حرفا الواو و العين : الفصل 5
” إمي نغرم ” فضاء الدينامية المجالية بكل المقاييس، كل يجد فيه راحته ومكانه، يحتدم فيه النقاش ، تسود الجدية، كما يصل بك الامر في بعض الأحيان الى الكلام من أجل الكلام ، يستغل المداومون فترات الهدوء لحلق الرؤوس و الأدقان وتكرار القصص و بعض ا، تتخلل هذه الفسحة بعض الحكم و الاقوال ، وقف الحلاق و الشفرة الحادة في يده يزيد في حدتها بفركها بحرفية على معصمه ، أثار انتباهه هدير محركات الدراجات النارية لسواح أجانب ، ليس الصوت فقط و لكن لمعان ضوء الانارة كذلك ، سكت برهة ثم قال ” أرئيتم أعداء رسول الله يمرون علينا ؟ ” فأجابه أحد الجلساء دون تفكير : ” نعم انهم أعداء رسول الله يمرون على أعداء الله ” ، ضحكوا جميعا و تقبلوها لأنهم سمعوا أذان العصر وما استجاب أحد . من الجانب الآخر سئل أحدهم : ” و لما الانارة في ضوء النهار ؟ ” ، أجاب من جانبه على عجل : ” يطلقون العنان للأضواء لانهم يعرفون أننا نعيش في الظلمات ” ، ليرد الآخر : ربما صحيح لأنكم تعلمون قصة ذلك الشيخ صاحب اكبر عمامة في المنطقة ، يحضر جلسات المحكمة بورزازات على ظهر بغله الأبيض و قد أحضر ذات يوم قنديله الى المحكمة ولما نادى عليه القاضي للمثول امامه أوقد على قنديله ورفعه أمام أعين القاضي ولزم الصمت، فما لبث أن سأله القاضي لم القنديل و نحن بواضحة النهار ؟ فأجاب : لأخرجك من الظلمات الى النور فترى الحق وتحكم به وترى الباطل فتدحضه، تلعثم القاضي و أمر بإخراجه ورفع الجلسة، هذا الرجل الشجاع الذي يخافه أطفال كل أطفال الدواوير، شديد الملاحظة و التحليل، يجلس لشرب الشاي ويتابع أشغال من يعده، لن يشربه لأدنى حركة خارجة عن المعتاد، لن يقبل ضجيج الأطفال في جلسات الكبار، كل أقواله حكم و عبر ، رحم الله صاحب العمامة و قائل الحق و لو كلفه الكثير، يحكى أنه نادى على زوجته لتناوله كوب ماء فأتت على عجل و قد أدخلت ابهام يديها في الكوب لتحكم القبض عليه ، أخذ الكوب ولم يشرب لكن طالبها بإحضار الملقط الحديدي فأزال مقبط الكوب ” يد الغراف ” في صمت، استفسرت عن الامر فأجاب: و ما حاجتنا به و لك طريقتك المفضلة لأخذه .
هذا مثال لشخصيات لن تجد مثيلها في العزم و القرار، طلب أحدهم فأسا لجاره فقال : ان زوجتي تعد الطعام وهي تحرك به ما بالقدر، فرد عليه : كيف للمرأة أن تحرك الطعام داخل القدر بالفأس ؟ رفع الجالس رأسه وهو يخيط سرج بغله فقال : ” هل وصلك الجواب أم انك تبحث على المزيد ؟” ، فهم الطالب القصد وانصرف، طويت الأيام و الشهور فجاء صاحب الفأس ليطلب حمار جاره، وبدون تفكير كان الجواب أن الحمار هو من تكلف اليوم بحراسة القطيع مع الراعي، وقبل الاستفسار نهق الحمار وقال : ” إن الحمار في الزريبة يا رجل ” و لم يكن الجواب سوى : ” أتثق بي أم تثق في الحمار؟ “.
رجع أحدهم من زيارة قطيعه وايصال الزاد للرعاة وبينما هو في طريقه الى الدوار وجد شخصا يعرفه تمام المعرفة و قد سقط حمل بغلته على الأرض، كان المكان خاليا و قل ما يمر أحد هناك، وقف عليه بلا سلام ، تذكر كل شيء : محاكم ورزازات ، استدعاءات للقيادة ، شنآن و شنآن … وضع يده على الحمل و أمر بالإشارة فتم الحمل على البغلة بلا كلام، ترك صاحبه ليتم الباقي و يربط الحبال، خطى خطوات ثم عاد فقال : ” يا رجل أنا قمت بواجب الترحال و السبيل ، أعنتك على الحمل و تجهيز الدابة لكن اعلم أن ما بيننا من العداوة قائم وسرمدي و لن ينجلي بفعلتي هذه وموعدنا استئنافية ورزازات … “
يتبع
المصدر : https://tinghir.info/?p=39939