من جَميل الصّدف أن ننعمَ في جهة درْعة تافيلالت بوابل من الأضْرحة والزوايا والمزارات الرّسمية والمشبُوهة كذلك، ثم معها كثير من المَساجد التي تحظى بقدسية فارقة عند أهل الجنُوب منذ القديم؛ تلكم القدسية العمْياء المُتوارثة جيلا بعد جيل حتّى صِرْنا أمام طقوسٍ دينية تعبّدية جَوْفاء تتهيأ للرّائي صَوابا وهي في العُمق حزمَة نفاقٍ مع سبْق اصْرار وترصّد.
الدينُ منهجُ حياة وأسْلوب عيش مُتوازن سَليم ، ولا يُمكن أن يؤدي بأهله إلاّ إلى الصّلاح والنهضة المنشُودة ، وإذا اسْتمر الضّنك بالعباد وهم بالدين مُتمسّكون كما في جنوبنا مثلا، فاعلم أن فيهم علّة عليلة ونقيصَة مذمُومة، توقف عجلة نمائهم وتزجّ بهم في ظلمات عيش فيه يعمَهُون. إنّ ما نقوم به من أفعال دينية وعَادات عبادة كثيرا ما تحتاج إلى إعادة نظر وفحْصٍ وانتقاء، فقد لا نبْعد كثيرا في البحْث عن قبيل ذلك في المَساجد الجنوبية الشرقية، فنجد ظواهر غريبة عند مُدّعي الإشبَاع الديني كالتّسابق إلى أماكن مخصُوصة داخل المسْجد أو هدم حُدود الوقار بين الشّارع وفضاء المسْجد، أو الدفع بالأطراف توسّعا نحو المُصلين أثناء قيام الصّلاة، ثم إن بعضهم ما ينفك يمْسك باللحى والربت عليها بشكل مُستفيض حدّ التقزز، واهما أنها هي الاسْلام وحده ودونها غيّ وظلال.(فلسفة المظاهر الدينية).
في مَساجد الجنُوب الشرقي قد تجد “قصْعة” كسْكس جَنبا إلى جنب مع السّجود داخل مِحراب الصّلاة، وقد تُصادفك يدٌ تمتد إليك بلا استئذان لترش عليك عِطرا تقليديا تعيدك رائحته إلى عهْد الحبشة ويثرب وأيام العبيد وعرقهم، أو تُسابقك يدٌ أخرى لتسلّم عليك لمْسًا وهي للتو قد انتهت من مسْح الأنوف وشفط زلالها… تصرّفات تنبي في دلالتها الثانوية على الفطرة المعطوبة الثكلى بالعقد والتطبع؛ فطرة كبّلتنا عقودا من الزمن ونخشى أن تزيد وتمتد في المستقبل.
إن المُتدبر لكل الذي قلناه من نقائص في الفعل التعبّدي الديني للإنسان الجنوبي وغيرها كثير ، سيجد أن من أسباب ضمُور نهضتنا الاجتماعية الدنيوية سُوء تقديرنا لتلك الأفعال، بل وتغليب السّلبي المُتوارث فيها عن المُستحدث الايجابي، الذي يَسْتدرك هفوات السّلف وسقطات التّبَع . ثم إن فهم الآخر الذي يُراقبنا ونتقاسم معه فضاءات كثيرة، غالبا ما يُمعن في الابتعاد أكثر كلما فطِن إلى أننا لا نُمثل دين الإسْلام تصَرّفا بالقدر الذي ندّعيه شفاهة. وقد تصيرُ هذه الدلالات الثانوية المُستقاة محلّ شك جديد في صياغة أسئلة جديدة حول الدين وكيفيته والجدوى منه عند الفرْد المُعاصر، أو غيرها من التساؤلات المشبُوهة – في نظر السّلفيين – التي قد تنيرُ الطريق أمام فهم جديد للفعل التعبّدي بعيدا عن التقليد الداعِشي المَعيب.
عمُوما، لا يمكن شقّ عصَا التعوّد والاعتياد في الفعل الديني الإنجازي للإنسان الجنوبي بشكل فُجائي، ولا أن نُثيبه آنيا على ما يبذله من نشر جَهل وسَفاهةٍ دينية، لكن نستطيع بإرادة واثقة أن نكسّر صمْت الأفعال المَسْكوكة الجاهِلة التي تورّثها الثقافة المُجتمعية المُحافظة/المُنافقة للأجيال الصّاعدة؛ هذه الأجيال التي يظهر سيميائيا أنها لا تتديَّن إلا لتبتعد أمْيالا كثيرة عن الدّين الصّحيح والفطرة السّليمة.
…………..
المصدر : https://tinghir.info/?p=37084