نظم أمس الأربعاء 6 مارس 2019 بقاعة فلسطين بالرشيدية الملتقى الجهوي للتشغيل والتكوين والذي يندرج في إطار التحضيرات الجارية لعقد المناظرة الوطنية حول التشغيل التي دعى جلالة الملك حفظه الله الحكومة لتنظيمها بهدف بلورة جواب جماعي وطني مسؤول لخفض معدلات البطالة وتعزيز فرص إدماج الشباب في عالم الشغل وتطوير منظومة التكوين المنتج للتشغيل.
اللقاء الذي ترأسته كاتبة الدولة في التجارة الخارجية السيدة رقية الدرهم، حضره السيد الوالي والسيد رئيس الجهة ورؤساء الجماعات الترابية بالجهة ورؤساء المصالح اللاممركزة حيث تم تقديم عرض من طرف مدير المركز الجهوي للاستثمار تضمن خلاصة عمل مجموعة من الورشات الإقليمية التي انكبت على تشخيص واقع التشغيل والتكوين بالجهة وحددت تحدياته الرئيسية.
وفي كلمته بمناسبة هذا الملتقى ركز رئيس الجهة على ثلاث محاور تضم تدابير مهيكلة لتحقيق عدالة جهوية في مجال التشغيل والتكوين ومندرجة في أفق تطوير النموذج التنموي الوطني، داعيا الحكومة إلى إدراجها ضمن الأرضيات التي ستقدم في المناظرة الوطنية المقبلة بحول الله. وقد جاءت هذه المحاور مفصلة كما يلي :
١- محور الاصلاحات المهيكلة لبنية التشغيل والتكوين.
تجد هذه الاصلاحات المطلوبة مرتكزها في فلسفة الجهوية المتقدمة باعتبارها إصلاحا مهيكلا لمنطق اشتغال الدولة يرمي إلى تحقيق عدالة مجالية بجعل القرار التنموي قرار محليا ينطلق من خصوصيات وحاجات كل جهة ويستهدف تحسين ظروف عيش ساكنتها باستثمار أمثل لثرواتها وتوفير فرص الشغل لقواها العاملة. ولبلوغ هذه الغاية شدد رئيس المجلس على ضرورة اتخاذ الحكومة للتدابير الآتية :
1- اعتماد سياسة عمومية تحقق التوطين العادل للاستثمارات بجهات المملكة بناء على طبيعة الثروات التي تميز كل جهة.
إن هذه السياسة العمومية تقتضي اعتماد سياسة ضريبية جهوية عادلة ومنصفة، ومنظومة تحفيزية جذابة وملائمة في مجال العقار، ستجعل جهة درعة تافيلالت ، على سبيل المثال، جهة الأحواض الصناعية ومؤسسات التكوين المرتبطة بالطاقة الشمسية والريحية، والثروات المعدنية، وتثمين المنتوجات الفلاحية الواحية والنباتات العطرية، وتطوير الصناعة السينمائية، والسياحة الثقافية الطبيعية بأبعادها الجبلية والواحية والصحراوية، وتثمين الذكاء البشري المميز للجهة من خلال إحداث جامعة ومعاهد متخصصة وتشجيع البحث والابتكار العلمي، في ارتباط وثيق بثروات الجهة.
2 – إقرار سياسة جبائية عادلة تمكن الجماعات الترابية من الاستفادة من ثرواتها لمواجهة مطالب الساكنة وتحديات التشغيل .
يتعلق الأمر هنا بمراجعة عميقة لمنظومة الجبايات المحلية في اتجاه إقرار عدالة جبائية تمكن ساكنة الجماعات الترابية من الاستفادة من الثروات الكامنة في ترابها. ولعل أبرز مثال يليق بجهة درعة تافيلالت الغنية بالثروات المعدنية هو الحاجة المستعجلة إلى إصلاح يمكن من استخلاص الرسوم على القيمة التجارية la valeur marchande للكميات المستخرجة من المعادن، بدل استخلاصها على أساس الحجم المستخرج le volume extrait مع مراعاة توزيع منتوج هذه الرسوم على الجهة والجماعة المحلية بشكل مناسب. ( مثال : هذا الإصلاح الجبائي سيمكن الجماعات التي يحتوي ترابها على منجم الذهب أو الفضة أو النحاس أو البارتين…من مداخيل مالية معتبرة تنقلها من حالة الضعف المالي إلى حالة الاكتفاء وتحقيق الملاءة المالية لمواجهة تحديات التنمية والتشغيل بترابها الغني. القرار الجبائي الحالي لمجلس الجهة الذي يقضي باستخلاص الرسوم على الحجم المستخرج على أساس 3 دراهم عن معدن الذهب والفضة و2 دراهم عن النحاس و 1 درهم عن البارتين barytine ، لا يمكن مجلس الجهة من تجاوز سقف 5 مليون درهم سنويا من مداخيل هذه الرسوم، علما بأن الجهة تنتج سنويا قيمة تجارية لثلاثة معادن فقط وفي إطار النشاط المنجمي التقليدي ( الرصاص والزنك والبارتين) تتجاوز 400 مليون درهم؛ وما لا يقل عن نصف طن من الذهب الخالص و220 طن من الفضة و26000 طن من النحاس وغيرها من المعادن. إن احتساب نسبة 2% فقط من القيمة التجارية لهذه الكميات الخالصة من المعادن وتحويلها للجماعات الترابية المعنية سيمكنها حتما من قدرات مالية حقيقية لمواجهة تحديات التنمية والتشغيل وسيوفر القبول الاجتماعي للمقاولات المستثمرة l’acceptabilité sociale ويضمن لها تحقيق الأرباح في مناخ من الاستقرار والسلم المجتمعي.
ولتحقيق توازن تضامني بين الجهات لابد للحكومة من اتخاذ تدابير تمكن من تحديد سقف أعلى للاستفادة من عائدات هذه الرسوم يسمح بتحويل حصة معتبرة من الفائض لمجالس الجهات لمواجهة تحديات التنمية الجهوية وتحقيق التضامن بين جماعاتها الترابية، وكذلك للميزانية العامة للدولة كما هو الشأن بالنسبة لثروة الفوسفاط.
3 – تحويل الجماعات الترابية إلى مؤسسات قادرة ماليا على إنعاش تشغيل الساكنة المحلية والمساهمة في تكوين الشباب.
يقتضي هذا التحول تجاوز مفهوم الجماعة التي تكتفي بالبحث عن ” تقديم خدمات القرب” إلى مفهوم جديد يرفع تحدي التشغيل في تراب الجماعة باعتبارها ” جماعة ترابية منشطة لسوق الشغل في إطار الاختصاص المتعلق بتقديم خدمات القرب”. هذا التحول يقتضي ما يلي :
– مراجعة الاعتمادات المخصصة لميزانية الجماعات الترابية لتمكينها من القدرات المالية المناسبة لرفع تحدي التشغيل وإحداث سطر مالي في تبويب ميزانية جميع الجماعات الترابية يتعلق ب ” اعتمادات خاصة بدعم التشغيل والتكوين في تراب الجماعة “.
– تخصيص اعتمادات مالية وفق معايير عادلة في هذا السطر لا تقل عن مبلغ جزافي يحدد في 5 مليون درهم سنويا لكل جماعة قروية (قد يصل إلى 10 مليون درهم بمراعاة المعامل الديمغرافي ومساحة الجماعة ) و 20 مليون درهم لكل جماعة حضرية (ولا يقل عن 80 مليون درهم في المدن ذات نظام المقاطعات ) و مبلغ لا يقل عن 50 مليون درهم للمجالس الإقليمية، و100 مليون درهم في مجالس الجهات.
– تمويل هذه القدرات المالية من تفكيك مجموعة من الصناديق والحسابات المركزية وتحويلها إلى ميزانيات الجماعات الترابية عبر آلية جهوية وإقليمية مؤسساتية تحكيمية لتمويل المشاريع المحدثة لفرص الشغل توضع تحت رئاسة الولاة وعمال الأقاليم.
– مواكبة الحكومة للجماعات الترابية في إحداث شركات التنمية المحلية والجهوية وتفعيل هذا المقتضى القانوني النائم في القوانين التنظيمية بما يضفي على سلوك الجماعات الترابية بعدا مقاولاتيا في ارتباط وثيق باختصاصاتها وحاجات مجتمعاتها المحلية.
المصدر : https://tinghir.info/?p=36222