد من جهة وبكل ما اعتراه من اخفاقات وهزائم من جهة أخرى،من أجل أخذ العبر والدروس ومن أجل ربط الأجيال بماضيها،انطلاقا من حقيقة مفادها أنه لا يمكن فهم الحاضر ولا استشراف المستقبل الا انطلاقا من هذا الماضي.

في هذا السياق تسعى هذا الورقة العلمية الوقوف عند معركة بوكافر التي تشكل محطة بطولية بكل ما للكلمة من معنى،موقنين بأنه رغم كل ما قيل فيها ،ورغم ما كتب عنها ماتزال في أمس الحاجة إلى أبحاث متجددة لكشف النقاب عن خفاياها وأسرارها وملابساتها،من أجل استنباط المزيد من الدروس والعبر.

سنسلط الأضواء على هذه المعركة انطلاقا من الشعور الديني والوطني الذي نجزم منذ البدء أنه كان محركها ووقودها كما تأكد لنا ذلك من خلال مختلف الأحداث والحيثيات التي ميزت المعركة. فما حجم علاقة هذا الشعور بوقائع ومجريات ونتائج المعركة ؟.

1-محدد الشعور الديني في معركة بوكافر

     شكل الشعور الديني منطلق المقاومة العفوية منذ التاريخ القديم للمغرب، فقد شكلت المقاومة الدينية حائطا تكسرت فوقه سلطة الإمبراطورية الرومانية ،من أبرزها الثورة الدوناتية نسبة لرجل الدين الأمازيغي “دوناتوس” التي شكلت “عقيدة الثورة التي فجرها الأمازيغ واستمر لهيبها الى زوال الحكم الروماني”1 ،ظل هذا العامل حاضرا طيلة ذود المغاربة عن حياض الوطن ضد الغزو الأجنبي، ففي القرن العشرين ومع بداية التغلغل الأجنبي بالمغرب ستنطلق دعوات الجهاد لصد العدوان الخارجي، تزعمها العلماء ومشايخ الزوايا. فأين يتجلى هذا الشعور في معركة بوكافر؟

انطلقت معركة بوكافر شهر فبراير سنة 1933 مع بداية زحف القوات الفرنسية الغازية حينها استجابت قبائل المنطقة لنداء “مناد في الاسواق والمداشر :أن هبوا لمقاتلة النصارى وطردهم من هذه البلاد فان من يفعل ذلك فعداده من المجاهدين ومن يتقاعس فهو محصي مع المستعمر وخدامه”2.

وفي تلك الظروف تم انتخاب « شيخ الحرب »عسو وباسلام… سيكون سيد هذه الفترة  حامل راية الإسلام الذي سيقود أيت عطا نحو النصر …. » 3.

إلى جانب القبائل العطاوية الزاحفة نحو صاغرو معقلها المقدس للدفاع عن مجالها القبلي شارك ” الشرفا إما بالقتال المباشر أو بتحريضهم المجاهدين وتبشيرهم بجنات الخلد.وظلت الوثائق الفرنسية -تنعت -هؤلاء الشرفاء المشاركين في الملحمة بالدجالين والمحرضين …”4.

ومن خلال رواية محلية نادرة معاصرة لمعركة بوكافر، تحكي لنا الشعور الذي كان  سائدا أذاك، وهي واردة في مخطوط مفعم بالدعاء للمجاهدين وصاحبه هو الطالب لحسن بن حماد بن موحى العزاوي ثم العطاوي بالنيف، ملم بالقراءة والكتابة وحافظ للقران الكريم، كان سنه 48سنة اثناء وقوع الغزوة بدأ مخطوطه 5بالقول :”…هذه قصة غزوة سغروا رضي الله عن المسلمين اجمعين…اذا ارادوا المسلمين ان يقدمون الى القتال فيقولون كلهم الصلاة والسلام عليك ياسيدي يارسول الله … فيدخل الخشوع في قلوبهم حتى نسوا الدنيا وهواها رضي الله عنهم والنساء يتنبهون في الرجال فيقولون بلغة اهل الوقت –الامازيغية-…حي حي المسلمين رضي الله عنكم ونفعنا ببركاتكم وجهادكم …”6. مضمون قوله المكتوب بالعربية والممزوج بالأمازيغية أن المجاهدين في صاغرو يبدؤون القتال بالصلاة على رسول الله ،يحصل الخشوع في قلوبهم وتصغر الدنيا في أعينهم ،كما أن نساء المجاهدين لا يمللن من إذكاء روح المقاومة والدعاء للمجاهدين.

وماورد في المخطوط  يؤكده الجاسوس الفرنسي جورج سبيلمان بقوله”…ولديهم طلبة ومساجد –ايت عطا-وفي قتال بوكافر يوم 14فبراير 1933لم يفتحوا النار الا بعد ان رددوا شهادة لا إله الا الله محمد رسول الله..” 7.

كما تستحضر أهازيج ايت عطا هذا الشعور في أشعارها من قبيل:

“ليغ كنولي بوكافر هان نبي يزواراغ “

عندما صعدنا الى بوكافر كان النبي يتقدمنا

“اليك نكز بوكافر هان نبي نزريتين “

اما حين نزلنا بوكافر فقد تركنا النبي وراءنا.8.

بل ظل الشعر النسائي الأمازيغي المؤرخ لتلك الفترة مفعما بذلك الشعور مبرزا دوره في التعبئة والتحريض ورفض التفاوض وإلقاء السلاح.

“قالت الشاعرة عدجو يشو

تاغول أتساعيا ءاخريط ءام تالوبانين

عاد سلاح تساعيا- يضرب بتسعة خراطيش- يحفظ كاللوبان

ءاغولن ءيغدارن ءار لسان تيحندرين

أصبح الخونة يرتدون غطاء نسويا

ءاوي فغات تاتكانين ن لجامع ءايوداين”.9.

اخرجوا من عتبات المساجد أيها اليهود.

تهجو بذلك الموقعين لاتفاق 30مارس1933مع الجنرال هوري، وتقول من العار تخزين البنادق كما يخزن اللوبان وتناشدهم عدم الاقتراب من المساجد، لأنهم أضاعوا قيمهم الرجولية.

2-حضور الشعور الوطني في المعركة

     احتد النقاش بين المؤرخين حول مدى حضور الشعور الوطني في المقاومة المغربية للمحتل الأجنبي وظلت تتنازع المسألة أطروحتان: أطروحة تنفي حضور ذلك تزعمها مؤرخو الفترة الاستعمارية فحواها أن كل قبيلة لا تدافع إلا على مجالها القبلي.10.

أطروحة ثانية تزعمها مؤرخون مغاربة وفرنسيون أمثال “محمد حجي” و”جرمان عياش” و”دانييل ريفي” …تؤكد أن فكرة الوطن هي الباعث على مواجهة المحتلين”…..إن الانتفاضة التي قامت بها القوى الشعبية وهي وحدها التي مكنت المغاربة من عدم التعرض للإبادة ….ولولا وجود شعور وطني حقيقي وفعال لما أمكنهم كما فعلوا ان يحاصروا الغزاة في نقاط نزولهم لطردهم فيما بعد خلال كفاح دام أربعة قرون…”11.فأين يتجلى الشعور الوطني في معركة بوكافر؟

تميزت قبائل آيت عطا في تاريخها بتقاليد الدفاع  الجماعي عن مجالها القبلي ،خاضت في ذلك سجالا قتاليا مع القبائل المنافسة لها، لكن دفاع الحلف العطاوي تجاوز حدود القبيلة ليشمل الوطن ، “فمقاومة آيت عطا لم تقتصر على ملحمة صاغرو وبوكافر سنة 1933 ،بل يعتبر هؤلاء من أولى القبائل المغربية التي هبت للدفاع عن حوزة الوطن، منذ ثمانينات القرن19وآخرمن ألقى السلاح في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين”12.

فقد استنجد السلطان محمد بن عبد الرحمان بعد انهزام المغاربة أمام قوات “أودونيل “التي احتلت تطوان سنة1859بزاوية مولاي عبد الله بن احساين بتمصلوحت بنواحي مراكش، فأرسل الشرفاء المصلوحيون رسائل13 لقبائل آيت عطا للقيام بهبة وطنية للدفاع عن تطوان أمام الجيوش الاسبانية الغازية وتحرير  الصويرة والجديدة من الزحف الفرنسي المنتشي بانتصار معركة اسلي 1844، باعتبارهم آيت عطا – يدينون بالولاء لشرفاء الزاوية، تجندت آيت عطا لذلك بإرسال آلاف  من “التراس” أي المحاربين الذين أبلو البلاء الحسن في الدفاع عن المجال الوطني .

وإبان صعود المقاومين لجبل بوكافر ظل هذا الشعور ملتصقا بالجانب الديني” فقد جمع -عسو أوبسلام- المجاهدين وعددهم قرابة ألف رجل وخطب فيهم قائلا “من اراد منكم أن يموت في سبيل الله …في سبيل الشرف ….في سبيل الدفاع عن معقل آبائه وأجداده..فأجابوا بصوت واحد نحن فداء لبلادنا ولا حياة بعد اليوم”14.

وبعد  انتهاء المفاوضات بين الفرنسيين ومقاومي بوكافر بقيادة عسو أوبسلام رفض آيت خباش إلقاء السلاح “كما ان آيت عطا بعد معركة بوكافر جردوا من سلاحهم الا قبائل رفضت الاستسلام خاصة آيت  خباش نزحوا من منطقة تافيلات وصاغروا في مسيرة انتهت بهم الى المحيط الاطلسي حيث حوصروا من طرف الفرنسيين والاسبان وتلك صفحات أخرى لاتزال مجهولة في سجل آيت عطا الكفاحي”.15.

خلاصة:

*  إن الباعث الأساسي الذي جعل قبيلة آيت عطا « تصعد » إلى جبل بوكافر وتستعد لمواجهة الآلة العسكرية الفرنسية،هو الباعث الديني أساسا ،ذلك من خلال تلبية نداء الجهاد و مصاحبة بعض الزعماء الدينيين (الشرفاء –إكرامن) للمعتصمين هناك وتحريضهم على الثبات والصمود.

*  إن قبائل آيت عطا تجاوزت حدود الدفاع عن القبيلة الى الذود عن الوطن، مسجلة بذلك صفحات مجيدة في سجل الكفاح الوطني .

*ظل التداخل حاضرا بين الشعور الديني والوطني في معركة بوكافر.

هوامش:

1-محمد بوكبوط ،الممالك الأمازيغية في مواجهة التحديات صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم ،اصدارات مركز طارق بن زياد،الطبعة الأولى،مطبعة فيديبرانت،الرباط ،2002،ص73.

2- ميمون أم العيد ، أوراق بوكافر السرية، ، الطبعة الأولى،سنة 2014،ص7.

3-نفسه، مقتطف من تقرير استخباراتي فرنسي ليوم 4فبراير 1933. ص13.

4-نفسه،ص8.

5-  للتوسع محمد بوكبوط ،مقاومة الهوامش الصحراوية للاستعمار 1880_1938صفحات مجهولة من صمود قبائل التخوم الشرقية من تافيلالت الى واد نون، دار ابي رقراق للنشر ،مارس 2015.

6-نفسه،صص130 ،163.

7- جورج سبيلمان ، ايت عطا الصحراء وتهدىة افلاندرا، ترجمة وتعليق محمد بوكبوط ،المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ،مطبعة المعارف الجديدة الرباط،2007،ص31.

8-محمد بوكبوط،مرجع سابق، رواية الحاج لحسن وحماد بوكبوط ارفود،ص 146.

9-للاصفية العمراني، مطبوع الشعر النسائي الأمازيغي ومسألة كتابة تاريخ المقاومة المسلحة،صص11.10.

10-للتوسع،محمد بن لحسن، الأمازيغ أضواء جديدة على المسيرة الحضارية عبر التاريخ،مطابع الرباط نت،2015صص86.85.

11-جرمان عياش، دراسات في تاريخ المغرب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين ،الطبعة الأولى،سنة 1986،نسخة PDF،صص168.167.

12-محمد بوكبوط، مرجع سابق،ص33.

13-رسائل بحوزة الدكتور عبد القادر بوراس،القنيطرة.المغرب.

14- مصطفى العلوي، المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية: الحرب المغربية الفرنسية الإسبانية 1906-1936،الجزء4 ، الطبعة الأولى 1995 ص151.

15-محمد بوكبوط، مرجع سابق،ص138.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.