Ad Space

هل العربية التي انتهت إلينا هي لغة العرب؟

admin
2015-01-20T19:27:58+01:00
اقلام حرة
admin20 يناير 2015
هل العربية التي انتهت إلينا هي لغة العرب؟
ريناس بوحمدي

كثيرا ما تردد على مسامعنا ونحن أطفالا ثم شبابا فشيوخا، أن اللغة العربية أجمل اللغات،بل أم اللغات وأقدسها،منبهرين بعديد الآيات التي تؤكد أن القرآن أنزل بها وبلسان مبين واضح؛ فضلا عن تكرارها في عدة سور إلى جانب وضوح تلك الآيات سواء على مستوى المعنى أو اللفظ ،تيقنا بما لا يدع مجالا للشك أنها كذلك؛ فشمرنا على سواعدنا منذ نعومة أظافرنا على تعلمها والتعلم بها، وبعد سبع سنين بالكاد ننجز بها نصف ما ننجز باللغة الفرنسية التي لم نبدأ تعلمها إلا بعد مرور ثلاثة أعوام  على تعلم العربية.فتهنا بين المفعولين به وفيه،فيما الفاعل يظهر ويختفي في نفس الجملة ،تارة فعلية وتارة اسمية  فلقنونا الصياح وراء الفاعل وإظهاره إن كان زيدا سرق التفاحة،والصمت وستره إن كان الفاعل حاكما والمفعول له الوطن،وإلا أضافونا أصحاب الحال إلى الممنوعين من الصرف؛أصبحنا بين الرفع والنصب والجر فرفع عنا القلم ونصبنا في تاريخنا مجرورين إلى السكون السرمدي. يا ما اشتكينا صعوبة اللغة العربية مقارنة مع الفرنسية فقالوا: صبرا جميلا إن مع العسر يسرا ! تحدي الصعاب من شيم الرجال أما الليونة فلشتم النسوان. فجاهدنا أنفسنا خوفا على فحولتنا والحور عين في انتظارنا؛وكم كانت صدمتنا عنيفة حين علمنا أن حور عين أراميا تعني العنب الأبيض فطوبى لمن سينكحه !        

      اللغة العربية كبلت العرب والعجم بقواعدها المعقدة وأفعالها المبنية للمجهول ويا ليثها وقفت عند هذا الحد! إذ حجبت عنهم العقل بالغفل (من عبقرية اللغة العربية أن يهب القاف للعين نقطة لتتحول “عقل” إلى “غفل” ،والعقل من العقال اقتلعه رائد المعجميين  الفراهدي، من حوافر الدواب فوضعه في وغلى رأس العرب ) والحاجة إلى الحرية باستعذاب العبودية ؛وأنى للعبد أن يدرك أنه عبدا ! فكيف بمن يعتقد – أنه من خير أمة أخرجت للناس،ولغته  خير اللغات،لغة الوحي في الدنيا ولغة أهل الجنة في اٍلآخرة،بل لغة كاملة قرض بها أبو البشرية الشعر على أوزان الفراهدي، بل علمه الله بها اسم كل شيء حتى الهنة، والهينة، والفسوة والضرطة، فضلا عن أسماء جميع الوحوش والحيوانات والأشجار، وما فرّط في التسمية من شيء؛نقلا عن ابن عباس في تفسير الطباري للآية 31 من سورة البقرة- أن يشك يوما أن اللغة العربية لغة أحفرية قضى عليها السياج الأصولي الارادوي لتبقى نقية وصافية من اللحن والدخيل كنقاء الدين والهوية والعرق،ضدا في قانون التطور العام الذي يخضع دوما للانتخاب الطبيعي  الذي يدفع إلى التكيف مع المستجدات.     حسب كلّ المعطيات التاريخية المتوفرة في المراجع العقائدية منها والمغلفة بالعلمية، تتفق على أن مؤسسي اللغة العربية الّتي انتهت إلينا والّتي لا يشك أحدا في أنها لغة القرآن المتداول كانوا ممن قال فيهم حسان بن ثابت ” وكنتم قديما ما بكم غير عجمة كلام+++ وكنتم كالبهائم في القفر  ” ،أي مجموعة من اللّغويين والنّحويين من الموالي والمولدين في العهد العباسي. مجموعة عجم بالفطرة هم من جمعوا العربية الّتي يعني أنها كانت في زمانهم منحلة ومشتتة في العديد من لغات “العرب” يحددها البعض كابن حسون في مؤلفه ” لغات القرآن” في 28 لغة:   ( قريش – هذيل – كنانة – الأوس – الخزرج – خثعم – قيس عيلان – سعد العشيرة – جرهم – اليمن – أزد شنوءة – كندة – تميم – حمير – مدين – لخم – حضرموت – سدوس – الحجاز – أنمار -غسّان – بني حنيفة – تغلب – طيء – عامر بن صعصعة – مزينة – ثقيف – جذام)   .   

   قد يتحجج البعض بأنها لهجات من أصل واحد معتمدا على ما كتبه علماء الإسلام واللغويون العرب من مجلدات لتمجيد اللغة العربية ولسان قريش الّذي يعتبرونه صفوة كلام العرب لصفائه وفصاحته وبلاغته وحلاوة نطقه وغير ذلك من الخصائص الّتي تجعل غيره من اللغات أصوات البهائم. وهذه الخصائص التي يمتاز بها لسان قريش دون غيره يرجعونه تارة إلى بقائهم على الفطرة والجبلّة وأخرى إلى ما كانوا يقومون به من اختيار وجمع أحسن ما يجدونه في كلام وأشعار الوافدين عليهم من “العرب” وجعله في لغتهم.    لكن قبل أن نعلق على هكذا احتجاج، لنسيغ السمع إلى الطبري في مقدمة تفسيره لما جاء في الآيات من أنّ القرآن أنزل بلسان عربي حيث يقول:”… إذ كان ذلك صحيحًا، ( أي ما جاء في الآيات المشار إليها أعلاه) في الدّلالة عليه: بأيِّ ألسن العرب أنـزل؟ أبألسن جميعها أم بألسن بعضها؟ إذ كانت العرب، وإن جمَع جميعَها اسمُ أنهم عرب، فهم مختلفو الألسن بالبيان، متباينو المنطق والكلام… لم يكن لنا السبيلُ إلى العلم بما عنى الله تعالى ذكره… إلا ببيان مَنْ جعل إليه بيانَ القرآن، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم”      وهو ما يؤكده البخاري في صحيحه أن الرسول قال:  “… أقرأني جبريل على حرفٍ فراجعتهُ فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرفٍ”. وهي الدليل نفسه الذي نقله الطبري في إحدى الروايات المنسوبة لأبي بن كعب والتّي جاء فيها قوله : “… لقي رسول الله (صلعم) جبريل عند أحجار المراء فقال إني بعثت إلى أمة أميين منهم الغلام والخادم والشيخ الفاني والعجوز فقال جبريل فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف” ؛بالإضافة إلى هذه الأحاديث الّتي لا ينكر صحتها مسلم التي تثبت أن النبي بنفسه يقر بوجود سبعة نصوص للقرآن وبسبع لغات مختلفة،  كذلك ما جاء في كتب علماء المسلمين العدول الثقاة، من السلف والخلف ، بالرغم  من اختلافهم في تفسير حديث ” السبعة أحرف”، لكن أغلب الفاعلين في تحديد ملامح العقيدة الإسلامية وتأسيس قواعدها أقروا بأن المراد بكلمة ” حرف” هي “اللغة” و أن “السبعة أحرف” هي “سبع لغات” مختلفة في ألفاظها وإعرابها. كما تصب كل مجهوداتهم التي لم تتجاوز الأخذ مما أورده الطّبري في مقدمة تفسيره، لذا سنقف عند  ما قاله هذا العالم خلافا لما يروج له بخصوص وحدة لغة نص القرآن واستحالة فهمه خارج اللغة العربية الّتي وصلتنا، حيث يقول:” صح وثبت أن الذي نـزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة، بما يعجز عن إحصائه”          

     لن ندخل في تفاصيل  و تبريرات  اندثار القرآنات الستة التي كانت بألسنة غير لسان المصحف العثماني المعتمد من طرف عثمان بن عفان وهو لسان قريش الذي يحيلنا إلى اللغة العربية التي هي موضوعنا؛فحسب ما حاء أعلاه نستنتج أن لسان قريش كان مزيجا من بقايا الفطرة ومن عبارات وملفوظات تم انتفائها من عدة لغات متباينة في ألفاظها وإعرابها ما يفيد أن هذا اللسان هو بناشي من الألفاظ والتعابير مختفية في عديد من اللغات المتباينة في النحو والإعراب، وتحلل للغة العربية في عدة لغات، وان لم يكن مستساغا علميا، هو ما يفسر كل هذه الجيوش من اللغويين والنحويين العجم في العصر العباسي، الذين بدلوا جهودا مضنية لجمع اللغة العربية؛غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو كيف تمكن العجم بالفطرة تتبع تلك الألفاظ والتعابير،وتمييزها عن غيرها،وكيف اهتدوا إلى مخابئها دون غيرهم؟    

   
     صحيح أن لغة نص القرآن هي العربية الّتي انتهت إلينا كما كانت في مرحلة التدوين في العصر العباسي،لكن العديد من علماء المسلمين دبجوا عدة مؤلفات  لنقض ما كتب على أن لغة القرآن هي لغة قريش معتمدين في أطروحاتهم على اللغة الأدبية الّتي قيل بها الشعر الجاهلي كدليل قاطع على وجود لغة عربية فصيحة تجمع ” العرب”. لكن هذا الدليل  يتعارض تماما مع نظرية جمع اللغة الّذي قامت به مجموعة من اللغويين والنحويين في العصر العباسي لأن القبول بوجود لغة عربية يرمي بأية عملية جمع إلى العدم، إذ منطقيا غير وارد على العقل جمع ما هو موجود ومتعامل به.لكن إذا كانت اللغة العربية التي انتهت إلينا غير لسان قريش كما يؤكده جواد علي في تاريخه إذ يقول: “… القبائل التي أكثر علماء العربية أخذ اللغة عنها، ونصوا على اسمها بالذات، فقالوا: “والذين عنهم نقُلت اللغة العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي.من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم” ؛لأن لسانهم (أي أهل قريش)، فسد بسبب تواجد أعداد كبيرة من العبيد في مكة، كما ذهب علماء اللغة والمؤرّخين. كأنهم يقولون أن قريشا قبل الإسلام قادرة على فرض لسانها على جميع العرب وجعله لغة شعرهم وبعد إسلامها عجزت عن حمايته من مجموعة عبيد مهما كان عددهم لا حول ولا قوّة لهم، ويباعون ويشترون كالحيوانات.   

                         إلى هنا نصل إلى سؤالين محيرين أولهما، هل بالإمكان أن ينتهي ما قامت به قريش من جمع ما حسن من فصيح لغات العرب المتباينة إلى ما انتهى إليه اللغويون العجم بالفطرة دون أن يأخذوا من لسان قريش؟ والثاني هل من المنطق أن تكون اللغة التي جمعتها قريش وقرض بها الشعر لمئات السنين هي ذاتها التي جمعتها مجموعة من العجم بعد أن ضيعتها قريش؟ نعم، إنهما محيرين    إذ لا جواب لهما في كل مخطوطات التراث الإسلامي والعربي،ويبقى الأمل معقودا إلى حين العثور على لقى أو حفريات مكتوبة  باللغة العربية،بحيث كل الحفريات والاكتشافات التي تم العثور عليها إلى حد اليوم بالجزيرة العربية طولا وعرضا بيمنها ونجدها وعمانها وبحرينها ويمامتها، كتبت بلغات ليست لها أية علاقة  بعربية القرآن والشعر الجاهلي ديوان العرب سواء على مستوى اللغة أو على مستوى الخط  وان كان متشابها مع بعض الخطوط؛فكل الكتابات التي تم العثور عليها هي كتابات بالخط النّبطي والخط السّرياني والمسند بتفرعاته والاختلافات المميزة لمراحل تطوره، بلغات متعددة مثل الحميريّة والنبطية والسريانية واللحيانيّة و غيرها من اللغات لكن لم يجدوا أثرا واحدا بالخط العربي واللغة العربية.

هل يعقل أن يكتب من اصطلح عليه المسلمون ” العرب” بعديد من اللغات وشتى الخطوط عدا لغتهم الفصيحة ولغة أدبهم وشعرهم؟هل ” العرب ” أميين بلغتهم دون غيرها من اللغات والكتابات؟   هل ” العرب” أصلا جاهلين بالعربية التي انتهت إلينا في تلك الفترة من تاريخهم؟هل “العرب” شعب تاريخي حقيقي؟                                                                                                                                              

العربية الكلاسيكية  ظلت  منكفئة على نفسها قروناً طويلة ، تحت الحراسة المشددة  للنحاة والمعجميين ، جاعلين منها  نموذجا يحتذى للسان النقي، بل شريعة لغوية أو نوعا من الأنا المثالي، فالشواهد النحوية تستمد منهم ومنهم فقط. وحتى في ما يسمى بالعصر الذهبي في التاريخ الإسلامي  لم تستطع اللغة العربية أن تتخطى عتبة ما تم ترجمته ونقله من انتاجات ومدارك الشعوب العجمية وهي كذلك على مدار قرنين، منذ عصر التدوين إلى القرن الرابع الهجري،لترتكن إلى النقل.ولعل انتباه الدارسين إلى عجمية أغلبية رواد  علماء هذا العصر ،بحيث مثلا كل الذين تبوؤوا  الاتجاه الفلسفي عجم عدا الكندي ويعتبر أردائهم  ، والبحث عن أسباب الحضور الباهت إن لم يكن مفقودا لذوي الأصول العربية والذين تعتبر اللغة العربية لغتهم الأم  سيحيلنا لا محالة إلى مكمن الخلل، دون شك لن يخرج عن اللغة والذهنية العربيتين، إذ لا يعقل أن يقف العقل العربي حيث انتهى في القرن الرابع الهجري، فيما العقل التركي استطاع أن يشق طريقه نحو العصر بعد ثورة أتاتورك .



aid

            إن اللغة العربية  لم تكن في يوم من الأيام لغةَ تفاهم وتعامل يومي بين أهلها إلا في فترة وجيزة جدًّا وفي رقعة صغيرة في شبه الجزيرة العربية إذا سلمنا أن لها أهل ، فكل اللهجات ” العربية”  المتداولة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط  تختلف بنياتها اللغوية جذريا عن البنية اللغوية للعربية للفصحى، من دون شك أنها تستعمل أغلب  الكلمات والمفردات العربية كما تستعملها الفارسية (60%) والأوردية   والتركية لكن من الناجية التركيبية والبنية فلكل من تلك اللهجات خصائصها التي تستمدها من لغات الشعوب الأصلية للمنطقة المتداولة  فيها تلك اللهجة وعلى سبيل المثال فدوارج شمال أفريقيا عربية المعجم في أغلب مفرداتها وأمازيغية التركيب والبنية؛ بمعنى أن العربية خزان للمفردات تلتقطها اللهجات المحكية  المتداولة ،دون أن تستطيع الفصحى إيجاد موقع قدم لبنيتها وتركيبها على أرض الواقع ولا سيما في التفاعل الاجتماعي خارج إطار المدارس والجامعات ووسائل الإعلام .لذا بقيت اللغة العربية جامدة منذ أن تم نقلها من مستوى الشفاهي إلى مستوى المكتوب  كمبتغى سياسلطوي وديني دون أن يكون لهذا الانتقال حاجة مجتمعية في عصر التدوين بحيث المطلب كان فوقيا لذا انطلق الخليل بن احمد الفراهيدي من الإمكان الذهني فتعامل مع الحروف الهجائية الأرامية ” العربية ”  بعد اختلاق ستة حروف غير موجودة أصلا في النص القرآني  واختراع علامات لرفع اللبس، تعاملا تركيبيا صرفا،فحصر الألفاظ الممكن تركيبها. مما جعل اللغة العربية من صنع الذهن بدل أن تكون مهمتها تسمية أشياء الواقع المتغير فانقلبت عملية جمع اللغة إلى عملية البحث عن سند في الواقع وان لم يكن يتم اختلاقه ( فالتراث العربي زاخر بالمنحول والمختلق شعرا كان أو سردا أو حديثا)  لفرضية  حدسية يتحكم فيها القياس – الإيقاع بدل السماع فالكلمات صحيحة لأنها منطقية وليس لأنها واقعية فالفراهدي حقن اللغة العربية من حيث لا يدري بالعقم الذاتي إذ وضع لها قوالب جامدة نهائية لغة محصورة الكلمات مضبوطة التحولات لغة لا تاريخية مومياء  غير قابلة للتجديد ولا التطور لانفصامها عن الواقع منذ زمن الخليل واللغة العربية لم تتغير لا في نحوها ولا في صرفها ولا في معاني ألفاظها وكلماتها ولا في طريقة توالدها الذاتي،لغة تعلو على التاريخ ولم تعد تستجيب لمتطلبات التطور. وعلى نفس النهج سار اللغويون والمعجميون من بعده بالاعتماد على الأعراب البدو في جمع اللغة ( كثرة الأسماء لنفس المسمى يصل في المعدل إلى 30 اسما وهو نفس المشكل الذي تعيشه الفصحى حاليا على مستوى المصطلحات العلمية مثلا مصطلح “LINGUISTIQUE يقابله في العربية  21 مصطلحا :اللسانيات- فقه اللغة- اللغويات – علم اللسان – علم اللغة …الخ) وعلى منهجية الاشتقاق الصناعي أدى إلى تقعيد الألفاظ كمسلمات ذهنية بحيث بات للفظ كيانا شبه مستقل عن المعنى وهذا ما سار عليه أهل البيان كلهم  منذ الفراهدي ومرورا بالشافعي إلى  البصري والجاحظ إلى الجرجاني والسكاكي وابن وهب ووصولا إلى العصر الحالي فاختاروا جميعا إعطاء الأولوية للفظ على حساب المعنى والإعلاء من شان الألفاظ وتهميش المعنى ولعل نبراسهم نصا مشهورا للجاحظ يقول  فيه: ” المعاني مطروحة على الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي وإنما الشأن إقامة الوزن وتخيير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وصحة الطبع وجودة السبك ”  مما جعل اللغة العربية تنفصل عن الفكر في جميع التخصصات والعلوم بعدما انفصلت عن الواقع وتعالت عليه ويتجلى هذا في المحالات التالية:  

           أ)  في مجال النحو أصبح الدرس النحوي العربي درسا ذهنيا صرفا.
           ب)  في مجال الفقه تم الاهتمام بألفاظ القران و تهميش مقاصد الشريعة فصد باب الاجتهاد  كنتيجة حتمية     فضلا عن التيهان في  إشكاليات التعليل. 
           ج) في مجال علم الكلام انخرط العلماء في ثلاث قضايا: قضية خلق القرآن- مسألة التأويل – مسالة الإعجاز البياني ثم الإعجاز العلمي حديتا.                                        .             هـ)   في مجال البلاغة  فالدخول في إشكالية اللفظ والمعنى  كان اشد وأقوى فتقيد البلاغيون بالمواضعة اللغوية للسلف تحديدا معتبرينها سلطة مرجعية فوق كل السلط فصارت عندهم السلطة للفظ أي للمحسنات البديعية والحرص على النغمة الموسيقية.  والمحسنات البديعية بمختلف أنواعها تقوم بمهمة خطيرة هي ملء الفراغ بإخفاء التناقض على صعيد المعنى والفكر وتعطيل الجانب الأيسر من الدماغ المكلف بالتحليل والنقد؛ إذ.النغمة الموسيقية المرافقة للخطاب المسجوع توجه السامع إلى نظام الكلمات  وإيقاعها وتصرفه بالتالي عن الأفكار و نظامها مما يجعله في حالة إغفاء عقلي تسمح للمعنى إذا كان ثمة معنى بالانسياب إلى لاوعيه بدون رقابة عقلية فيقبله بدون نقاش .والمتكلم في هذا كالسامع سواء بسواء لان المتكلم هو السامع لكلامه يسمعه حين إنتاجه كما يسمعه حين إرساله وتبليغه للغير والخطاب في اللغة العربية يعطل الرقابة العقلية لدى السامع والمتكلم و النغمة الموسيقية المكثفة التي ترافق المحسنات البديعية تغطي على فقر المعنى و تخفي التناقض في الأفكار وهنا تحديدا الوظيفة التخديرية للغة خاصة عند من يمارسون السلطة السياسية أو الدينية فخطاب السلطة كان دائما يتستر بسلطة الخطاب.  

أما على مستوى الكتابة فاللغة العربية هي اللغة الوحيدة الشاذة عن قاعدة القراءة للفهم،فكلمة ثنائية الحرف بدون شكل يمكن قراءتها على ثلاثة معاني في أدناها ك كلمة قف أو مر مثلا وقد تصل إلى خمسة عشرة معنى  بالنسبة لبعض الكلمات الخماسية لأن أبجديتها غير وظيفية البتة لفقرها للصوتيات من جهة،وللتشابه الكبير بين بعضها البعض ؛ حتى أن   28 عدد أحرفها يمكن تقسيمها إلى ثمان مجموعات كل مجموعة  لها نفس الرسم لا يميزه عن باقي العناصر إلا عدد النقط وموقعها على الرسم،فمجموعة الباء  مثلا تحوي خمسة أحرف بنفس الرسم ( ب- ت- ث – نِ بداية أو وسط الكلمة-ي بداية أو وسط الكلمة ) وهذا التشابه في الرسم يوشوش على  المتعلم فيطغى الجانب الأيمن لدماغه ذي الخاصية النقل والحفظ  عن ظهر قلب، على الجانب الأيسر المنطقة الخاصة بالتحليل والنقد وهذا ما توصل إليه مركز الدماغ  بكلية علم النفس بجامعة حيفا بإسرائيل  كجواب على المدة الزمنية المرتفعة وبالتالي الغالية التكلفة  لتعلم اللغة العربية (1200 ساعة) وهو ما يناهز  ضعفي ما يتطلبه تعلم اللغات الأوروبية من الوقت وهو عكس ما يتطلبهتعلم وإتقان اللغة العبرية وهي قريبة من العربية على مستوى البنية اللغوية،إذ  لا يتعدى الخمسمائة ساعة كأقصى مدة للكتابة والمحادثة بها بطلاقة.     

    لعل الإجابة عن هكذا معضلات اللغة العربية التي انتهت إلينا وأزمتها المزمنة وما تسببه من تخلف وتعطيل العقل يكمن في الإجابة عن :لماذا لم يعتمد على القرآن كمصدر للغة العربية؟لأنه إذا كان هناك نص عربي لا تقبل لغته شكا ولا ريبا وهو لذلك أصدق مصدر لها فهو القرآن ،وبنصوص القرآن وألفاظه يجب أن يستشهد علي صحة ما يسمى بالشعر الجاهلي عوض أن يستشهد بهذا الشعر علي نصوص القرآن . ثم الغير المفهوم  هو  كيف يمكن أن يتسرب الشك إلي كل هذه الجحافل من اللغويين والنحاة الجادين، بدءا بالفراهيدي وانتهاء بابن الأنباري،  في عربية القرآن واستقامة ألفاظه وأساليبه ونظمه علي ما عرف العرب أيام النبي من لفظ ونظم وأسلوب !    

  مجمل القول  أن اللغة العربية  التي انتهت إلينا، لغة محنطة تخديرية  بالألفاظ والمحسنات البديعية الموظفة في خطابات عاطفية لا تحاكي نظام العقل بتاتا، بل تقدم نفسها بديلا عنه ولا تسمي أشياء الواقع المعاصر و تتعامل مع ما لم يحدث وكأنه حدث فعلا وتلك هي النظرة السحرية الأسطورية  التي تحكم إنسان الشرق الوسط وشمال إفريقيا المعاصر على جميع مستويات وعيه فاللغة العربية الفصحى هي السبب الرئيسي لتخلف إنسان هذه المنطقة باستثناء إسرائيل طبعا؛ وذلك لانفصامها عن الواقع وهذه العلة ليست وليدة اليوم كما يعتقد البعض، فابن منظور يتحدث كأنه أحد المدافعين المعاصرين عن اللغة العربية، حيث يقول في مقدمة ” لسان العرب” لتبرير معجمه :”… وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام، لا يعد لحناً مردوداً، وصار النطق بالعربية من المعائب معدوداً. وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب، في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب” فضلا عن انفصالها عن العقل والفكر فهي غير قادرة بالمطلق على نقل العلوم والتكنولوجيا الحديثة لأن بنيتها غير نحتية ومعظم المصطلحات العلمية مركبة أومنحوتة إما بالصدور أو الكاسعات (préfixe suffixe) وهو ما تفتقده العربية  وجل المصطلحات العلمية التي تمت ترجمتها تتكون من كلمتين فما فوق مع أن المصطلح العلمي يفترض فيه الانتساب كمثال مصطلح “trigonométrie” = علم حساب المثلثات فما مقابل ” trigonométrique ” بالعربية ! بل يتم تحويل المصطلح إلى حشو لفظي ضدا في المصطلح نفسه الذي يعني مفهوما دقيقا واقتصادي في الكلمات مبنيا على التركيز والترميز لا الحشو والإطناب (قارن مقرر الرياضيات مستوى الباكالوريا بكل من المغرب والجزائر وسوريا والعراق  ستجد العديد المترادفات  بين المبكي والمضحك للمصطلح الوحيد في الفرنسية والانجليزية ).  

هل  اللغة العربية الفصحى قابلة للإصلاح والتطوير؟

ما من لغة تتداول إلا وهي قابلة للإصلاح والتطوير لأنها بيت الإنسان على حد قول هيدغر ، فالعبرية ذات البنية اللغوية المشابهة للعربية استطاعت أن تصل إلى مصاف اللغات الأوربية تطوير العربيّة، لتصبح معاصرة لعصرها، يفترض تطوير معجمها مبنى ومعني، وتغيير نحوها ورسمها الحفريين. وبما أنّ هذه العناصر تشكل بنية اللغة، فهي متفاعلة ولا يستطيع أي عنصر منها أن يتطور بانفصال عن الباقي، وإلا فقد الكل ديناميكيته وبالتالي تغيير نحوها يفترض السماع على القياس وهنا مربط الفرس على أي لهجة من سيتم الاعتماد لاستنباط نحو حيوي أهي الشامية أم الخليجية أم المصرية أم المغربية وفي المغرب هل اللهجة الشمالية أم البيضاوية أم الهوارية أم الحسانية وقس هذا على كل الشعوب المبتلية بهذه اللغة المحيرة  القريبة من الصنعة على النتاج الاجتماعي والانتروبولوجي.

كتب ريناس بوحمدي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.