حرفا الواو و العين : الفصل 4
لاحظت ” تودة ” أن الشمس تميل للمغيب وقد وصلت زوجة أخيها للتو بحمل ثقيل ، قاسمت العشب معها و أعدت كل واحدة حملا متوازنا و انصرفت ، ساعد الشاب ” تودة ” لوضع الحمولة على ظهرها و سارا بخطى متساوية نحو بيتها وهو يسرد قصة الحياة.
وصلا الى باب المنزل وودعته بكوب لبن بارد أطفأ به عطشه وقد عاودت سؤال السلهام …
تظاهر الشاب بعدم سماع السؤال فانصرف، علم أن اللقاء لم ينته بعد، جولات متعددة وفي أماكن متفرقة …
دخلت ” تودة ” على عجل وقصدت منديل الخبز فقطعت كسرة وسكبت كوبا من اللبن لتسد رمقها قبل العشاء، هذه الوجبة السريعة ترجع الجميع الى الديار استعدادا لفسحة مساء شهر يوليوز ، التهمت الشابة خبزها بنهم و أخرجت مرأتها التي لا تفارق صدرها ابدا، رأت وجهها وقد غمرها الفرح راضية عن حروف جمالها البسيط ، خرجت مع زوجة أخيها الى المكان المعلوم ” إمي نغرم ” ، مكان تزوره كل الاعمار ، مكان يصعب تحديد دوره ، مكان تتفاعل فيه كل القوى السياسية و الثقافية و الاقتصادية و و و … يستغل ليل نهار ، تحسبه برلمانا ، لتجده مسرحا ، ثم بورصة للصفقات و الاعمال ، ثم مجلس شورى …
هذا المكان تبدأ فيه الحياة منذ الصباح، يصل اليه الشيوخ و الكهول، يبحثون عن الاخبار و يحللون الأوضاع، تزداد حرارته بعد العصر بحضور من يتولون أمور القبيلة ، يحضر الشباب للتدريب و التكوين ، هنا يفصل أمر الامام و المسجد، هنا تجدد القوانين و الالتزامات، يفصل في الامر بالتشاور و غربلة الآراء، يحترم الفقير و يسمع الى الشيخ الهرم، يحترم المسير لأنه حارس الحقول و مراقب السواقي و ممرات الراجلين و الدواب، إنه ” أمغار ” و “تموغرا ” لها قيمتها ووزنها بلا تعويض و لا مقابل ، أحكامه لا تناقش ، يصدر الغرامات فتؤدى بلا نقاش ، يحدث أن يمتنع المخالف عن أداء الغرامة فلا يناقشه المسؤول بل يلجأ الا ممثل عظم المخالف فيؤدي الغرامة بلا تسويف.
في هذا المكان ” إمي نغرم ” تقام ورشات الديمقراطية التشاركية بمعناها الحقيقي عكس ما زيفت مناورات السياسة وقوانين التشاور، يعبر الجميع بكل حرية ، تعطى الفرصة للجميع ، يحترم كل مسؤول لما يحمله من عبء القبيلة ، اقتنع الجميع بأن مصلحة القبيلة فوق كل اعتبار فساد التفاهم و التراضي، لا أنكر أن مرشح القبيلة قليلا ما يتدخل في هذه الاجتماعات فقد انتخب بنصف الأصوات زائد واحد أو ثلاثة، كلامه يثير التشويش ، يحضر لكي لا يعاب عليه الغياب و يلتزم الصمت ، يعمد الى تكليف من يمرر رسائله من المقربين اليه لكن سرعان ما تنكشف ويفضح أمرها، يستغل الفرص ليحدث الناس عن مشروع برمجته الجماعة وقد علم الناس أنه يأتي أو لا يأتي ، يدافع عنه البعض و ينتقده البعض الأخر ، يكاد ينسف اللقاء فيتدخل “أمغار” ليزيله من جدول الاعمال…
في هذا المكان ” إمي نغرم ” تقام ورشات الترافع والدفاع عن الحقوق، من هنا تصاغ الشكايات، و تحدد اللجن، فيه تجمع المساهمات، تحدد الأدوار و المسؤوليات ، من سيذهب لملاقاة القائد أو رئيس الدائرة او عامل الإقليم ، منهجية الترافع يتقنها أصحاب العمائم البيضاء وهم يمارسونها على ارض الواقع، يحددون المشكل بدقة ، يعرفون أنه المشكل وليس الأثر ، يعرفون أنه المشكل وليس السبب ، يناقشون الحلول الممكنة فيحفظها من يتولى التفاوض ليبرهن للجهة الأخرى أن الحل ممكن ، يمارسون الضغط بالعدد و الجماعات ، لا يملون ركوب الشاحنات و المشي على الأقدام ، يجتمعون على طبق الكسكس المغطى باللفت المحفور و كؤوس الشاي الحلوة فينتجون ما لا ينتجه علماء الفنادق الفخمة و سارقي حلويات البرلمان ،
تلتقي ” تودة ” بالشاب الوسيم ، يستمر النقاش ، لم يعد الى قصة السفر و فكرة الرجوع ، علم أن الرسالة قد وصلت ، فهمت الشابة أنه عازم وقد مارس كل الضغوط، إذ باغتها بالبرهان الثقيل ” لقد أعطيت السلهام ” ، صحيح أعطيت السلهام؟ نعم وقد قالها بكل فخر واعتزاز. و السلهام هذا لباس للرجال في فصل الشتاء ، يصعب نسجه و خياطته، وله قيمة من بين الممتلكات داخل الاسرة ، قد تفتخر المرأة بإنجازها كلما أتمت نسج السلهام، تستدعي من يساعدها في المراحل الأولى و في بعض مراحل العمل وتستغلها فرصة لتعلم النساء بعملها الجديد، غالبا يطلبنها للخروج الجماعي المعتاد لجمع الحطب و الكلأ فتعتذر بوجود ورش نسج بمنزلها، عندما ينتهي اللباس الصوفي الامازيغي العريق تقدمه الأم أو الأخت للشاب في الأسرة عربونا على اكتمال رجولته، قيمة السلهام جعلته يحتل مرتبة عالية في مراحل الزواج، فعند دخول فصيل الصيف و فترة التفكير في تنظيم الزواج الجماعي يلتقي الشباب غالبا بعد العشاء في تجمعات خاصة لمناقشة الموضوع ، يكون النقاش ساخنا و العزم صعبا وبعده يقدم كل شاب سلهامه ضمانا ورهنا لانخراطه في الحفل الجماعي فتجمع عند شخص أمين ومن تراجع عن الزواج يباع سلهامه و تصرف العائدات أيام الأعراس …
يتبع
المصدر : https://tinghir.info/?p=39618