حرفا الواو و العين : الحلقة 9
خرج الشاب في منتهى السعادة… لم يعرف كيف اوصلته اطرافه الى مكان فسحة ما بعد العشاء، وجد الاصدقاء في انتظاره، هنؤوه وباركوا واعترفوا برجولته، كله فخر وعزة، أكد رجولته، ضمن سلهامه وجعل أخرين على المحك.
علم أن لفعله شأن، حرك المشاعر والاحاسيس، سيكون حديث العصر، شاب آخر سيترك القطيع غدا ويسافر بلا اتجاه، آخر سينام كل النهار وأبوه مقوس الظهر في قلب التربة وإعداد الحقول، منهم من سيترك أمه أو أخته لسقي الحقول ولو ليلا لينتقم … ولن تكون إلا أياما قليلة حتى نسمع زواجا آخر وخطبة من غير بعيد…
كيف لا وقد ضمن سلهامه وآخرون رهينة، حدثهم عن المتعة حتى تلك التي لم يجد، أخذ كل الوقت لفصل الخطاب، قارن بين الأمس القريب وليلته الحاضرة، أكد أن الحياة كل الحياة في هذه المتعة وما جاورها، ذكر بالمعاناة مع الليالي الطوال وبرودة الفراش، بحث عن كل العبارات لوصف حديث الفراش و خلوة الحبيبين، سرد ما سمع و حفظ عن الحب حتى ولو غاب عن ليلته الحمراء، أرادها نارا في صدور الأقران ، كيف لا و عرسه قرين بمهرجان الأعراس في قريته وتلك التي تجاوره.
تفرق الجمع والصبح على وشك أن يتنفس، عاد الى البيت، كرر فعلته ونام.
لم يستيقظ باكرا لأن أباه سيحرس القطيع، لم يكن ذلك من حظ الزوجة التي استيقظت في الوقت المعلوم وقد غالبها الدوار، أحست برأسها يزداد ثقلا وحجما، كررت محاولة لبس قميصها فلم تفلح لأن عنق الثوب أصبح ضيقا، بحثت عن آخر وسترت أطرافها النحيفة، لملمت قواها واستعانت بالجدران لتخرج الى الفناء، أحست ببرد شديد فسارعت الى المطبخ وأوقدت النار، وضعت ذلك المثلث الأسود بأرجله الثلاث على النار، بدأت بملء القدر بالماء، ليس لتستحم أو تزيل عن جسدها ريبا شارك أطرافها لكن لتعد فطورا ساخنا لبقرة حديثة المخاض.
كان اليوم كله شقاء وعناء، على البنت أن تصبح كالنساء، أن تنتقل من عمل الى آخر، وجدت في ثناياها عياء لا مثيل له، تجلس لغزل الصوف فيغلبها النوم وتسقط الأداة من يدها، تنهرها صاحبة البيت من حين لآخر فتعود للعمل، تمسك كأس شاي فيسقط من يدها بلا وعي، تغمزها أمها كل مرة وقد حضرت لتقديم المساعدة في الأشغال.
خرجت ” تودة ” الى الحقول بعد العصر ووجدت في انتظارها جل بنات الدوار يردن مرافقتها وسماع كل شيء، لن تبخل الصبية ولن تبالي بجمع الأعشاب والبرسيم لأن الرفيقات سيقمن بذلك العمل، سيتجهن أولا إلى حقل ”تودة” ومساعدتها على القيام بالواجب اليومي ويستمعن إلى الحكاية ثم يتفرقن على حقولهن.
اختلط الخوف والابتسامة على وجه الطفلة وهي تحكي ما عاشته خلال ليلة ليست كباقي الليالي، لم تعلم هل الأمر هجوم واستسلام أم علاقة الحق بالواجب، بحثت عن الحب فلم تجده في محنتها، قارنت في صمت بين المعاشرة وجمال اللعب وأصوات الصديقات الصغيرات، نظرت في وجه صديقتها المحبوبة ، تذكرت كل الألعاب و المغامرات، تذكرت متعة لم تجدها في فراش الدفء و الأنس و المداعبة، اختارت الصمت لكن الكل مصر فلم يكن منها الا أن تخبر صديقاتها بكل شيء، كان الانتباه قويا ومركزا، كان حديثها يدور حول تعريف الرجل والمعاشرة، نبهتهن الى قساوة الرجال ، رجال الحقول ورجال الخلوة ، زمان الحرية و زمان الامتثال ، فترة العفوية و فترة التركيز و الانتباه …
استمر الحديث الشيق الحلو المخيف لفترة طويلة، لا يقطعه الا سلام أحد المارة أو شاب أراد المشاركة فلم يكن من المرحب بهم، أرادوها خلوة الجنس اللطيف لفتح الأقواس ومزج الأحاديث، لم يقطع حديث الشابات الا مجموعة من الرجال في لباس أنيق وعلى اكتافهم حقائب السفر، وقفت احداهن وتمعنت في الامر لتقول : يا للسعادة إنها فرقة الموسيقى و الطرب ، إنهم ” إمديازن ” …
المصدر : https://tinghir.info/?p=41615