قراءة في مخرجات اللقاء الذي نظمته تنسيقية تنغير للإنصاف المجالي

admin
2019-06-30T12:07:44+01:00
اقلام حرة
admin30 يونيو 2019
قراءة في مخرجات اللقاء الذي نظمته تنسيقية تنغير للإنصاف المجالي
عبد الحكيم الصديقي

أهم شيء يمكن أن نستفيده ونحن نقرأ كتاب “اعترافات جون جاك روسو” هو الصدق مع النفس، والصراحة، والوضوح، وعدم المداراة، وعدم نفاق الناس، تعلمنا اعترافاته كيف يكون ظاهر الإنسان كباطنه، تعلمنا أن نحكم على الآخر من خلال مواقفه لا من خلال أفعاله الشخصية، ولذلك قال: “على الإنسان ألا يحكم على غيره من خلال أفعاله، بل يحكم عليه من خلال مواقفه”. وقد يكون لهذا مصداق خصوصا في الحكم على المواقف السياسية والمتبنيات الأيديولوجية.

في وقت سابق كنت أؤمن بفكرة الإصلاح من داخل المؤسسات، ومن لوازم هذه الفكرة ضرورة المشاركة الإيجابية في الحياة السياسية سواء في الأحزاب أو عبر التصويت في الانتخابات، فقررت الانخراط في العمل السياسي الحزبي، وكان ذلك عقب ثورات ما عرف بالربيع العربي، وصعود نجم الإسلاميين في سماء السياسة بعد انهيار الثقة في الاتجاهات الأخرى شيوعية وقومية وليبرالية وعلمانية… وغيرها، كانت أول تجربة لي هي محاولة الانضمام إلى حزب العدالة والتنمية لاعتبارات كثيرة أهمها استحضار البعد الديني، إلا أن الكاتب الإقليمي السيد علي الموساوي آنذاك رفض قبول طلب الانخراط، وهو ما أخبرني به أحد أعضاء الكتابة الإقليمية للحزب آنذاك، ولا أعلم أسباب الرفض إلى حدود الساعة، والحمد لله أنه رفض وإلا كنت اليوم مشاركا في هذه الجريمة التي يقودها الحزب وحلفاؤه في حق الشعب المغربي، وفي حق الدين والتدين.

بعد مجموعة من التحولات الفكرية – أو إن شئت فقل التذبذبات الفكرية – انخرطت في حزب الديمقراطيين الجدد الذي يرأسه الدكتور محمد ظريف، وتقلدت مسؤولية المنسق الإقليمي للحزب بإقليم تنغير، كان انخراطي في هذا الحزب لأسباب أهمها أنه حزب حديث الولادة، صفحته بيضاء لم تتلطخ بعد بمفسدات السياسة ونوازعها التي تراكمها التجربة ويسجلها التاريخ، أيضا مما أثار إعجابي به رفعه لشعار “ربط السياسة بالمعرفة“، وقد رأيت في هذا الشعار البراق جاذبية لأنه سيستقطب أطر وكفاءات أبناء الشعب، ولأن الحزب يعتمد آلية التكوين المستمر لأعضاء هياكله ومنخرطيه، وهذه الاستراتيجية كنت أظن أنها قد تساهم في تغيير ما كان سائدا عندنا في المنطقة – وما يزال _ من أمية يتلبس بها من يتقلد المسؤوليات الحزبية وكذلك من يقوم على تدبير الشأن المحلي سواء في المجالس الجماعية أو الإقليمية أو الجهوية أو البرلمانات أو غيرها من مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني، وأقصد هنا الأمية السياسية وليس من لا يحسن القراءة والكتابة، ويحضرني في هذا السياق كلام لعبد الله العروي في كتابه؛ “من ديوان السياسة” حين قال: “ترتفع الأمية لا بإتقان الكتابة والقراءة ولا بحفظ مقولات عن الكون والإنسان والماضي، بل عندما يستقل المرء بذاته ويرى فيها المادة التي يشيد بها الكيان السياسي”.

فالمتحكم في دواليب السياسة في منطقة تنغير هي النعرات القبلية، والإثنية، والتباينات الأيديولوجية، والمصالح الفئوية شخصية أو حزبية أو قبَلية، بمعنى أن مفهوم المصلحة العامة هو الحاضر الغائب في المعترك السياسي بالمنطقة، وقد كتبت مقالا في هذا الموضوع عنونته بعنوان “الواقع السياسي بتنغير” يمكن للقارئ الرجوع إليه، المهم قدر الله بعد ذلك أن أعلن انسحابي الكلي من السياسة وما يأتي منها بعد أن اتسع اطلاعي وفتحت بصيرتي على المنطلقات والأسس الفلسفية التي بنيت عليها المنظومة السياسية في المغرب، واقتناعي المطلق باستحالة التغيير من داخل الأحزاب والمؤسسات، فتبنيت خيار المقاطعة، ومن خلاله أرى أن المشاركة في الانتخابات مجرد تحصيل حاصل، لماذا؟ لأنها تعيد إنتاج نفس التجارب الفاشلة، وتفرز مؤسسات لا تمارس صلاحيات حقيقية ولا تتمتع بسلطات كافية، فواقع التجربة يؤكد أن المغرب ما فتئ ينزل إلى الحضيض في كل المجالات وعلى جميع المستويات، منذ استقلاله الصوري إلى اليوم، يشهد على ذلك التاريخ السياسي المغربي، والخطب الكثيرة للملك محمد السادس، وكذلك تقارير وتحقيقات وإحصائيات وأرقام منظمات دولية لها مصداقية كبيرة على المستوى الدولي (انظر مثلا: تقارير البنك الدولي، والمنظمة الدولية للتنمية، ومنظمة ترانسبارنسي الدولية). وهذا يؤكد مصداقية المقاطعة وأنها الخيار الأصح والأمثل من أجل مغرب شعبه. فلا معنى لأن تغير قنفذا بقنفذ آخر. إذ ليس في النافذ أملس.

ويحدث أن تتجدد مجموعة من الإخفاقات والتطاحنات السياسية التي تزيد من تأكيد جدوائية المقاطعة، وأنها الخيار الأصوب والأصح من بين كل الخيارات المتاحة في الساحة السياسية المغربية، ومنها أننا نلاحظ اليوم أن ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب لازال متعثرا، ويعاني من مشاكل و عراقيل، بسبب ضعف الموارد المالية من جهة والصراعات القائمة بين مختلف الفرقاء السياسيين والأعداء الأيديولوجيين من كل الجهات، مع التصريح بفشل النموذج التنموي المرتبط بهذا التقسيم الجهوي الجديد، والذي تم الإعلان عنه من طرف أعلى سلطة بالبلاد سنة 2017 بمناسبة عيد العرش، وهو الخطاب الذي قال فيه الملك: “…إن اختياراتنا التنموية تبقى عموما صائبة. إلا أن المشكل يكمن في العقليات التي لم تتغير، وفي القدرة على التنفيذ والإبداع…فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. وعندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه….وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل. وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟“. ويضيف الملك: “… ولم يخطر لي على البال، أن يصل الصراع الحزبي، وتصفية الحسابات السياسوية، إلى حد الإضرار بمصالح المواطنين. فتدبير الشأن العام، ينبغي أن يظل بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية، وعن الخطابات الشعبوية، وعن استعمال بعض المصطلحات الغريبة، التي تسيء للعمل السياسي. إلا أننا لاحظنا تفضيل أغلب الفاعلين، لمنطق الربح والخسارة، للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع. إن تراجع الأحزاب السياسية وممثليها، عن القيام بدورها، عن قصد وسبق إصرار أحيانا، وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى قد زاد من تأزيم الأوضاع….”.

يذكرني خطاب الملك بقول أستاذ القانون الفرنسي والمحامي “موريس دوفيرجيه” حين قال : “لهذا تجدني مستغربا ممن يقدم الأماني ويتهافت دون كلل من أجل أريكة داخل قبة البرلمان تمنح له السمعة والأبهة، وتَسْلِبُه إرادة الإصلاح والتغيير”. فالسياسة بهذا المنطق خرجت من “فن الممكن في الواقع” إلى “فن توظيف النوازع النفسانية” بتعبير العروي، أي من النظرة المثالية التي أسس منطلقاتها كل من سبينوزا وجون لوك وجون جاك روسو إلى النظرة المادية التي يعبر عنها كل من مكيافيللي وهوبس ومونتيسكيو، إن ما صرح به الملك هنا يختصر علينا الطريق عندما نحتاج إلى جوابٍ عن سؤال لماذا اخترنا المقاطعة، ويمكن أن أضيف إليه أن خيار المقاطعة يتعدى الموقف من الأحزاب وطبيعة تدبيرها للشأن العام إلى الموقف من طبيعة النظام القائم، الذي يتحكم براغماتيا في مجريات السياسة. وبمنطق مكيافيللي واضح.

يأتي في هذا السياق الذي يعزز ثقتنا بخيار المقاطعة، اللقاء الذي نظمته تنسيقية تنغير من أجل الإنصاف المجالي مساء يوم الخميس الماضي 27/06/2017 بفندق تماسينت بمدينة تنغير، والذي تمحور حول سؤال “أي نموذج تنموي جهوي جديد نريد؟”، بحضور رئيس الجهة إلى جانب شخصيات أخرى كل حسب يافطته الحزبية وانتمائه الأيديولوجي وموقعه السياسي، لم يتفق لي حضور اللقاء بسبب مرض ألم بي فاكتفيت بتتبع مجرياته عبر النقل المباشر على اللايف، وبعض الفيديوهات المنتشرة هنا وهناك.

إن ما وقع في هذا اللقاء سواء على مستوى مداخلات الضيوف أو أعضاء التنسيقية أو تفاعلات الحضور يكشف حجم المزايدات السياسية التي كانت وراء إخراج سيناريو هذا اللقاء، والاستغلال الفاحش له من أجل تمرير بروباغاندا سياسية مؤدلجة على حساب أخرى، فلا السؤال أجيب عنه ولا اللقاء استنفذ أغراضه بتحديد الإكراهات أو تقديم حلول ناجعة، ولا الحملة الانتخابية الإقصائية السابقة لأوانها تكللت بالنجاح، فخرج اللقاء بخفي حنين، تاركا وراءه صراعات ومفرقعات تدور حول من كان وراء استغلال النساء لتأثيث الكراسي وترويج الإشاعات بينهن.. وانتقل النقاش بقدرة قادر من إرادة الإصلاح إلى إرادة الإقصاء والإلغاء، ومن أي نموذج تنموي جديد نريد؟، إلى أي حزب سياسي نريد في الانتخابات المقبلة؟.

إن كان من شيء نرصد غيابه في هذا اللقاء فهو نتائج تنمية الإنسان، أي ذلك الإنسان المبدع المبتكر المفكر، الذي له من القدرات المعرفية والذاتية ما يستطيع من خلاله تحديد مكامن الخلل مع تقديم حلول أنجع لتجاوز أزمة البلوكاج التنموي بالجهة، أما تلك المزايدات والتطاحنات فليست بريئة، فإن دلت على شيء فعلى ضعف الرؤية وقصر النظر، وسوء التقدير بين كل الأطراف المتكالبة على كسب أسواقها الجديدة، على حساب المصلحة العامة، وعلى حساب انتظارات المواطن البسيط، ومن هنا تظهر جدوائية خيار المقاطعة أما هذه المهازل، وضد هذه البهلوانات التي ترقص على خشبة مسرح السياسة، محاولة جلب أكبر عدد من المتفرجين على حساب القيم الأخلاقية ومصالح الوطن والمواطنين.

abdelhakim22 - تنغير أنفو :: الخبر اليقين بين يديك

عبد الحكيم الصديقي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.