“مامادو” أو حلم طفل أفريقي
“مامادو” يافع من بوركينا فاسو أو السينغال، سمعته يستظهر القرآن الكريم ويجوده بروعة عبر السادسة، ويتحدث اللغة العربية بمهارة كواحد من أبنائها بل وأفضل، سأله المذيع المحترم: “ما الذي جاء به إلى المغرب وحمله على ترك بلده رغم حداثة سنه”؟، فقال له: “إنما يريد حفظ القرآن الكريم وتعلم علومه الشرعية في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة الأفارقة والمرشدين”؟، وأضاف وسأله: “ما هو حلمه المستقبلي بعد تخرجه من المعهد”؟،فأجاب: “طبعا أن يعود إلى بلده ويصبح إماما هناك يؤم الناس في أعظم المساجد، يصلي بهذا.. ويحفظ هذا.. ويفتي هذا.. ويرشد هذا.. ويساعد هذا.. ويزور هذا.. ويصلح بين هذا وهذه.. ويشارك هذا وهذه في فرحهما أو مأتمهما.. في صومهم وحجهم وأضحاهم.. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.. ومن دل على خير فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة”؟؟.
تذكرت هذا، وأنا أرى اليوم جحافل كل أولئك الأطفال والشباب الذين أصبح كل حلمهم كيف يهاجرون إلى ديار الغرب، وهم يبذلون من أجل ذلك الغالي والنفيس ولمرات ومرات ومحاولات وأخرى، بل ويعرضون أنفسهم لكل المآسي قد تبلغ حد الاحتيال عليهم بملايين الدراهم التي تؤخذ منهم خداعا، ولم يتدبروها إلا بمشقة الأنفس والقروض المعسرة، و بعد دفعها يمكن قضاء العديدين منهم غرقا في أعالي البحار؟؟، بل وحتى أولئك الذين يهاجرون من أجل طلب العلم واستكمال الدراسة وهو أمر مشروع، قد يستقرون هناك في ديار المهجر بعد إتمام الدراسة، لا من أجل الدعوة أو الإمامة، ولكن فقط من أجل تحسين أحوالهم ببعض دنيا يصيبونها أو جميلة يتزوجونها أو سيارة رباعية يقتنونها أو إقامة فاخرة يسكنونها؟؟، وقد يتشبثون بعدها بهويتهم وجنسيتهم وقد ينسلخون منها فكرا وسلوكا؟؟.
وتذكرت هذا، وأنا أستمع إلى أحد رؤساء المجالس العلمية المجدين والمنصفين في المغرب الشرقي، وهو يرد ويوقف أحد الواشين بأحد الأئمة عند حده، فقال له: “أترضى أن يكون ابنك إماما”؟؟، قال له الرجل: “لا”، قال له العالم: “إذن هذا يكفي الأئمة، فلا تزيدوا حياتهم تنغيصا فوق تنغيص”؟؟. الإمام فوق أنه في الغالب فقيه وحافظ.. وصابر وقانع.. ومواظب وعلى رأس أهم مؤسسة تربوية واجتماعية، ويدخل في حياة كل الناس بالتي هي أحسن.. يفرح لأفراحهم ويحزن لأحزانهم.. ويساعد ويرشد ويعلم ويفتي.. ويقضي ويصلح في ما بينهم.. ولكنه لا يسلم من أذى البعض.. والأذى المنظم والدائم والواهي، فهذا يوشي به.. وهذا يهدده.. وهذا يقرر بشأنه .. بقبوله أو إيقافه وعزله.. دون قانون توضيحي ولا مجلس تأديبي..ولا..ولا..؟؟.
إن لدى فقيهنا من الأوضاع الاجتماعية ما يكفيه، سكن متواضع وليس في ملكه.. أجر أو شرط متواضع لا يكفيه.. دلائل إمامة و وعظ وإرشاد وخطابة هو ملزم بها ولا يتوفر عليها.. ولم يتلقى عليها أي تكوين.. وكالة أعمال اجتماعية لا يدري بها إلا بالسماع .. وسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني تجاوزت كل وسائله التقليدية في التبليغ وصناعة المحتوى، وهو يخوف بالدخول إليها، وتحصى عليه كل أنفاس استثمارها.. لا ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية التي طالما بشر بها.. ولا إجازة ولا أسفار حتى لمعايدة الأهل في الأعياد والمناسبات.. وكأنه إنسان ليس من طينة من يصلي بهم؟؟. مسجد مفتوح فقط للصلوات ومغلوق ما بينها.. وممنوع فيه.. وممنوع فيه.. وإمام تجرأت عليه أوضاع الاشتغال.. وتجرأ عليه الواشون والمهددون.. بل تجرأت عليه حتى الصحافة والإعلام والأدب والسينما.. باتهامه بالتخلف وبالجمود تارة.. وبالتناقض والغربة.. بالتطرف وبالتحرش تارة.. و ب..و ب.. تارات أخرى؟؟،ألا إن الإمام من طينتكم، وعبثا تحاولون تشويه صورته في المجتمع وكسر رمزيته في النفوس.. ولن تتمكنوا من ذلك ما دام بفضل الله ل”مامادو” والآلاف من أمثاله حلما لهم، وما دام في هذا البلد الطيب المبارك معاهد مباركة تحيي عمق إشعاعنا الديني الحضاري الوسطي المعتدل نحو أفريقيا وأوروبا وغيرهما من القارات؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=40378