إنه وبالنظر إلى كون الأدب ممارسة إنسانية، فإن ذلك يجعله يخضع لحتمية لتطور والتحول وفق الشروط والظروف التي تحيط به، فلا يمكن بالمرّة تصور فعل أدبي جامد، ويظل التجديد التلقائي أحيانا والواعي أحيانا أخرى سمة تميز الفعل الأدبي، وما ظهور مدارس أدبية وتواري أخرى في مختلف الأجناس السردية عبر الزمان والمكان، إلا دليل قطعي على هذه الحركية.
لو تناولنا الأدب الأمازيغي من هذه الزاوية، لوجدانه كغيره، حركيا خضع ولايزال لحركة التجديد التي مسّت منه جوانب عديدة، لقد كان التجديد في في الأدب الأمازيغي خيارا وحتمية لا محيد عنها أملتها ظروف موضوعية بالأساس إلى جانب أخرى ذاتية، وهو ما سنعمل على توضيحه من خلال الحديث التطرق إلى مجموعة من العوامل التي كانت وراء “النهضة” الأدبية الأمازيغية.
في الجانب السياسي، يمكن القول أن الوعي العصري كان نتيجة طبيعية لحجم الطمس والحظر الذي مورس على الامازيغية كبنية، وقد كانت البدايات الاولى لهذا الحظر منذ فترة الحماية حيث استطاع المستعمر الفرنسي ونجح الى حد كبير في تدمير البنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الامازيغي، ردّا على المقاومة الشرسة له من طرف القبائل الامازيغية على طول المغرب، تدمير تلاه بناء أجهزة دولة عصرية تأسست على أسس و هياكل المخزن التقليدي ذي التقاليد الدينية و العربية. من جهة ثانية، دعا رواد ما يعرف ب”الحركة الوطنية”، خاصة بعد ظهير 16 ماي 1930 في عريضتي فاس و الرباط المرفوعتين الى السلطات الفرنسية الى عدم اعطاء أي لهجة من اللهجات “البربرية” أي صفة رسمية و من ذلك عدم كتابتها بالحروف اللاتينية.
و مع فجر الاستقلال، تم ترسيم أسس الحركة الوطنية واعطاء الثقافة العربية الاسلامية طابع الثقافة الوطنية والرسمية، في حين تم تجاهل الثقافة و اللغة الامازيغيتين، بل أكثر من ذلك رفض نشطاء هذه الحركة و بشكل علني أي اشارة الى الامازيغية. من جهة أخرى، تم طمس طابع التعدد وإقرار مبدأ التعريب الذي بدأ من الحقل التعليمي كأحد مبادئه الاربعة، حيث كان ظاهريا موجها ضد “تفشي لغة المستعمر” وسبيلا الى تصفية الارث الاستعماري و تحقيق السيادة الوطنية و بالتالي ضمان ولاء المواطنين، إلا أنه ما فتيء أن انتقل الى قطاع القضاء وتم فرض اللغة العربية لغة وحيدة داخل المحاكم المغربية و تم منع أي لغة أخرى، بل ان التعريب امتد كذلك الى تعريب المحيط عبر تعريب علامات الطرق و اللوحات الاشهارية وكذا الاماكن، وتمّ تغيير أسماء أماكن كانت باللغة الأمازيغية بأخرى معربة على امتداد المغرب. الذاكرة الوطنية بدورها لم تسلم من مشروع التعريب وتم الاقتصار على الفترة الاسلامية في تدريس التاريخ، وتم تبجيل “الفاتحين” من العرب الوافدين على شمال افريقيا في حين تم تشويه وتبخيس من قاوموهم من “الوثنيين” أصحاب الأرض. مرحلة الحظر هذه تميزت كذلك بتسويق الأنساب التي ازدهرت خلال مرحلة معينة، وتبقى كلها اذا مظاهر جاءت لتؤكد على أن التعريب لم يؤت به للاهداف المعلنة، بل لمحو و طمس كل ما هو أمازيغي في المغرب، خاصة اننا نجد أن مهندسي هذا المشروع و المتمسكين بأجرأته يعتبرون من أشد المتشبثين باللغة الفرنسية مع العلم أنهم لن يتخلوا عن لغة تعتبر امتيازا لهم، واحتفظوا بها باسم الحداثة و ضرورة الشراكة و الانفتاح على العالم.ان التعريب باختصار سياسة تروم تعريب الانسان و الهوية المغربية،انها عملية تأحيد Uniformisation هدفت الى محو التعدد الثقافي الذي طبع المغرب عبر تاريخه الطويل، وهو ما فطن إليه رواد الحركة الهوياتية الأمازيغية التي كانت خلصت إلى أن سياسة الطمس والحظر يتم تنزيلها بشكل مدروس و ممنهج، وستكرس انحسار اللغة و الثقافة الامازيغيتين، مما يفرض تعميق الوعي وضرورة التصدي الذكي لهذا “التطهير” الثقافي، وهو ما عمل عليه الرعيل الأول من مرتادي الجامعة المغربية.
من جهة أخرى أدى الانفتاح على المشهد الأدبي العالمي إلى أن اكتشف الطلبة الأوائل من الأمازيغ الأجناس الأدبية العالمية واطلعوا على الدراسات النقدية والتجارب الانسانية الرائدة في هذا الشأن ، كما لعب التأثر باساتذة باحثين عادوا من فرنسا وانخرطوا في الجامعات والجمعيات تنامي الفكر اليساري التقدمي الذي ينادي بمختلف أشكال التعبير الرمزي الاستفادة من التجارب العالمية ، مما حرّك فيهم الرغبة في وقف الاندثار الذي يلحق الأدب الشفوي في ظل الوعي بضرورة الاسراع بحفظ ما يمكن حفظه، كما تشجعوا للابداع بلغتهم الأم التي أهملتها المؤسسات الرسمية، وتحقيق التميز والخصوصية اللذين لا يتطلبان غير الانتقال بالأدب الأمازيغي من أدب شفهي يندثر بسرعة ولا يحظى بأي دراسات نقدية أو حتى وصفية، وخلصوا بذلك إلى ضرورة القطع مع العفوية والانتقال إلى توثيق كل الابداعات الأدبية سواء عن طريق التدوين أوالكتابة، ثم تدشين الدراسات النقدية الأمازيغية لتطوير الوعي النظري وتجويد وتحسين المنتوج الأدبي. لقد كان الرغبة في تأسيس هوية أدبية تحترم الخصوصية وتقطع مع مساعي التأحيد والتنميط أحد أهم بواعث التجديد في الأدب الأمازيغي، ولا يعقل أن نغفل عن دور المهرجانات والملتقيات والندوات الثقافية في توفير شروط تحقق التجديد.
وفي مراحل متأخرة، كانت الاستجابة لحجم الطلب بعد إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية حيث تطلب الأمر توفير منتوج أدبي يفي بإعداد الكتب والمراجع التي تكلّفت مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإعدادها لكون نجاح تدريس اللغة الأمازيغية رهينا بربطها بثقافتها وآدابها، كما أن انتشار التقنية والتكنلوجيا ساعد وبشكل كبير في تجديد الأدب الأمازيغي وإدماجه في السياق الأدبي العالمي.
الأدب الأمازيغي: من الشفاهة، ثم التدوين إلى الكتابة
إذا كان اثنان لا يختلفان حول كون الأدب الأمازيغي بمختلف تجلياته التعبيرية وتمظهراته الاحتفالية والطقوسية يتسم بطابع الغنى والتنوع، وكونه المكون الأكثر أصالة وتجذرا من مكونات الثقافة المغربية، فإن طابعه الشفهي في جل مراحله السابقة جعل الكثير منه يندثر ويختفي إلى الأبد، رغم ما وصلنا من خلال التوارث الذي قام على المشافهة والسرد والرواية بشكل عام.
ومع النصف الثاني من القرن الماضي وبفعل عوامل أتينا على ذكر بعضها سلفا، انتهى الأمر إلى ضرورة الانكباب على تدوين الموروث الأدبي واستكمال ما بدأه المستشرقون –وإن اختلفت الدواعي والغايات- وبدء مرحلة جديدة من الإبداع تقوم على الكتابة تتنصر للابداعية والابتكارية وتقطع مع التقليد وإعادة الإنتاج بطريقة أقرب إلى الميكانيكية، وبالتالي بزوغ فجر أدبي جديد ينهي الرتابة والاجترار.
إن الدخول في الفترة المعاصرة ومجيء “عصر التدوين والكتابة” لهذا التراث، “أدى إلى بروز أسئلة جديدة وإشكالات مغايرة كتلك التي تصاحب عادة تدوين ثقافات الأمم وتراث الشعوب، إيذانا ببدء مسار جديد لهذا المكون الوطني لولوج عوامل الحضارة والحداثة”، فالتحول في الأدب الأمازيغي من طبيعته الشفاهية إلى الكتابة، ليس من قبيل نقل لمنطوق إلى مكتوب، كما ليس تحولا بسيطا يمسّ الأدب في جانبه الشكلي فحسب، بل طفرة فريدة زلزلت عرش الأدب الأمازيغي، وقرار أملته مستجدات المعارف والمناهج والأحداث، وهو ما يفرض على الأدباء من جهة، والنقاد والدارسين من جهة أخرى الوعي بدقة المرحلة وضرورة التفاعل الايجابي معه.
الأشكال المسرحية: تعريف وتصنيف
يمكن تعريف المسرح بكونه شكلا من أشكال الأدب، وضربا من ضروب الفن التمثيلي الذي من خلاله تعرض أحداث معينة مشكّلة قصّة معينّة يتم تشخيصها من قبل أشخاص معيّنين أو ما يعرف بالممثّلين. ويعبر هؤلاء عن القصة من خلال كثير من التعابير تتنوع بين المشاهد والأحاديث والأفعال، أي أن هذه التعابير مجتمعة تهدف إلى نقل الفكرة العامة للقصّة، وهنا يتّخذ كل ممثل دوراً خاصّاً به، فيتقمّص من خلاله شخصيّة من شخصيّات القصّة ويقوم بتصرفاتها كما يصورها النص المسرحي.
تجدر الإشارة إلى أن الحضارتين الإغريقية والرومانية كان لهما السبق في المسرح، وهما من تفننتا وأتقنتا هذا الفن الراقي منذ بداياته الأولى. عندما نريد أن نتحدث عن الأصناف الكبرى للمسرح، فإننا طبعا نستحضر في المقام الأول المسرحيّات التي تتضمن نصوصا ونقاشات وأدوار معينة، إلى جانب مسرحيات أخرى صامتة لا مجال فيها للغة اللسان بل يقوم الممثلون خلالها بالقيام بأفعال وحركات تبيّن الفكرة العامّة للمسرحية، علاوة على مسرحيّات غنائية التي تحتوي جلّ مشاهدها على الغناء.
لاشك أن لكل مسرحية عناصر معينة يجب توفرها حتى تنعت بالمسرحية، أولى هذه العناصر هي الحبكة، وهي القصّة الهادفة التي يؤدي الممثلون أحداثها لإيصال رسالة بعينها، الحبكة بمثابة الفكرة التي تتحدث عنها المسرحية، بشكل واضح ومفهوم، وببساطة وعدم تكلف. وإلى جانب الحبكة نجد الشخصيّات أو الممثلين، وهم مجموع الأشخاص الذين يؤدون أدوارا داخل المسرحية لتمثيّل القصّة وعرضها عن طريق مشاهد وأدوار مخصّصة، هنا نميّز بين مستويين من الشخصيات بحسب الدور والتأثير، فنتحدث عن شخصيّة أساسيّة: وهي الشخصية المهمّة في المسرحيّة، وعادةً ما تكون شخصيّة البطل، ثم شخصيّة ثانوية: وهي التي تقوم بمساعدة الشخصيّات الأساسيّة، مثل صديق البطل، أو المقرّب إليه. وإلى جانب الدور والتأثير، نميز بين الشخصيات حسب التطور والتكوين، وهنا أيضا نميز بين شخصيّة ثابتة لا تتغيّر صورتها خلال المسرحيّة، وشخصيّة متغيّرة يتم اكتشاف حقائقها عبر تسلسل الأحداث. ، مثل تحول الشخص الضعيف لبطل شجاع.
ويعتبر الحوار أو النص المسرحي عنصرا أساسيا في المعادلة المسرحية، وهو مجموع الأحداث التي يعبر عنها الممثّلّون لإيصال أفكار بعينها هذه الأفكار التي تعتبر بدورها ركنا مهما من أركان المسرح، أما الراوي فهو الشخص الذي يقوم بقصّ أحداث المسرحية وسردها بشكلٍ متسلسل. في الأخير نجد المسرح، وهو الفضاء الذي تقدم فيه المسرحيّة، وعادةً ما يكون صالة كبيرة طبعا، مليئة بالمقاعد التي يجلس عليها الجمهور.
يمكن التمييز داخل المسرح بين أربعة أنواع مسرحية كبرى، نجد في مقدمتها المسرح الكوميديّ وهو من النوع المفضل والأكثر شعبية بالنظر إلى كونه يقص أحداثاً مضحكة، يمثلها شخصيّات غبية، يعبّرون عن المواقف والأحداث بطريقة طريفة وساخرة، وإن كانت القصة قصة واقعيّة وهادفة، فهدفه إيصال عبرة وحكمة واضحة وإن بطريقة ترفيهية تمتع الجمهور. أما المسرح المأساوي فتدور أحداثه حول الكوارث وتحديات الحياة وما يصاحبها من المتاعب والأذى الحزن فيها حتى نهاية المسرحيّة، وغالبا ما تتضمن فكرة الموت. من جهة أخرى نجد المسرح الجدّي، ويشبه في أحداثه المسرحيّة الحزينة، إلّا أنّه ينتهي بأحداث سعيدة. وأخيرا نجد المسرح الميلودرامي وهو المسرح الذي يركّز على الصراع الدائم بين الخير والشر، وينتصر في النهاية للخير مهما ساد الشر والظلم.
تاريخ المسرح الأمازيغي: من الأشكال الفرجوية إلى المسرح الحديث
لا شك أن ثقافة الأمازيغ ثقافة متنوعة يتلوّن فيها الأدب بألوان عدة ومتنوعة، وإن كان البعض يرى فيه أدبا يقتصر على مستويات القول والرقص والغناء والإنشاد التي تسمه بالتقليدي الذي لا يرقى إلى الأدب الفصيح، رغم أن التاريخ يشهد للأمازيغ أنهم أبدعوا في أجناس أدبية متنوعة، خاصة بلغات أخرى غير لغتهم، بما في ذلك المسرح والشعر والقصص والحكايات.
يعتقد الأديب المغربي عباس الجراري أن المغاربة تأثروا بالقرطاجيين ثم الرومان بعدهم، والذين بنوا المسارح ومارسوا فن التمثيل القائم على الأناشيد الملحمية والابتهالات والحركات الراقصة التي تؤدى بها الطقوس والشعائر الدينية، والتي ترمز إلى التوسل بالآلهة، ولم يخرج الامازيغ عن هذه الدائرة حين ظلت عباداتهم في أغلبها عبارة عن طقوس وشعائر مسرحية تجاه آلهتهم القديمة، كما بنوا مسارح في عدة مدن قديمة خصوصا بوليلي نتيجة تأثرهم بالرومان وبالمسارح الرومانية. وهنا لابد من إعادة طرح التساؤل عن مدى موضوعية هذا التصور، حيث أن أهم رجالات هذه الفنون من الأمازيغ أنفسهم ممّا يطرح احتمال تأثر الحضارات الوافدة بالمحتضنة وليس العكس الموسيقى والرسم والرقص طقوس أمازيغية يومية تقدم فيها العروض المسرحية التراجيدية والكوميدية.
إن الثقافة الأمازيغية تزخر بموروث يطغى عليه الجانب المسرحي، وما فضاء “آسايس” أو “آسراك” إلا مثال حي للطقس المسرحي الذي تتكامل فيه أدوار الرجل والمرأة في إعداد الفضاء وتأثيثه وتهييئه للمسرحة وممارسة الفنون الميدانية، حيث يكون هذا الفضاء حاضنا للمناسبات التي تعكس المسرات والمباهج خصوصا احتفالات الأعراس والختان واحتفالات الحصاد التي تكون فيها ممارسة الرقص والمسرحة الجسدية مرادفة لأذهان ونفوس مبسوطة مستعدة للاستيعاب والحفظ والترديد، إنها فضاءات للإبداع والتنافس في الابتكار والخلق.
إن التمظهرات الأولى للمسرح الأمازيغي هي تلك الأشكال الاحتفالية، التي كانت تقام في المناسبات التي عرفها الأمازيغ منذ عصور مضت، وعلى سبيل المثال، تعتبر مجموعة ” إيهيَّاضْن ” مسرحا متحركا، و”إيهيَّاضْن” هي فرقة فنية، تضم شبانا متمرسين في الغناء والرقص والألعاب الرياضية تتجول في القبائل والمناطق المتباعدة تقوم بتنظيم الحفلات الاستعراضية التي تضم مختلف الألعاب الرياضية والعروض الفرجوية الفكاهية عطفا على الأقاصيص والأخبار والحكايات مما تحفل به ذاكرة مجتمع سوس. في الشمال، نجد سكان منطقة الريف يعرفون ومنذ القديم بعض الظواهر المسرحية ك ” باشيخ /أقلَّوزْ/ شارح مدجاح/ ثاسريش أنونزار (عروس المطر) وطقوس حفلة العرس . وتعتبر ظاهرة “ئمديازن” التي تنتشر في أسواق وقصور الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي شكلا احتفاليا متجذرا، ويكون عبارة عن تجمع دائري بإحدى الساحات العمومية أو وسط السوق الاسبوعي، يتناول فيه الشاعر “أمْدْيَازْ أشعاره مرفوقة بسرد قصص البطولات والأساطير التي تمزج بين الإنسان والحيوان، إلى جانب فرقة “بوغانيم” بالأطلس المتوسط التي تشترك مع سابقتها في الكثير من الخصائص الفرجوية التي تعتمد وسائل تعبيرية متنوعة تتنوع بين الإيماء، والرقص والحركة وهذه التظاهرات يمكن أن نسميها بالأشكال الما- قبل المسرحية.
هنا ينتعش المسرح التقليدي الذي يتميز بالطلاقة والعفوية، حيث الحركات والسكنات والأغاني والمرددات والأهازيج المتنوعة التي تبرز مدى قدرة هذه الثقافة على الجمع بين الرجل والمرأة وحتى الطفل، وكما يقول عبد الكريم برشيد: “فكلنا نمثل، ونحن بالفعل نمثل، نمثل داخل المسرح/البناية وخارجه، إننا نحمل غريزتنا في التقليد والتحول، ونريد أن نتجاوز ذواتنا باستمرار لنكون الآخرين، وأن نحقق الزمن الآخر والعلاقات الأخرى”، إنها قوة التمثيل داخل متاهات الحياة اليومية.
في هذا الاطار، ورغم تحول بعض الظواهر المسرحية من حالتها الأصلية إلى حالة الخشبة والصورة مع التلفزيون وغيره، بما في ذلك رقصات “أحواش” و”أحيدوس” ولو نسبيا، فإن ظواهر أخرى ظلت عصية على الصورة وبقيت طقسا مسرحيا حياّ كطقس “ؤداين ن عاشور” بكلميمة و”بلماون” بسوس و”بنقبو” في الجنوب الشرقي عموما وغيرها من أشكال المسرحة والتمظهر الذاتي الخفي الذي يعتمد على التقنيع/القناع.
إن البحث في تاريخ المسرح الأمازيغي القديم أمر ليس بالبسيط، بل مجازفة علمية على اعتبار أن هذا الجنس الأدبي عرف تجاذبا منقطع النظير، ومحاولة الحسم في التأريخ له كما البحث عن المستحيل بالنظر تداخل الكثير من المعطيات التاريخية، والحق أن البحث عن أصول هذا الجنس الأدبي لا يعدو أن يكون بحثا عن ثقافة زاخرة بالمعطيات؛ ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية عمّرت منذ فجر التاريخ، فالمسرح بمفهومه التقليدي كان ولازال من أهم ما ميز الأمازيغ على مرّ التاريخ، إنها ثقافة الفرجة التي من خلالها تعايشت هذه الجماعة البشرية في سكون مع هواجس الطبيعة وفي تجانس مع مختلف الأنشطة التي تمارس في فضائها الشاسع.
إن المسرح الأمازيغي واقع ملحوظ وليس مجرد وصف مجاني أو إدعاء باطل، مسرح ظهر إلى الوجود نهاية سبعينيات القرن الماضي وأصبح تجربة متطورة ورائدة رغم كونها فتية، وهنا لا يمكن أن نتجاهل الدور الكبير الذي لعبته الحركة الأمازيغية في إنجاح التجربة حيث عمدت إلى توظيف استعمال المسرح لإيصال رسالتها بعدما أدركت أن المسرح دينامو الثقافة والفن الذي من خلاله يمكن إرسال الرسائل المشفرة في قالب فني وجمالي جذاب، وعليه، تناسلت الفرق المسرحية في عدة مدن مغربية مما أفرز خريطة مسرحية مهمة استفادت مما راكمته التجارب السابقة، وسلّط الضوء على أسماء من قبيل “فؤاد أزروال”، “عمر بومزوغ”، “فاروق ازنابط”، “الصافي مومن علي”، “عبد الله أوزاد” وغيرهم كثير، أبدعوا في التأليف والإخراج.
قبل بداية التسعينيات إذا، كانت هناك محاولات متفرقة وجنينية تندرج في إطار الفن التمثيلي بصفة عامة كما هو الشأن بالنسبة للمسرح الإذاعي الذي كانت تقدمه الإذاعة الوطنية قسم تاشلحيت، إلى حدود أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، إضافة الى التمثيليات المسجلة على شرائط والصوتيات، كأعمال كل من المرحوم “فارس باقشيش” و”العربي الهداج” ، بعد الأشكال الفطرية او مرحلة الظواهر الموروثة، جاءت مرحلة التبلور والانبثاق حسب “جميل الحمداوي” مع مجموعة من المسرحيات الامازيغية البسيطة التي ظهرت في أواخر السبيعينيات كمسرحية “ئهواد اوكامبوي أذي يكسي باسبورتي” و”ئرحاكد أميث ناغ” الذي يعتبر حسب “الحمداوي” نفسه، أول عرض مسرحي في ذاكرة المسرح الأمازيغي وقد تم تشخصيها سنة 1978. ويرى ذات الناقد أن مرحة الاستواء الفني لم تكتمل حتى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وفي هذه المرحلة سيعرف المسرح الامازيغي مقوماته التجنيسية، وسينتعش فنيا ووجوديا وسيستوي على رجليه بعد مخاض جنيني، وهنا لا يستقيم الحديث عن تجسد المسرح الأمازيغي دون الاشارة إلى أسماء بصمت عليه كـ”فؤاد ازروال” الذي ألف وأخرج الكثير من المسرحيات الكوميدية والاجتماعية تأليفا واقتباسا وتمزيغا واخراجا وتمثيلا مثل “أذوزوغ دي ثيوت”، و”أغنيج ئدورار” و”أغيرو ئنو ئعزان” و”أمزروظ” و”بوسحاسح” و”سي أسنوس”وغيرها كثير.
خلاصة القول، إن المسرح الأمازيغي ومنذ الفترة الرومانية عرف عدة، علما أن الأمازيغ قد يكونوا عرفوا الظواهر المسرحية التقليدية قبل ذلك التاريخ، غير أنها تعرضت للتقويض في مرحلة الاستعمار ليتقنّن بعدها، وهذا ما تدل عليه البنايات المسرحية والأعمال القديمة التي لازالت شاهدة إلى اليوم على امتداد شمال افريقيا، وتجدر الإشارة إلى توقف الحركة المسرحية المقننة مع دخول الإسلام، لأن الدين الجديد في تلك المرحلة كان يحارب كل أشكال التمسرح باعتبارها خارجة عن الشّرع رغم الاستمرار المحتشم للظواهر المسرحية الشعبية الغير مقننة، لتأتي مرحلة أواخر الستينات وبداية السبعينات حيث سيحاول الشباب الأمازيغي العودة إلى ذلك التراث لإحيائه وتضمينه وتوثيقه كمحاولة لإخراجه من الضعف والوهن الذي كان غارق فيه،لتأتي بعد ذلك فترة التسعينات وما بعدها لنرى بعض بواعث التجديد تأليفا وتمثيلا وإخراجا.
المسرح الأمازيغي الحديث: المضامين والموضوعات
لا شك أن بداية المسرح الأمازيغي بصيغته المعاصرة انطلقت ارهاصاتها الأولى منذ السبعينيات كما أسلفنا، وهي المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة التأسيس، وكانت مرحلة شابتها الكثير من الأعطاب على رأسها غياب الاستمرارية في الممارسة، وهو ما حبسها في دائرة التبعية والتأثر بالنماذج السائدة بشكل ميكانيكي، مما أفضى إلى أحادية الموضوع التي جعلت النص التأسيسي منغلقا يتكون من عناصر نهائية تنتهي بحل العقدة، يطغى عليها التناول الواقعي للمعطيات الاجتماعية أو السياسية بشكل حقيقي وتقديم خطابي وتعليمي تغيب فيه اللمسة الفنية، وهو وضع أفقد المسرح عنصرا أساسيا.
ولتجاوز ذلك، تم توظيف التراث وفق مقاربة تأصيلية وتجريبية للاستفادة من مكنوزاته عبر خلق التوافق والانسجام بين الموروث والممارسة، وهو ما تأتى اعتبارا من بداية التسعينيات حيث حصل التطور أسلوبيا باعتماد خلفية الهوية في مقاربته الفنية عن طريق مسرحة ملامح هذه الهوية بتوظيف الأساطير والخرافات والتاريخ والصور والرموز وغيرها، وهي المرحلة التي يمكن وصفها بمرحلة إعادة التأسيس، وهي المرحلة التي التي تميّزت ببزوغ توجهات جديدة كان حافزها الأساسي هو تطوير الفعل المسرحي سواء على مستوى النص أو على مستوى نسق العرض وما يعتمده من تشغيل للفضاء، وهي المرحلة التي تأسست فيها فرق مسرحية جديدة حملت طابع التحديث والتجديد.
بالنظر إلى المكانة التي توليها الحركة الثقافية الأمازيغية للغة والتراث في طروحاتها على مرّ عقود طويلة، فإنه يصعب تصور المسرح الأمازيغي بعيدا عن هذه الثنائية، فاللغة هي خصوصية الانسان المميزة وروح كيانه، والتراث هو تاريخ المجتمع الأمازيغي وكنز حضارته المتجذرة في التاريخ، ولما كان المسرح الأمازيغي وسيلة رائدة في بث الوعي والتعبئة الهوياتية التي ارتكز عليها عمل النسيج الجمعوي الامازيغي، فإن المسرحيين الأمازيغ حرصوا أشد الحرص على جعل عنصري اللغة والتراث عماد تميز وتفرد ممارستهم المسرحية.
غير أن الارتباط الفياض بهذين المعطيين أفضى إلى مجموعة من العيوب التي طفت إلى السطح، خاصة الاضطراب البين في استخدام اللغة المنطوقة حيث أن محاولة تجريب اللغة الامازيغية المعيار تؤثر بشكل جلي على لغة الحديث اليومي واللغة الشعرية، علاوة على أن التوجه العام يجعل استعمال الحديث باللغة الأمازيغية فوق الركح معيارا للدخول في خانة المسرح الأمازيغي ليكون بذلك الانتساب إلى هذا المسرح الأمازيغي انتسابا لسانيا مطلقا، وأصبحت اللغة المنطوقة معيارا أساسا في تمييز هذا المسرح وتحديده داخل النسق الفني المغربي.
بخصوص التراث، انخرطت الممارسة المسرحية الأمازيغية في مهمة “الدفاع عن الموروث الثقافي الأمازيغي والاهتمام به، والعمل على حمايته من الانقراض والضياع. فعادت إلى استقراء الذاكرة التاريخية والحضارية المحلية، واشتغلت على توظيف كل نماذجها الساطعة ومختلف مظاهر الاحتفالات والفرجات الشعبية الفطرية وفنون الأدب الشفهي من حكايات وخرفات وأمثال، وحاولت أن تجعل من ذلك ثاني عناصر خصوصيتها بعد اللغة”.
وهكذا ظلت الكثير من الأعمال المسرحية وفية لهذا النهج، تقحم بدون مبرر موضوعي او فني مقنع عناصر يمكن اعتبارها ضربا من ضروب الحشو مما أفضى إلى إعادة أو استنساخ صور ثقافية نمطية تزكي الصياغة الفولكلورية للهوية التي تنبني على التقديم الجاهز للصور الأيقونية لعناصر المسرحية، وهو ما جعل المسرح الأمازيغي يسقط في فخ التراكم بدل العمل على وحدة الأسلوب
ولحسن الحظ، استطاع المسرح الامازيغي تجاوز هذا الارتباط المرضي باللغة والتراث، والانتقال بهما إلى مجرد وسيلتين أو نسقين من ضمن أنساق فنية ودلالية متعددة في صناعة الفرجة المسرحية، لتؤتى الوسائل الفنية والعناصره الجمالية حقها، ويرتقي بذلك المسرح الأمازيغي إلى مستويات تعبيرية أكثر استعارية وشاعرية لكونه أصبح يفكر من خلال اللغة وليس يفكر فيها.
وفي شق التراث، سيتجه هذا المسرح إلى تفادي السقوط في الانغلاق والسلفية التراثية، حيث اجتهد في “الاستفادة من عناصر الفنون والآداب الشعبية المحلية باعتبارها تقنيات وأدوات فنية، وأساليب تعبير فرجوية ذات قوة تأثيرية فعالة، فيوظفها في إطار عصري متحرك وحيوي، ويناقشها بطريقة تستجيب للحاجيات الاجتماعية والنفسية والثقافية للفرد والمجتمع الأمازيغيين في اللحظة الراهنة. فيتحول هذا التراث، تبعا لذلك، من غاية إلى تقنية، ومن أداة لترسيخ التمثلات السائدة والقائمة إلى عامل في تغييرها وتغيير شروط إنتاجها واستهلاكها.”
لقد استطاع المسرح الأمازيغي أن يحيط بكثير من الموضوعات التي تهم آفات المجتمع من البطالة إلى استغلال النفوذ، ومن التماطل والرشوة وتبذير المال العام إلى الهجرة كتيمة قوية في المسرح الامازيغي، دون أن يغفل المواضيع الوجودية والفلسفية التي أشرنا إليها سلفا في قالب مألوف يستجيب للذوق الأخلاقي والديني والاجتماعي والنفسي.بشكل مباشر وبسيط ليفهم المتلقي واقعه المعاش.
المسرح الأمازيغي: من إثبات الذات إلى إثبات ذات مسرح
التأليف المسرحي بين الاحترفية والهواية
كما سبق وأشرنا، كانت البدايات الأولى للمسرح الأمازيغي داخل الفضاءات الجمعوية بالخصوص التي دفعها النضال من أجل هويتها إلى جعل المسرح وسيلة من وسائل التواصل ونشر الوعي، وهو ما يفسر كون المسرح في سياق كهذا مسرحا هاويا بكل المقاييس، حيث أن هذه الفرق ظلت على رؤوس الأصابع من حيث عددها، فتية في تجربتها لا تزال في طور التكوين وتنظيم الهياكل، تفتقر إلى كثير من الشروط الموضوعية لتحقق مسرح محترف أولاها التراكم الكمي والنوعي.
إن الاحتراف في المسرح لا يمكن تصوره في الخبرة الفنية والتقنية والمهنية والتخصص، وكلها عناصر تغيب في المسرح الأمازيغي عموما، فالمسرح الاحترافي الأمازيغي رغم كل شيء يظل في مرحلته الجنينية التي لم تتجاوز بعد مرحلة الاستنبات التي تفسر قلة العرض المسرحي. إن الانتقال إلى الاحترافية في المسرح تداخل فيه الإداري بالمادي بالتقني بالفني بالدرامي، وهو ما يتطلب توفير ظروف هذا الانتقال خصوصا ما يتعلق بالتأطير والتنظيم المهني والاجتماعي والإداري دون إغفال الجانب المادي.
إن همّ الانتقال إلى الاحترافية في المسرح الأمازيغي لن يحمله غير المسرحيين الأمازيغ أنفسهم، مما يفرض مضاعفة اللقاءات والجلسات والتكوينات عبر مهرجانات مسرحية للتداول في سبل تحسين الأساليب الابداعية واقتراح الرؤى والجماليات التي من شأنها رسملة هذا الفن وجعله يحظى بمكانة لائقة داخل النسيج الثقافي المغربي.
الإخراج في المسرح الأمازيغي
لا يختلف اثنان حول كون الإخراج المسرحي من المفاتيح الأساسية للتمكن من الممارسة المسرحية وإتقانها، فدور المخرج أساسي بل ومفصلي، فالمخرج هو من بالتنسيق بين عناصر المسرحية بما في ذلك الأصوات والصور وفق قالب فني معين، فيقوم بتجزيء النص المسرحي إلى وحدات تقسم بدورها إلى أجزاء صغيرة تشكل المشاهد التي تعرض على الخشبة، المخرج هو من يركب الصور والأصوات التي تشكل المشاهد وفق قياسات بصرية وفضائية دقيقة وبآثارها التشكيلي والتركيبي وامتدادها الزمني.
الملاحظ عموما وحسب النقاد والدارسين لفن المسرح، أن المسرح الأمازيغي يعيش أزمة إخراج، فالصور في هذا المسرح تفتقر إلى علاقات السببية والزمانية والحكائية والتفسيرية ويغيب فيها الطابع التنظيمي والزمني سواء تعلق الأمر بالتزامن أو التتالي أو الثبات، إن الإخراج في المسرح الأمازيغي في سواده الأعظم يقتصر على موضعة الممثل فوق الخشبة وحركته وطريقة إلقائه، ويركز على أشكال الديكور والاضاءة حتى يتسنى له إظهار الممثل وفق رؤية زمنية معينة وتناوب بين الإضاءة والإظلام.
لعل مردّ ما ذكر تركيز جل المخرجين المسرحيين الأمازيغ على المعنى والموضوع، وتساهلهم مع الجانب الفني والجمالي الذي يعتبر فاصلا في الممارسة المسرحية، عطفا على التضحية بدينامية العرض وبنيويته. والحال هذه، يتعين التفكير في تحسين وتجويد الاخراج المسرحي الأمازيغي عبر الالتفات الواجب إلى الصورة الركحية المتحركة التي تتشكل من تنقل الممثل ومركاته ونظراته داخل فضاء العرض، ثم حجم الصورة وفضائها وإضاءتها وايقاعها ونقوشها ومادتها واطارها وزمنها السريع والبطيء والثابت ولونها وصوتها، ثم التركيز على العلاقة بين كل العناصر وتمفصلاتها بالنظر إلى كون الصورة الركحية معطى متغيرا في الزمن المسرحي.
لسنا نقول أن الاخراج المسرحي الأمازيغي دون المستوى بشكل قاطع، أبدا، بل نقول أنه يحتاج إلى المزيد من الجهد والتحصيل، خاصة أن أسماء كثيرة ممن ولجوا هذا الميدان استفادوا من التجارب الأممية في المسرح خاصة المسرح الفرنسي والإسباني واستطاعوا أن يستجيبوا لكل الشروط الموضوعية لإنجاح الاخراج المسرحي رغم فتوة تجربتهم.
النقد في المسرح الأمازيغي
إن تطور الأدب في جميع الأحوال رهين بوجود النقد الأدبي، ذلك أن النقد يرصد مكامن القوة ويعرّي جوانب الضعف في العمل الأدبي ممّا يسمح بتجويده وتحسينه، إن النقد بهذا المعنى عملية مواكبة للإبداع.
عندما يتعلق الأمر بالأدب الأمازيغي عموما والمسرح بشكل خاص، لا تعدو محاولات النقد أن تكون مجرد إعلان الوجود والسعي إلى إبراز الذات، أي أن النقد بشكله التام لن يستقيم في غياب رصيد كمي يسمح بالدراسة النقدية والمقارنة، لسنا بهذا ننفي وجود نقد أدبي أمازيغي مطلقا، بل نقول أنه لا يزال في مراحله الأولى خصوصا أنه أصبح ضرورة ملحة بالنظر إلى ثلاثة عناصر أساسية أولها المأسسة التي فرضت التمحيص والنقد والتقييم حتى تستجيب الابداعات لشروط التعميم والنشر، زد على ذلك عنصر التجربة والانفتاح على التجارب العالمية حيث أن المبدعين الأمازيغ استفادوا من تجارب الآخرين شرقا وغربا فراكموا تجربة مهمة تستحق النقد والتقييم، أضف إلى ذلك عنصر التدوين ومحاولة الكتابة التي تخضع لقواعد متعارف عليها، ويبقى النقد شرطيا أدبيا يرصد الجوانب السليمة والسقيمة في التأليف الأدبي.
رغم أن النقد كان ولايزال يلعب دورا تعريفيا إشهاريا للمنتوج الأدبي والمسرحي بشكل خاص ولم يكن تقييميا نقديا بشكل مباشر، فقد مكّن هذا النقد الفتيّ، في المسرح الأمازيغي رغم عدم تبلوره بشكل جلي وفعال، من مراجعة بعض التصورات والرؤى السابقة التي كانت بمثابة مسلمات في المسرح الأمازيغي من قبيل انشغاله باللغة والتراث الأمازيغيين بشكل مبالغ فيه، وبفضل النقد تم استدراك الوضع وأعطي الجانب الجمالي والفني حقه في الممارسة المسرحية الأمازيغية، وتم إخراج المسرح الأمازيغي من دائرة الايديولوجي الصرف إلى إضفاء مسحة جمالية وفنية مكنت هذا المسرح من الانفلات من الوجدان والرومانسية التي تعتز بالذات في طابع تقريري.
إن النقد في المسرح الأمازيغي تقييم تبشيري تفاؤلي بالأساس يغيب النواقص والمشاكل التقنية في أجلّ مظاهر مقاومة التهميش، يحاول إبراز النزعة الانسانية والتركيز على الخصوصية محاولة منه للتخلص من وصاية منظومة الفكر العربي الاسلامي.
إذا كان الفعل الأمازيغي بشتى تشعّباته قد بدأ نضاليا وكذلك كان لمدة غير قصيرة، فإن مأسسة الأمازيغية –رغم العراقيل- وكذا الاحتكاك بالتجارب العالمية في المسرح فرضت بشكل أو بآخر أن يتم الانتقال الى مرحلة النقد والتقييم بشكل يجعله أدبا مستقلا، واقعيا، متجاوزا للشعور المأساوي بالدونية الثقافية والتهميش.
إن تطور المسرح الأمازيغي رهين بقوة القراءة النقدية له مما يفرض تكثيف الدورات التكوينية في مناهج وقضايا النقد الأدبي، وكذا التفكير في إنشاء دوريات تعرف بالإنتاجات المسرحية والنقد المسرحي، ثم تنظيم حلقات الفكر والنقاش قصد تمحيص الإنتاجات وأخيرا التشجيع والتحفيز على الإقبال على المسرج تأليفا ونقدا حتى يتم الارتقاء بالمسرح الأمازيغي إلى مستويات مشرفة.
خاتمة
إن تمكن الحركة المسرحية من أدوات وتصورات واضحة تحكم العملية الإبداعية كفرجة تحترم المتلقي وتعي ذاتها كنصوص تخضع لحبكة عقلانية أضحى ضرورة ملحة إن نحن أردنا الحديث عن مسرح أمازيغي قوي ومعاصر، فإذا كان المسرح بناء سينوغرافيا ولغة تقنية تسمح بتمرير الحمولة الفكرية وتبرز الخصوصيات، فإن حسن استعمال الرموز والإيحاءات التي تتجوز عائق اللغة من شأنه أن يقينا شرّ الإسقاط والحشو، لأن للغة مقاماتها الخاصة، في حين يظل المسرح بعيدا كل البعد عن الخطابة والاستعراض المجاني للبلاغة اللغوية.
إن الفن المسرحي أكبر من أن يفرض بالقوة، فهو يخدم التوجهات الكبرى بسلاسة توجيهية لكنها فنية وفي نفس الوقت يعتبر وسيلة غير مدرسية لكنها مثالية للمصالحة وجلب المتلقي لتعلم اللغة، بربط الوشائج مع مفرداتها بكيفية مستمرة خارج الإحساس بالفرض وهذا يتم بالرغبة التي تخلقها المتعة والتجاوب التلقائي مع الفرجة. وبناء عليه يتبين أنه لابد للعروض أن تترك هوامش الحرية للإنسان لأجل تحبيبه في الإقبال عليها وهذا لن يتم بدون وعي القائمين بها بمد الجسور معه بعيدا عن المنطوق كلغة .
ختاما، يظل الإبداع سلوكا إنسانيا يتجاوز الحدود الثقافية العوائق اللغوية، ويفترض أن ينهل من المرجعية الإنسانية من خلال توحيد الرموز والإيحاءات حتى تفهم بشكل كوني كأعراف يبنيها العقل البشري ويتداولها لأجل التوصل بعيدا عن اللغة الكلاسيكية المنطوقة، فالتعبير الصحيح بنظرة بانورامية جمالية تؤثث فضاءات المسرح الأمازيغي وتحقق التواصل مع الإنسان في أعلى المستويات .
[1]أحمد عصيد سياسة تدبير الشأن الامازيغي ص 16 منشورات ادكل 2009
[2]محمد حسن الوزاني حياة و جهاد ص 121 مؤسسة جواد للطباعة و التصوير1982
[3]أحمد عصيد سياسة تدبير الشأن الامازيغي ص 17و 18منشورات ادكل 2009
4- فؤاد أزروال الأدب الأمازيغي المعاصر بالمغرب مظاهره وقضاياه، منشورات المعهد الملكي، مطبعة النجاح الجديدة الرباط 2015
5- بلقاسم، الجطاري، عبد الرزاق والعمري، الأدب الأمازيغي في الريفمن الشفاهة الى الكتابة ومأزق الترجمة.مطبعة الشرق، وجدة، الطبعة الآولى 2008 ص 60
[6]محمد أفقير، الأدب الأمازيغي من الشفاهة إلى الكتابة على موقع www.diwanalarab.com
[4]فؤاد أزروال، الأدب الأمازيغي في المغرب: مظاهره وقضاياه، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2003 .
[5]بلقاسم، الجطاري وعبد الرزاق، العمري، الأدب الأمازيغي بالريف:من الشفاهية إلى الكتابة ومأزق الترجمة، مطبعة الشرق وجدة، الطبعة الأولى، 2008.
[7]مدخل لدراسة أشكال الأدب الأمازيغي بالريف، عبد الله شريق.ص 64
[8]فؤاد أزروال، حركة المسرح الأمازيغي بالمغرب
[9]فؤاد أزروال، حركة المسرح الأمازيغي بالمغرب
[10]نوال بن ايراهيم، المسرح الأمازيغي بين الكائن والممكن
[1]خالد بويشو،المسرح الأمازيغي ،ما بين الكائن والممكن، ندوة بتيزي وزو بالجزائر.
المراجع:
- المسرح الأمازيغي في الجذور و الممارسة
- الأدب الأمازيغي المعاصر بالمغرب مظاهره و قضاياه
- دراسات في الأدب الأمازيغي. أحمد عصيد
- صناعة الاخراج المسرحي العربي من التنظيم إلى التأسيس والتأصيل محمد حميدي
- الابداع الأمازيغي وإشكاليات النقد تنسيق ادريس أزضوض و أحمد المنادي
- مجلة آفاق:المسرح المغرب، تجارب أدبية
- جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات الزمن، العدد 25
- مجلة آفاق: ثقافة الصحراء
- عباس الجراري : الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه،مكتبة المعارف،الطبعة الثانية-الرباط،المغرب.
- عبد الكريم برشيد:شروط التمسرح الاحتفالي من الحاجة الفطرية إلى المؤسسة،مجلة المواقف،عدد 55-6،سنة رجب-شوال/مارس-يونيه/1408هـ-1988م،المغرب.
المصدر : https://tinghir.info/?p=39630