د خالد ناصر الدين
أزف للباحثين المهتمين بالتراث الثقافي والعلمي لواحة تودغى صدور كتاب جديد بعنوان: “نيل الأمل فيما مضى للشرفاء من دول” لصاحبه المهدي الناصري، تقديم وتحقيق: د خالد ناصر الدين، والكتاب عبارة عن أرجوزة تقع في مائتي بيت شعري تناول الناظم من خلالها تاريخ الدولة العلوية بَدْءًا من حدث دخول المولى الحسن الداخل إلى المغرب، ومرورا بالمولى علي الشريف وذكر أولاده، ثم عمد إلى استحضار الملوك الذين تعاقبوا على الحكم انطلاقا من المولى مَحمد بن الشريف مؤسس الدولة العلوية، ووصولا إلى المولى يوسف الذي نعته ب”أمير الزمان وكبراء الإسلام الأعيان”، وكان هاجس الناصري في ذلك هو تخليد الأحداث التاريخية الهامة التي وسمت هذه الدولة منذ بدء أمرها وصولا إلى المرحلة التاريخية المعاصرة، ولم يكن ذلك بدعا فقد اشتهر المغاربة بحرصهم الشديد على تخليد أحداث تاريخهم بكل جزئياته ودقائقه.
وقد صدر الباحث تقديمه وتحقيقه لهذه الأرجوزة بمقدمة جاء فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على أفضل من نطق بالضاد، سيد الكونين والثقلين والفريقين، سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في إطار السعي الدؤوب لإنقاذ ما تبقى من التراث العلمي الذي خلفه المشمول برحمة الله تعالى جدنا محمد المهدي الناصري وإحيائه، تمكنا – بتوفيق وتأييد من الله عز وجل – من تحقيق كتاب “نعت الغطريس”، وقد وجد طريقه إلى رفوف المكتبات العمومية سنة 1437ه/2016م بعدما تحملت “دار الأمان” جزى الله القائمين عليها خير الجزاء مسؤولية طبعه ونشره، وعلى الدرب نفسه يشرفنا أن نقدم للقراء الأعزاء أرجوزة:”نيل الأمل فيما مضى للشرفاء من دول” مُحَقَّقَةً تَحْقِيقًا عِلْمِيًّا أرجو أن يكون مُوَفَّقًا، وهي أرجوزة تتناول تاريخ الدولة العلوية الحاكمة في المغرب الأقصى بَدْءًا من الحسن الداخل الذي قَدِمَ من الْمَشْرِقِ العربي واستقر بتافيلالت، وصولا إلى معاصر الناظم المولى يوسف بن الحسن.
إن أهمية هذه الأرجوزة تكمن في كونها بوتقة تنصهر في كيانها أبعاد متعددة ومختلفة:
– إنها تكشف عن جانب مهم جدا من جوانب التكوين العلمي المميز لشخصية المهدي الناصري، وهو الجانب التاريخي الذي يتكامل مع باقي العلوم انسجاما مع الثقافة الموسوعية التي شكلت علامة مميزة للعلماء المغاربة خريجي جامعة القرويين .
– إن تؤكد ما عرف عن المغاربة من اهتمام بالغ بعلم التاريخ وبالتراجم، بل تفوقهم المتمثل في قدرتهم على استحضار دقائق الأحداث وجزئياتها.
– إنها تكشف عن براعة الناصري وتمكنه العلمي، المتمثل في قدرته على تطويع الفاعلية الشعرية للإحاطة بالأحداث التاريخية.
– إنها تؤكد اهتمام الناصري بالتاريخ الوطني الذي لا يتنافى واهتمامه بالتاريخ المحلي كما يجسد ذلك كتابه “نعت الغطريس”، وكذا رحلته الشعرية المنظومة على بحر الطويل والمعنونة: “الرحلة الزاهرة في أخبار درعة العامرة”(1).
– إنها تؤكد ولوع المغاربة بفن الأرجوزة، وهو ما يتضح أكثر من خلال استقراء حضورها في الثقافة المغربية منذ العصر الموحدي، ولعل النمط المتعلق بالموضوعات العلمية المتنوعة الذي يعرف بالمنظومات التعليمية هو الأكثر شيوعا بحكم وظائفها العلمية/التعلمية، وهو ما يفسر الإقبال الكبير الذي حظيت به في مختلف الأوساط العلمية لدرجة أن مختلف العلوم المؤثثة للثقافة المغربية تم نظمها في أراجيز (العلوم الدينية، العلوم التجريبية، العلوم اللسانية…)
– إن ثقافة البادية المغربية شكلت امتدادا للثقافة التي أثلتها ورسختها جامعة القرويين بكل ما ميزها من أصالة وموسوعية وعمق وقوة وتشبت بالعقيدة الإسلامية وتمثل للهوية المغربية… ولا غرابة في ذلك فإن جامعة القرويين كانت بمثابة العين المتدفقة التي كانت تسقي كافة الحقول المنتشرة على امتداد الوطن بمياهها العذبة الرقراقة، وهكذا لم يكن بدعًا ولا مستغربًا أن يقبل الناصري على فن الأرجوزة لنظم الأحداث التاريخية الخاصة بتاريخ الدولة العلوية، أو لجمع أسماء شيوخ العلم الذين تتلمذ على أيديهم بكل من تودغة وفاس(1)، كما لم يكن غريبا أن يقبل على شرح أراجيز علمية نظمها علماء آخرون، كما يتضح من خلال شرحه منظومة تتعلق بأحكام النساء بعنوان: “إسعاف الطلبة ومنبع البركة على الأرجوزة الهبطية)(2).
وقد صدرنا هذا التحقيق بتقديم جامع تناولنا من خلاله جملة من المواضيع على شكل مباحث:
– الفصل الأول: الإطار الفني لأرجوزة: “نيل الأمل فيما مضى للشرفاء من دول”
– المبحث الأول: الشعر والنظم: حدود العلاقة
– المبحث الثاني: الرجز والشعر: أية علاقة ؟
– المبحث الثالث: المنظومات التعليمية وأنواعها
– المبحث الرابع: المغاربة والأراجيز
– المبحث الخامس: الأرجوزة والتاريخ خلال العصر العلوي
– الفصل الثاني: التعريف بالأرجوزة وبصاحبها
– المبحث الأول: قراءة في مضامين أرجوزة: “نيل الأمل فيما مضى للشرفاء من دول”
– المبحث الثاني: التعريف بصاحب الأرجوزة المهدي بن العباس الناصري
– المبحث الثالث: في منهجية تحقيق الأرجوزة
1 – وصف المخطوطتين
2 – الطريقة المتبعة في التحقيق
في خاتمة هذه المقدمة لا ندعي أننا قد وفينا هذه الأرجوزة حقها كاملا، وإنما هو جهد المقل المعترف بعجزه وتقصيره، لذلك نرجو أن ينظر إليها القارئ الكريم بعين الرحمة واليقين والرضى، وأن يلتمس لنا أعذارا في ما اعترى عملنا من تقصير مرده أساسا إلى ضغوط العمل غير المشجعة على البحث العلمي الرصين، ثم إلى العزلة الثقافية التي نعيشها في هذه الربوع البعيدة عن أجواء وفضاءات العلم والثقافة.
المصدر : https://tinghir.info/?p=37363