وأخيرا، السيد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة يفرج عن منشوره الوزاري يوم 10 دجنبر 2019 تحت رقم 19/ 2019 !!! إنه المنشور الذي يدعو من خلاله وزراء حكومته إلى موافاته بالمخططات القطاعية مصحوبة بجدولة زمنية تأخذ بعين الاعتبار التواريخ واللآجال التي نصت عليها المادتان 31 و32 من القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامةذات الأولوية، فهل دقّت ساعة الحسم ولم يبق وقت للمناورة والاستغلال السياسيين؟؟؟
بداية، وقبل الخوض في مضمون منشور السيد رئيس الحكومة، لا ضير أن نشير إلى أن اختيار يوم العاشر من دجنبر ليس اختيارا اعتباطيا أو مجرد صدفة غير محسوبة كما قد يعتقد البعض، فهذا اليوم يوم استثنائي يخلد فيه العالم ذكرى الاعلان العالمي عن حقوق الإنسان، حيث يؤرخ لمنعطف تاريخي حاسم في مجال حقوق الإنسان عبر العالم. إن اختيار هذا اليوم في تقديرنا محاولة من الحكومة لإظهار “حسن نيتها” و”جديتها” في الاستجابة للمطالب الحقوقية من جهة، ثم صرف النظر بهذه الخطوة المتأخرة – في تقديرنا- عن جملة من الملاحظات والتنبيهات المفترض أن يكون اليوم الأممي مناسبة لطرحها من لدن المؤسسات الحقوقية الدولية من جهة ثانية.
إن السيد رئيس الحكومة يريد، بكل دهاء سياسي، أن يجعل الإفراج عن منشوره الذي يهم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حدثا استثنائيا في يوم تاريخي، خاصة أن القضية الأمازيغية طالما أحرجت الدولة المغربية مع المؤسسات الحقوقية الدولية. ومهما يكن، فالعبرة بالخواتم وتظل كل الحسابات والشعارات جوفاء تحسب على أصحابها ما لم تفعل وتنزل في الواقع.
إن المتتبع للشأن الأمازيغي يدرك بشكل جلي أن الإفراج عن هذا المنشور جاء متأخرا جدا، فإذا كانت المحكمة الدستورية قد أقرت بدستورية القانون التنظيمي وتم نشر ذات القانون في الجريدة الرسمية للمملكة المغربية منذ شهر شتنبر الفارط، فما الذي أخّر إصدار منشور السيد العثماني إلى أن انقضى نصف الآجال القانونية؟؟؟ أليس هذا هدرا للزمن التنفيذي للمقتضيات الدستورية وتشجيعا على العجلة المتهورة والقاتلة في تدبير القضايا الكبرى للوطن؟؟
لسنا هنا لنحاكم النوايا بقدر ما نحاول قراءة المعطيات بشكل موضوعي، فإعداد المخططات القطاعية مصحوبة بجدولة زمنية تأخذ بعين الاعتبار التواريخ واللآجال التي نصت عليها المادتان 31 و32 من القانون التنظيمي في ظرف ثلاثة أشهر أقرب إلى المستحيل، وستكون لو تمّت، مخططات جوفاء ومتسرعة تفتقد إلى الرصانة والجدية مما يحتم الزلات والعلات.
إن إعداد تصور وخطاطة عمل ناجعة حقيقة لإنجاح هذا الورش الكبير يقتضي وجوبا الانفتاح على ذوي الخبرة والتجربة في مجال اللغة الأمازيغية، فإلى جانب المؤسسة الرسمية في شخص “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، لا مناص من إشراك الأكاديميين المتخصصين في اللغة الأمازيغية والفاعلين الجمعويبن، الذين راكموا تجربة عقود من التعاطي مع اللغة الأمازيغية دراسة وتدريسا، في وضع هذا التصور. إن المرحلة مفصلية بكل المقاييس، ويتعين أن يتعبأ الجميع بنفس وفهم جديدين للوضع، فالمجال لم يعد يسمح بالنقاشات البيزنطية التي تتراوح بين الإقصاء والتجاهل من جهة، والمزايدات والتعصب من جهة أخرى.
لقد نجحت الحركة الأمازيغية في تحقيق دسترة وترسيم الأمازيغية، وهو إنجاز تاريخي يجب أن تشكر عليه هذه الحركة من جانب الدولة ومن جانب كل الديمقراطيين، لقد فتح هذا الإنجاز صفحة جديدة في علاقة الدولة مع اللغة الأمازيغية من خلال الانتقال من مرحلة الإقصاء والحظر إلى مرحلة الإعتراف والتفعيل، وهو أمر مركب يستدعي مقاربة تشاركية حقيقية ومسؤولة تتجاوز الصراعات السياسية والتدافعات الأيديولوجية، وذلك تمكينا لمغرب التعدد والتنوع والتعايش، وإنصافا لتضحيات كبيرة أقدم عليها مناضلون أفذاذ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
المصدر : https://tinghir.info/?p=39177