انتفاضات في زمن الذلقراطية… الحراك بعيون المثقف
خالد حالمي
وضع الحراك الديمقراطي لسنة 2011 المثقف “العربي ” أمام وضع محرج و اختبار لا مجال له من دون تجربته، وكان لزاما عليه التعبير عن موقفه مع أو ضد. إلاَّ أن الحراك هو قول لا للبؤس الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي لدول الجنوب ما بعد الاستقلال. من هنا تتجلى إمكانية تصنيف مواقف المثقفين فإما مع الحراك أو ضده ، الأمر الذي يدفعنا إلى تحديد مواقف المثقف العربي من الحراك بين :
مثقف السلطة
معارضو الحراك ، وهم المثقفون الذين وقفوا إلى جانب الأنظمة ضد الشارع ومنهم كُتَّاب وصحفيون وشعراء و علماء و دعاة وهؤلاء هم من مثقفي السلطة و “علماء السلطان”، وأغلب هؤلاء مهمة التغيير عندهم تؤسس على منظور السلطة الحاكمة وما يخدم أهدافها السياسية، من خلال التسويق الثقافي لما تقوم به من مشاريع ، وقد كشفت زيفهم تحركات الشارع بشكل واضح، وهذهِ الفئة تؤسس مشروعها الثقافي على جلباب الحاكم، ومنه رأت أن الحراك الشعبي هو فتن و تمرد وعصيان اجتماعي فاقد للشرعية وخروج عن واجب الطاعة .
المثقف العضوي
مناصرو الشعوب ، وهم المثقفون الذين انخرطوا بصورة مباشرة في مسار تشكل تحرك الشارع، والمثقف من هؤلاء يمكن عدّه بالمثقف العضوي حسب تعبير غرامشي، الذي يسعى لنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية حسب تعبير محمد عابد الجابري ، وهو نوع من الإلتزام بقضايا الغلابة و بقضايا المجتمع والشأن العام و تقديم صورة الحراك الثقافي عبر انخراطه في الحراك الاجتماعي والمشاركة في النقاش السياسي والنزول إلى الميدان ، فضلًا عن مشاركتها الفعلية في الجمعيات التأسيسية لصياغة الدساتير
سنحاول أخذ نموذج لمثقف عضوي مغربي الموطن أممي الصيت قدم حياته عربون لمبادئ حملها في فكره و حقائبه انه المفكر المغربي و عالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة .
إلى حدود اليوم تكون قد مرت 5 سنوات و نصف على رحيل المنذر بآلام العالم . عالم المستقبليات المغربي الهوى المهدي المنجرة، العالِم الذي أدى ضريبة مواقفه و تشبته بالمبادئ منعا في وطنه أملا في تطويعه و ترويضه .
عُرف عنه انه استثناء جعل له مكانة محترمة في الأوساط الثقافية العالمية العلمية والفكرية، وقد بدأ نجمه في السطوع حينما تنبأ في السبعينات بصدام الحضارات النظرية التي سرقت منه براءة الوصول اليها فكريا فقط لأنه من دول الجنوب .
في كتابه المثير للجدل “انتفاضات في زمن الذلقراطية“، أكد المهدي المنجرة على أن الجهل و التخلف و الفقر او التفقير حسب تعبيره وغياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ستؤدي حتميا إلى انتفاضات الشعوب على وضع لم يعد مقبولًا، ولا يمكن أن يستمر ، محذرًا من أن تأخر الإنصات لصوت الشعوب و التمادي في عدم الاستجابة لمطالب الشباب سيجعل الثمن مرتفعا مستقبلًا.
وهو ما تحقق في العراق منذ 2003 ونعيشه اليوم واقعًا في مصر سوريا واليمن و ليبيا … نتيجة أخذ تنبؤات المنجرة محمل الجد ، رغم أن الأمر يتعلق بأهم رجل في الدراسات المستقبلية على المستوى العالمي.
لقد لمح المفكر المهدي المنجرة إلى اقتراب موعد ما بات يعرف إعلاميا بـ”الربيع العربي” – او الربيع الديمقراطي كما يفضل البعض تسميته او الحراك عند النخبة – . في أكثر من لقاء و محاضرة ، إلا أنه فصل في ذلك في كتاب عولمة العولمة في محور عنونه ب “المجتمعات العربية: اختلالات الراهن وسيناريوهات المستقبل”، واضعًا للزلزال الذي سيهز المرحلة و قد هزها واقعيا بعد 2011 ثلاثة احتمالات و سيناريوهات
- السيناريو الأول: سيناريو الإستمرارية
هذا السيناريو يتجلى استحالة التغيير في بقاء و استمرارية الوضع على ما هو عليه، ويحتاج إلى دعم المؤسسات المالية الدولية ، والجيوش الأجنبية التي تستوطن البلاد العربية، غير أن الاستقرار البيولوجي على حد تعبير المنجرة، يعني الموت وتعطيل الإبداع والخلق والابتكار، وهذا السيناريو الذي يسميه ”ستاتوسكو” غير ممكن في حياة الشعوب.
- السيناريو الثاني: الإصلاح من الداخل
سيناريو الإصلاح، الذي تأخر موعد مجيئ قطاره ، يمكن له أن النجاح بشكل ضئيل قد يصل في اقصى حدوده الى 30%؛ إلا أن ذلك يظل رهينًا بسرعة و ذكاء السلطة في التدخل لإقامة الإصلاحات اللازمة، والوعي بخطورة المرحلة و بالإكراهات التي تستوجب منها التدخل لمعالجة فورية وجذرية لمسائل مثل: الديمقراطية وشروط نجاحها و ركائزها الحقيقية ، والعمل على وضع دعائم مشاركة المجتمع المدني و تدابير اجتماعية و اقتصادية لخفض التوتر و اليأس .
غير أن هذا السيناريو، حسب الأستاذ المنجرة، كلما تأخر الإصلاح قلت فرص نجاحه بقوله في هذا الشأن “لا أظن أن الإصلاح ممكن بالطريقة الممنوحة، لأنه شبيه بعملية جراحية وكلما تأخرنا في إجرائها إلا وقلت فرص نجاحها،”
مضيفا “وإن كنت شخصيًا، أرى أن المشكلة التي تواجه هذا السيناريو تكمن في عدم وجود قوة سياسية في أي بلد عربي قادرة على تقديم برنامج تغيير عن طريق الإصلاح”.
- السيناريو الثالث: التغيير الجذري
يعني الحراك أو المواجهة أو التحولات الكبرى والعميقة، معترفًا أنه لا يتصور كيف سيتم هذا التحول او التغيير العميق وما هي درجة سرعته، ربما تتخذ منحى شبيهًا لثورة الملك والشعب حسب تعبيره.
مستقبل ما بعد ” الربيع العربي ومستقبل الصراع في فلسطين” : يحسم الدكتور المنجرۃ النقاش بقوله “.. نحن لن نهزم إسرائيل إلا بالتوحيد وتلاحم القيادة والشارع العربيين عبر مصداقية السلطة المخلصة لشعوبها وليس لمستعمريها، عبر المشاركة الشعبية والديمقراطية الفعالة، عبر انتخابات نزيهة واحترام القيم والحريات والتمسك بالهوية، عبر الاهتمام بالعنصر البشري والبحث العلمي وتشجيع الإبداع والخلق والاعتماد على الذات والكفاءات المحلية لكن للأسف هذه المؤشرات ما تزال ضعيفة ولم تكتمل ملامحها بالمجتمع العربي الحالي.”
المصدر : https://tinghir.info/?p=39189