Ad Space

قراءة في مشهد المجتمع المدني المغربي لسنة 2019

admin
2020-01-13T14:25:17+01:00
اقلام حرة
admin13 يناير 2020
قراءة في مشهد المجتمع المدني المغربي لسنة 2019
الحبيب عكي

قراءة في مشهد المجتمع المدني المغربي لسنة 2019

 

 

         لا شك أن المجتمع المدني المغربي قد سجل خلال هذه السنة الآيلة للانصرام 2019، استمراره في الحيوية والفعالية منقطعتي النظير، وعلى مختلف الأصعدة التي ينشط فيها، من خدمات القرب المتنوعة والمعتادة، إلى الاهتمام المتزايد بالفئات الاجتماعية الهشة، إلى الشراكة مع الدولة في مشاريع التنمية البشرية وغيرها من مشاريع القطاعات الحكومية، ولو كانت المعلومة الرسمية متاحة في هذا الصدد لرأينا العجب العجاب،إ ذ أن كثيرا من السلطات – كما تحكي عن نفسها – أصبحت لا تشتغل إلا مع الجمعيات وإشعاراتها وتراخيصها، ومما جعل المجتمع المدني يستحق لقب هيئة السنة بامتياز، هو ترافعه القوي على قضايا وملفات نجح في جعل بعضها قضايا رأي عام وذات بعد وطني استأثر باهتمام الساسة وصناع القارار، وإن ركب البعض على موجاتها العاتية في الاتجاه المعاكس؟؟.

 

         لقد نجح المجتمع المدني كجمعيات ووداديات وكتنسيقيات وفعاليات، منتمية كانت أوغير منتمية، في سحب كثير من البساط تحت أقدام الوساطات التقليدية المترهلة والخانعة والطامعة عند الكثيرين، سواء كانت هذه الوساطات من الأحزاب أو النقابات أو الفعاليات المسترزقة في المجال والتي حرقت التزلفات والخيبات مصداقيتها وأوراقها، وممارسة لحق المجتمع المدني في الضغط والاقتراح وقيادة الشعوب ومعانقة همومها، ورغم المحاكمات القاسية والمعاكسة للحريات العامة للمواطنين، فقد تزعمت بعض فعالياته نضالات الحراكات الشعبية في الشمال وفي الجنوب، والعديد من التظاهرات الجماهيرية في الساحات والملاعب، كتنسيقيات أطباء الغد وأساتذة التعاقد وغيرهم من الفئات، ومختلف التجمعات والمسيرات الاحتجاجية في المدن والقرى، والعديد من التظاهرات الفنية والرياضية بشعارات غير مسبوقة قوية وصاخبة تبتك الأذان، وقد أسمعت لو نادت حيا ولكن ربما لا حياة لمن تنادي؟؟.

 

         ولكن ربما ليس هذا استثناء ولا ميزا فريدا في المجتمع المدني المغربي، فغيره من المجتمعات المدنية في بعض الدول العربية، نجحت في إحياء حراكات الربيع العربي في موجاته الثانية وبأنفاس جماهيرية عاتية أربكت كل الحسابات، بل إن المجتمع المدني في الدول الغربية نجح بعضه في الصعود إلى البرلمانات، ليس طمعا في طلب السلطة وممارسة الحكم، ولكن لإرغام الحكومات على تبني توجهاته المدنية في سياساتها، وتحقيق الشراكة الفعلية وتنافس السياسات وتكامل الديمقراطيات التمثيلية والمدنية وغيرها، ومارس ضغوطه وتوازناته من أجل ذلك، خاصة في تشكيل الحكومات وضمان الأغلبيات والتوافق على التوجهات، فأصبحت بذلك ألمانيا مثلا بفضل “الخصر” تهتم بالبيئة والمسنين أكثر، وأصبحت بريطانيا دلالة على تقدمها تهتم ب”الكلاب” بالدرجة الأولى حتى قبل النساء والأطفال؟؟.

 

         ولكن بقدر ما كان طيف من المجتمع المدني عندنا يرتبط بالوطن والمواطنين وفي الاتجاه البنائي المنتج الذي يحرر الممكنات و يعبىء الإمكانيات، فإن طيفا آخر لا يزال – مع الأسف – مستعبدا بالهموم الدولية ومنخرطا في الأجندات الكونية، وإن على حساب خصوصيات الشعوب وهمومها الحقيقية، وهكذا وموازاة مع أسياده وأولياء نعمته ومنحه وقبول مشاريعه أو نيابة عنهم فقد خاض بشكل مقصود وغير مفهوم ولا موفق في مواضيع شائكة كالحريات الفردية واللغة العربية والعلاقات “الرضائية” وحرية الإجهاض..، وقال فيها بل ودعم التشريع ضدها بما يخالف الهوية والمرجعية والانتماء، مدعيا أن ذلك من دواعي التقدم والحداثة، وإن كان من الأبواب المشرعة للتخلف والإلحاق؟؟.

 

         غير أن الملفت للنظر أيضا خلال هذه السنة المدنية 2019، هو أنه رغم كل الحيوية والفعالية التي قد تميز بها المجتمع المدني المغربي، ورغم كل الحلول الميدانية القيمة التي ساهم بها في تنشيط الساحة الحقوقية الترافعية والتنموية التشاركية (حراكات شعبية و مشاريع وطنية) والساحة الاجتماعية (قوافل طبية و ألبسة وأضاحي ومساعدات) والساحة الثقافية والفنية والرياضية (دوريات دولية وإبداعات وجوائز قيمة ومتعددة ومهرجانات دولية أيضا في نسخ عشرية وعشرينية)، فإن علاقته بمجمل السلطة متوترة وغير مفهومة ولا تؤطرها  في الغالب القوانين المعمول بها في الحريات العامة، فبالأحرى الأدوار الدستورية الجديدة 2011، وهذا بدء من:



aid

 

         1- بدء من تخلي الدولة وضعفها في ممارسة أدوارها الأساسية ومسؤولياتها الجسيمة في قطاعات خدماتية اجتماعية أساسية كالصحة والتعليم والتشغيل والسكن، ليجد المجتمع المدني نفسه منحشرا فيها يملأ الفراغ ويداوي صداع الرأس بالكي والمسكنات والرقية غير الشرعية، لأن الأمر فوق طاقته وليس من تخصصه ولا ينبغي أن يملك اتجاهه أكثر من إثارة الانتباه إليه والترافع بشأنه، وقد تفجرت عن هذه الاختلالات المتغافل عنها كل الحراكات الشعبية الهادرة ذات المطالب الاجتماعية المحرجة؟؟.

 

         2- وبدء أيضا من عدم امتلاك الحكومة – على ما يبدو – لسياسة مدنية مندمجة ومستمرة، إذ تم التراجع عن حقيبة العلاقات مع المجتمع المدني في النسخة الحالية للحكومة، وبعض المبادرات المدنية الجيدة تذهب بذهاب وزرائها والمبادرين بها، كتجميد مخرجات الحوار الوطني مع المجتمع المدني، وتبهيت يومه الوطني للوزير”الشوباني”، وكذلك غموض مسار السعي لدعم التكوين والشراكة والاقتصاد التضامني والتشغيل الجمعوي للوزير”الخلفي”، وقبلها إبداعات الجامعة الشعبية ومخيمات القرب للوزير الاشتراكي”محمد الكحص”؟؟.

 

         3- إلى الحيف والريع الذي لا زال يعشعش في الواقع المدني، إذ أن حتى فتاة المنح الجماعية والوزارية لا تمنح للجميع والشراكات والمشاريع التنموية والثقافية لا تقبل من الجميع رغم حرفيتها و وضعها من طرف مختصين وخبراء، وصفة المنفعة العامة وتنظيم الإحسان العمومي وتعبئة الرأسمال الداخلي والخارجي لا تتاح للجميع ولا تتساوى فيه الجهات، إذ نجد جهات متخمة بهذا الصنف من الجمعيات وجهات لا تتوفر على أكثر من جمعيتين أو ثلاثة من هذا الصنف؟؟.

 

         4- إلى تسييس ما لا يسيس من الأعمال والأنشطة الجمعوية، مما يؤدي إلى السماح بها للبعض وحرمان البعض الآخر منها، والسماح بها في وقت ومنعها في أوقات (كأوقات الانتخابات مثلا)، وقبولها من البعض بمجرد إشعار السلطات بها، وفرض الترخيص عليها للبعض الآخر والترخيص المماطل، وكذلك السماح بالأنشطة في الفضاءات المفتوحة للبعض على مرآى ومسمع الجميع، وحرمان البعض الآخر منها بل وحتى من القاعات العمومية حتى لو كان مؤطروها من الوزراء في الحكومة المسؤولة؟؟.

 

         5- إلى المعضلة الكبرى والمزمنة والتي تتمثل في تعسف بعض السلطات في حرمان بعض الجمعيات من حق تأسيسها وتجديد مكاتبها واختيار أعضائها وطاقاتها المتطوعة والمتعاقدة، وحق وضع ملفاتها القانونية بوثائقها المطلوبة، والتوصل بوصولاتها النهائية في تواريخها المحددة؟؟،ناهيك عن حق ممارسة أنشطتها وامتلاك مقراتها وممتلكاتها ومشاريعها التي تستعين بها على أنشطتها وتكاليف تدبيرها، ففي كل هذا لا زال الخرق والتضييق يسجل في مواقع دون أخرى وضد حساسيات دون غيرها؟؟.

 

         مما يجعل العديد من الأسئلة الحارقة مطروحة على الجميع، والتي ولاشك أنها وراء كل هذه الإشكالات المزمنة، من مثل:

 بين الدولة والمجتمع المدني تكامل أم صراع؟، ثقة شراكة وتعاون أم ريع واستيعاب وأدلجة؟، مسايرة في التوجهات أم معارضة في السياسات؟، ألهذا الحد أصبحت الجمعيات مزعجة؟،إلى متى التعامل معها بالأمزجة والأهواء بدل القوانين والمؤسسات؟،لماذا التفاضل في القوانين والتشريعات بينها وبين التعاونيات والمقاولات وهي مجرد مقاولات ثقافية مدنية؟، هل استنفذت السلطة أغراضها من الجمعيات؟، هل سيكون مصير الهيئات المفضلة الآن عند السلطة مثل مصير الجمعيات والأحزاب ولو بعد حين؟، هل قدر الفاعل المدني “دونكيشوطي” يحارب طواحين التخلف والبهدلة الإدارية، ويحكم عليه حكما “سيزيفي” بسوء النية والمؤامرة في أي مبادرة مهما كانت سلمية وقانونية؟، أين ما نشرعه في دساتيرنا و قوانيننا ودورياتنا من المفهوم الجديد للسلطة، ومن المقاربة التشاركية وسياسة القرب، والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان..؟؟.

ختاما، رغم كل الفسحة الموجودة عندنا بالمقارنة مع الآخرين من أمثالنا، فحبال البعض تلتف حولها وتصرفاتهم تسيء إليها، والإشكال ولا شك كان وسيظل تدافعيا و ترافعيا، ولكن، نرجو أن يكون النموذج التنموي الجديد والسنة القادمة 2020 وما بعدهما مما يخفف من هذه الإشكالات المعضلة المزمنة المكبلة المتفاقمة في الحقل المدني المغربي لما فيه خير البلاد والعباد، نرجو ذلك؟؟.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.