Ad Space

ماهي النيازك وماهو أصلها؟

admin16 يناير 2015
ماهي النيازك وماهو أصلها؟
أحمد آيت توشنت

النيزك هو جسم طبيعي مكون من مادة صخرية أو حديدية أو هما معاً، تمّ نزعه من جسم بعد اصطدامه مع شيء كوني، الجسم الأصل للنيزك يمكن أن يكون كوكب كالمريخ أو حزام الكُويكبات )الذي يوجد بين كوكب المريخ وكوكب المشتري (والذي تمكّن من اختراق الغلاف الجوي لكوكب ما مثل كوكب الأرض بسرعة كبيرة تفوق 72 كيلومتر في الثانية ليستقر فوق سطحه تحت تأثير الجاذبية. هذه السرعة الكبيرة والاحتكاك بالغلاف الجوي يولّد طاقة حرارية كبيرة تسمح بانصهار سطح النيزك وتكوين قشرة سوداء ومستديرة حوله و تحمل آثار الاحتراق والاحتكاك. وهذه القشرة هي أحد المعايير الهامة التي يعتمد عليها الخبراء لتشخيص هذه الصخور الفضائية.

إن أهمية النيازك تكمن في المعلومات الناذرة التي تحتويها حول كيفية تكوين النظام الشمسي لأنها تظهر كأقدم ترسبات كونية تحتوي على معلومات حول التفاعلات الكيميائية و القوى الفيزيائية التي سبقت تكوين هذا النظام قبل أربع مليارات وست مائة مليون سنة. كما أنها قد تمكننا أيضا من تسليط الضوء على أصول الحياة فوق كوكب الأرض لأن بعضها يتكون من مواد عضوية ذات أصل غير حيوي لكن قد تكون ساهمت في ظهور الحياة على الأرض، فهي حاليا الأشياء الوحيدة القادمة من خارج الأرض والتي تمكننا من الحصول على معلومات جادة حول النظام الكوكبي.

لفهم أصل النيازك وأصنافها يجب قبل ذلك فهم النظام الشمسي )أو المجموعة الشمسية( الذي هو النظام الكوكبي الذي يتكون من نجم الشمس، التي تعتبر أكبر جُرم في النظام، وجميع ما يَدور حولها من أجرام بما في ذلك الأرض والكواكب الأخرى والأقمار. توجد في النظام الشمسي ثمانية كواكب هي بالترتيب حسب البعد عن الشمس: عطارد والزهرة والأرض والمريخ (الكواكب الصخرية) والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون (العمالقة الغازية ذات نواة صخرية )، بين هذه المجموعتين يوجد حزام الكويكبات وهو منطقة تقع بين كوكبي المريخ والمشتري، وتدور في هذه المنطقة كمية هائلة من الكويكبات الصغيرة التي تتكون في الأساس من الصخور وبعض المعادن.

وفقاً للفرضية الأكثر قبولا على نطاق واسع، فإن النظام الشمسي تكوّن من سحابة ضخمة من الغاز والغبار تُعرف بالسَّديم الشَّمسيّ والذي يمتد على طول عدّة سنوات ضوئية (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة علما أن سرعة الضوء هي ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية)، وهي نظرية تمّ طرحها منذ سنة 1755 من طرف العالم الألماني إيمانويل كانت. وحسب هذه النظرية، بدأ هذا السَّديم بالانهيار على نفسه نتيجةً لجاذبيته التي لم يَستطع ضغطه الداخلي مقاومتها. وقد جُذِبَت معظم مادَّة السَّديم الشمسي إلى مركزه حيث تكونت الشمس فيه، في حين أنّ جسيماتٍ صغيرةً ممَّا بقي تراكمت مع بضعها بعد ذلك مكونة أجساماً أكبر فأكبر، حتى تحوَّلت إلى الكواكب الثمانية، وما بقي منها تحول إلى الأقمار والكويكبات والمذنبات.

إن أصل النيازك هو إذن إما أجزاء تطايرت من سطح كوكب كبير بسبب التصادمات وإما من حزام الكويكبات بفعل التصادمات بينها. وبعد الاصطدام يتم القذف بالشظايا لتسقط على شكل نيازك فوق كواكب أخرى مثل الأرض. إن  بعض النيازك ناذرة جدا قد تمّ التعرف عليها كأجزاء من صخور قادمة من القمر، من المريخ أو من عطارد.

توجد الآن حوالي أربعة وعشرون ألف نيزك تمّ التصريح به على الصعيد العالمي، حيث أن خمسة وتسعون بالمائة منها ذات طبيعة صخرية،  ويتم اكتشافها أو رؤيتها تسقط، في الصحاري النائية أو القطب المتجمد، بمعدل مائة في كل سنة. ويبقى تصنيف هذه الصخور هي الأداة الهامة للتعرف عليها وتشخيصها.

إن النيازك الصخرية هي التي تتكون أساساً من السيليكات (معدن الأوليڤين، معدن الپيروكسين، معدن الفيلدسپار) وكذلك الكبريتيد أو الكبريتور (وهو مركب كيميائي مؤلف من كبريت وأحد الفلزات)، وقليل من أحد الفلزات. في هذه المجموعة الصخرية يمكن التمييز بين الكوندريت  ChondritesوالأكوندريتAchondrites  ;النوع الأول يتميز بوجود كويرات صغيرة تسمى الكوندرات (Chondres) والتي تنحدر من أجسام بدائية. الأكوندريت هي غير بدائية وتعادل بعض الصخور البركانية الأرضية، وتنحدر من التطور الكميائي للمواد الأم البدائية، ونذكر مثلا النيازك الحديدية و النيازك الحديد-صخرية.



aid

ضمن مجموعة الأكوندريت لدينا عدة أصناف وفقا لنوع المادة الأم التي ينحدر منها: لدينا نوع SNC يعني (الشيرڭوتيتSCHERGOTITE ، الناخليتNAKHLITE  و الشاصينييتCHASSIGNITE ) وهي نيازك من أصل كوكب المريخ، ولدينا نوع HED  يعني (الهووارديتHOWARDITE ، الأوكريتEUCRITE  والديوجينيتDIOGENTITE ) وهي من أصل الكويكب الكبير المسمى “ڤيستا” والمتواجد في حزام الكوكبات الذي سبق دكره والمتواجد بين المريخ والمشتري؛ وأخير بعض الأكوندريت من أصل القمر. في حين أن النيازك الحديدية تتكون من أكثر من 90% من الحديد والنيكل، والباقي يتكون ممن كويرات السيليكات، الكبريتيد والڭرافيت.

النيازك الحديد-صخرية هو صنف بين الصنفين الحديدي والصخري: وتتكون من السيليكات والفلزات. لدينا نوع الپالاسيتPallassite  والمتكون من بلورات الألوفين (معدن أخضر) مغمورة في نسيج حديدي فلزي، والميزوسيديريت والمتكونة من السيليكات التحولية وتغمر اجزاء حديدية. هاته النيازك كانت تُعتبر كمعادلة للسطح البيني بين النواة والدثار في الكواكب الصخرية. إنها نادرة ولا تمثل إلا أقل من 1% من النيازك المعروفة.

إن الطرق المستعملة لدراسة النيازك هي نفسها المسعملة لدراسة الصخور الأرضية. وذلك علاوة على التحاليل الكيميائية التقليدية، والطرق الأكثر كلاسيكية تستعمل المجهر البصري (Microscope optique) ، المجهر الإلكتروني الماسح (Microscope électronique à balayage) ، المسبار المجهري الإلكتروني (Microsonde électronique) ، وكذلك التحاليل النظيرية (Analyses isotopiques) . كل هذه التقنيات تمكننا من الحصول على معلومات متكاملة حول طبيعة المعادن والبلورات المدروسة، بنيتها البلورية وتركيبتها الكيميائية، لكن التشخيص التمهيدي للنيازك يعتمد على الدراسة بالعين المجردة. إن أغلب الصخور الفضائية تتوفر على مكونات حديدية، لهذا فهي غالبا ما تنجذب إلى مغناطيس أثناء اقترابها إليه. لكن بعض الصخور الأرضية وبعض المواد من صنع الإنسان هي كذلك مغناطيسية، لهذا يتطلب الأمر ملاحظات أخرى للتشخيص.

إن أكثر من ألف نيزك مغربي تمّ التصريح به لدى الجمعية النيزكية الأمريكية، وذلك بفضل الصحاري الحارة التي تمتد لآلاف الكيلومترات والتي هي المكان الأنسب لإيجادها في حالة جيدة. لهذا فهاته المناطق الجافة وذات مناخ جاف وعوامل التعرية جد ضعيفة، تحتفظ بالنيازك لمدة زمنية طويلة بعد سقوطها إلى حين اكتشافها، هذا إذا لم تتم رؤيتها وأخدها في الحال. فمنذ سنة 2000 واكتشافات النيازك في صحاري المغرب في نمو معتبَر. من بين النيازك التي تمّ اكتشافها في المغرب، بعضها ذات قيمة علمية كبيرة. هناك حاليا أكثر من عشرون نيزكا مريخيا تم اكتشافه في التراب المغربي وذلك من أصل ستون نيزكا تمّ اكتشافهم على الصعيد العالمي.

إن أغلب النيازك المغربية يتم اكتشافها في الأقاليم الجنوبية والجنوب الشرقي للمملكة، وبعضها قد يحمل معلومات عِلميّة في غاية الأهمية كنيزك تيسِّينت بطاطا الذي يمكن ان يكون أول نيزك مُعترف به من أصل كوكب المريخ وثمنه يفوق ثمن الذهب الخالص بكثير حيث تجاوز خمسة آلاف درهم للغرام الواحد وأتبث تصنيفه أنه من نوع الشيرڭوتيت. لهذا تطورت تجارة كبيرة حول هذه الأحجار الفضائية التي تمثل مورد العيش لقليل من الذين يعرفون تشخيص هذه الأحجار في مناطق نائية مثل أرفود، طاطا، زاڭورة، فڭيڭ، السمارة، أسا الزاڭ، تنغير، الريش، ورزازات،…إلخ، مما جعل من بعض الرّحل “خبراء” في ميدان النيازك يمكنهم التعرف عليها بل تقييم ثمنها المالي. على سبيل المثال، أكثر من ثلاثة آلاف شخص شاركوا في البحث عن شظايا النيزك المريخي الشهير، نيزك تِسِّينت سنة 2011.

لقد كان نيزك بن ڭرير شمال مدينة مراكش الأول الذي تمّ التصريح به في المغرب في مجال الصخور الفضائية للجنة التسمية بالجمعية النيزكية الأمريكية، والذي سقط يوم الإثنين 22 نونبر 2004 على الساعة 11:45 بضواحي بن ڭرير وشوهد من طرف عِدة أشخاص اللذين أدلوا بشهادتهم والتي تقول أنهم سمعوا ما يشبه صوت الرعد الذي أحدثه النيزك، متبوع بضجيج الإنفجارات أثناء سقوط شظاياه. هذا الضجيج تمّ سماعه على بعد 20 كيلومتر على الأقل حيث أن إهتزاز نوافد البنايات أثار كثيرا انتباه الساكنة. فهناك نيزك يزن 8 كيلوغرامات سقط بدوار هناك وحوالي عشرون نيزك آخر يزنون أكثر من 25 كيلوغراماً سقطوا ببلدة اخرى. واتبتث الدراسات الپتروغرافية (علم وصف الصخور) انها كوندريت عادية.

لكن بالرغم من هذه الاكتشافات وأهمية المغرب في هذا المجال، ليس هناك إلى يومنا هذا أية بنية أو متحف جهوي أو وطني متخصص لجمع وحفظ مجموعة من الأشياء الناذرة مثل النيازك والبلورات المعدنية الفضية التي لم يوجد لها مثيل في العالم وآثار ماقبل التاريخ …إلخ، وكل هذا ينتهي في متاحف ومختبرات أجنبية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.