أن ينبري وزير سابق وقيادي في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية منذ 2012 للدفاع عن المصالح الاقتصادية للدولة التركية، فهذا منتهى الاستخفاف بالمصالح وبالروح الوطنية ويشكل أعلى درجات الاستلاب الفكري والسياسي وقمة العمى الإيديولوجي والتبعية “المذهبية”.
لقد قرأت باندهاش كبير خبرا في إحدى الجرائد المغربية، مفاده أن السيد محمد نجيب بوليف لم يستسغ اللهجة الشديدة للغة “التي تحدث بها وزير الصناعة والتجارة، حفيظ العلمي، تحت قبة البرلمان، الذي يمثل سيادة الشعب المغربي، عندما هدد بتمزيق اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، في حالة عدم التوصل إلى حلول لمواجهة إغراق الأسواق المغربية بالمنتوجات التركية المدعومة من طرف الدولة، ما يشكل تهديدا حقيقيا للاقتصاد الوطني” (جريدة “الأخبار”، عمود “في سياق الحدث”، بتاريخ 20 يناير 2020)، فانبرى إليها بالانتقاد مُنصِّبا نفسه “محاميا للدفاع عن المصالح الاقتصادية لدولة تركيا” (نفس العمود).
ومن خلال القراءة التي قدمها صاحب العمود لهذه النازلة، نقرأ: لقد “تبين أن تركيا لا تحتاج للدفاع عن نفسها، وإنما لديها محامون داخل الحكومة والحزب الذي يقودها، وتراهن على تواجد أصحاب ‘المصباح’ في مواقع القرار لبسط هيمنتها ومخططها التوسعي بالمغرب”، مضيفا أن هيمنة السلع التركية ازدادت “مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة سنة 2012، ما أدى إلى ارتفاع العجز التجاري بين البلدين بشكل كبير”، حيث انتقل “من 4،4 مليار درهم سنة 2006 إلى 16 مليار درهم سنة 2018”. هذا، دون “الحديث عن وجود مخطط للإغراق الشامل للأسواق المغربية بالسلع التركية المدعمة من طرف الدولة، ما جعلها تفرض رسوما جمركية إضافية على بعض المنتوجات، حيث وصل النزاع بين البلدين إلى هيئة التحكيم بمنظمة التجارة العالمية”.
ويختم صاحب العمود قراءته للنازلة بالقول بأن “إخوان ‘أردوغان’ المقيمين بالمغرب يرفعون شعار ‘الجماعة قبل الوطن'”. وهنا مكمن الخطر والخطأ معا.
فالخطأ يتمثل في تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن؛ إذ بدل أن يتم الدفاع عن الاقتصاد الوطني وعن المقاولة المغربية، يتم تفضيل (أو على الأقل، التعاطف مع) مصالح دولة أجنبية لكون الحزب الذي يحكمها يحمل نفس الاسم ويتبنى نفس الإيديولوجية، حزب العدالة والتنمية؛ مع العلم أننا لم نر مع حزب العدالة والتنمية المغربي لا عدالة ولا تنمية؛ بل بالعكس، كثرت الهشاشة الاجتماعية وارتفعت البطالة واستشرى الفساد… وظهرت النعمة فقط على مسؤولي ومنتخبي وأطر الحزب؛ وذلك، باعتراف رئيس الحكومة ورئيس الحزب السابق، عبد الإله بنكيران في أحد الاجتماعات الداخلية للحزب.
وكيفما كان الحال، فالانتصار لمصلحة الجماعة على حساب الوطن، خطأ سياسي فادح وخطأ أخلاقي جسيم. وهو خطأ لا يمكن أن يقبل أي تبرير؛ ومن حقنا أن نشم فيه، على أقل تقدير، رائحة الانتهازية والعمالة؛ ما يعني أن وطنية ومواطنة من يفضل مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن، أقل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما مشكوك فيهما.
أما الخطر، فيتمثل في تهديد المصالح العليا للوطن. وقد نرى في إغراق البلاد بالديون الخارجية التي تفاقمت مع حكومة بنكيران وحكومة العثماني، ما يهدد هذه المصالح؛ وذلك من خلال الدفع بالبلاد إلى فقدان استقلالها الاقتصادي، وبالتالي، فقدان قرارها السيادي.
لا نريد أن نخون أحدا، لكن من حقنا أن نحذر من الخطر الذي يشكله الإسلام السياسي بسبب التبعية الإيديولوجية التي تجعله يقدم مصالح الجماعة (ولنفترض، هنا، أنها جماعة الإخوان المسلمين) على مصلحة الوطن.
من المعروف تاريخيا أن الإمبراطورية العثمانية قد عجزت عن دخول المغرب الأقصى، وفشلت في بسط نفوذها على ترابه؛ ذلك أن المغاربة قاوموا ببطولة وشراسة التوسع العثماني. فهل يريد حزب العدالة والتنمية، في الألفية الثالثة، أن تغزونا تركا اقتصاديا لبسط نفوذها عن هذا البلد بواسطتهم خدمة لمصلحة جماعة الإخوان؟ إن كان فيهم من يفكر بهذا المنطق، فتبا له من تفكير وخسر وخسئ مسعاهم !!!
المصدر : https://tinghir.info/?p=40784