من الأخير،الفوضى الأخلاقية والفوضى الخلاقة،تفاقم الهجرة القسرية وبالأشكال الجماعية والاستعراضية،استشراء الرشوة والوساطة في مختلف الإدارات والمؤسسات واستعصاء المعضلة على المحاربة،تفشي المخدرات في أوساط الشباب وإدمانهم لها رغم كل المآسي التي تسببها لهم ولذويهم متاهاتها،مغرب السرعتين وفشل النموذج التنموي الوطني الذي يعود خراجه على بعض الفئات والجهات دون غيرها..،و ما يسمى بالبرامج الاجتماعية أقل من الحاجة وتفتقد إلى موارد كافية وقارة،ناهيك عن ضعف رصيدها الاجتماعي وموجبها الخدماتي وما يصرح به الناس مما يحدث فيها من التلاعب من حيث الاستحقاق؟،معضلات وطنية لا يخطىء المرء إذا قال أن سببها العميق والحقيقي هو اضطراب القيم التي أصبحنا نعيش بها في مختلف التجمعات والهيئات و في مختلف المجالات وعلى مختلف المستويات،خاصة تلك المرتبطة منها بالمشترك المعيشي والحكامة التدبيرية للشأن العام؟؟.
ومن الأخير،قد يكون من الطبيعي أن أي أمة قد يأتي عليها حين من الدهر تصاب فيه بالفتور والوهن والتراجع الحضاري بدرجة أو بأخرى،ويكون من الطبيعي أيضا أن كل أمة في هذا الوضع المتراجع والمتراخي والذي تكون فيه مغلوبة على أمرها عاجزة عن حل مشاكلها وتجاوز أزماتها،فإنها تسعى إلى النهوض واستئناف دورتها الحضارية والإنتاجية مهما كان وضعها مخلا أو ما لم يكن قاتلا بشكل نهائي،الحضارات المنقرضة مثلا،ومقابلها الحضارات الناهضة لا تجد لها سلاحا فعالا لذلك غير الكامن فيها من قيمها الحضارية الخالدة و قوالبها الإنتاجية المعطاءة،ترى والأمة اليوم تكاد تنكون عالة على غيرها من الأمم في كل شيء في السياسات والصناعات والمنتوجات والتقنيات والمساعدات..،ما هي القيم البانية التي تحتاجها لإيقاظ همم بنيها وإطلاق مكنونات وممكناتها كما يقال؟؟.
من الأخير،لإيقاظ شعوبنا وإطلاق مكنوناتنا وممكناتنا قبل سواعدنا و ماكيناتنا،نحتاج إلى استنهاض قيمنا الإيجابية البانية والحضارية الإنسانية،وعلى أكثر من صعيد ومستوى ومن ذلك:
- على مستوى الفرد:
وهو العنصر الأساسي في كل تغيير ونهضة،لذا لابد أن يكون صالحا ومصلحا،له من الغيرة الوطنية ما يمنحه حصانة ضد التخلف والفساد،حتى يكون مشبعا بقيم الإيجابية البناءة والمفعومة بما يلزم من تنمية الإرادات والقدرات والمهارات التي ستحقق له ما يلزم من الحاجيات والكفايات؟؟.
- على مستوى الأسرة:
وهي المحضن الطبيعي والأساسي للتربية على قيم الاستقامة والعطاء،وهي النواة الأساسية للمجتمع، مدرسة ومعمل ومعبد ومحكمة كما يقال،وكلما كانت أجواؤها دافئة وهواؤها نقي وأفرادها متآلفين متعاونين متضامنين،تمتعت هي والمجتمع بمواطنين قادرين ومتأهبين للانخراط في مشروع التنمية الأسرية والنهضة المجتمعية عن جدارة واستحقاق؟؟.
- على مستوى المجتمع:
وهو الذي ينبغي أن تشيع فيه قيم العلم والمعرفة والعمل التضامني والتعاوني ونفي السلبية والتبعية والفردانية ومجرد الانتظارية والاستهلاكية بدل المبادرة والإنتاجية والجماعية،ولا يتأتى له ذلك إلا بقيم تقوية الإرادات وتثمين القدرات وإطلاق الممكنات وقيم تحقيق الذات والكفاية الجماعية في ظل الحرية والكرامة والعدل والإنصاف؟؟.
- على مستوى الدولة:
دولة الحق والقانون،دولة الأمن والاستقرار،دولة الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية،دولة الحريات والمبادرات والاستثمارات وفي الإنسان قبل العمران،لا دولة العوز والفقر والتبعية والريع والهيمنة والطغيان والولاءات بدل الكفاءات؟؟.
- على مستوى العالم:
ولأنه لا يمكن أن تبني نموذجك على أنقاض العالم أو في معزل عنه فما بالك إذا قاومك وحاربك،لذا ينبغي أن يكون هذا العالم تسود فيه قيم التعاون على حفظ الأمن والسلام،أو على الأصح نكون بوسعنا مع الساعين بحق إلى ذلك،عالم التعايش والانفتاح والتعاون على تبادل الخبرات وتقاسم الخيرات بين الشعوب والأمم،لا عالم الهيمنة والاستحواذ والعولمة المتوحشة ومحاربة الخصوصيات وازدراء الأديان ومخالفة فضائلها،والاتجار الدائم والمخزي في استدامة الكوارث والأزمات لتدمير البيئة والإنسان؟؟.
ومن الأخير،مثل هذا النموذج التنموي المبني على قيم العدل والإنصاف والاستثمار في المشترك الإنساني ،بعيدا ..وبعيدا…وبعيدا…،لا يروق العديدين ممن يصطادون في الماء العكر وضد الفطرة الإنسانية والمطامح الكونية المشروعة والعادلة والفضلى،وبالتالي لا يدخرون جهدا في عرقلته وتحطيم كل ينابيع الخير وفسائل الصلاح،أو على الأقل إفراغها من الجدوى في أحسن الأحوال،فإذا نادت البشرية إلى قيم العفة والستر والحياء والأسرة الشرعية،نادوا هم إلى قيم الفسق والفجور والشذوذ والمشاعة والبهائمية،وإذا نادت البشرية إلى قيم الحوار والتعايش والحرية والعدالة والأمن والسلام نادوا هم إلى قيم الحرب والجبر والقهر والاستبداد والاستعباد،أو على الأقل خصصوها وجعلوها دولة بين الأغنياء والأغبياء منهم،وكالوا فيها بكل المكاييل،ما أنزل الله بها من سلطان؟؟.
و هكذا من الأول ومن الأخير،فلا ضير عند كذا قوم و قوم من أن تدوم أزمة الشعوب الإسلامية والعربية في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وليبيا واليمن السعيد الشهيد المجيد…،ما دامت هذه الأوضاع رغم كارثيتها تحمي لهم جرثومة الكيان الصهيوني اللقيط في الشرق الأوسط؟؟،وتتيح لهم دون غيرهم الاستفراد بوسائل القوة والإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين والهيمنة عليهم في العالم،وتتيح لهم الإنفاق الجنوني و الربح الجنوني من تجارة المخدرات والجنس والأسلحة والمميع من الفن والمخدر من الرياضة أكثر من غيرها،وإن كانت من مكانة وحجم مآسي الفقر القيمي والمرض الأخلاقي والمجاعة الغذائية والضحل العلمي والعوز التقني والبطالة و التهجير القسري ونهم الاستهلاك وذل المساعدات وأغلال القروض والمديونية،وغير ذلك مما يغلق في يأس قاتل أفق التغيير والتنمية والإصلاح والتداول السلمي على السلطة في دول العالم الثالث،ويغلق بغير حق باب المشاركة في الثروة الوطنية إنتاجا واستفادة بين أفراد الشعب الواحد بل بين الشعوب والأمم في سياساتها وديبلوماسياتها،فهل سيملك نموذجنا التنموي الجديد من القيم ما يمكنه أن يتجاوز به السقوط والتطبيع مع كل هذه الاختلالات والمطبات للعولمة المتوحشة،هل سيملك ما سيمكنه من أن يجعل هذه القيم سائدة في المجتمع تؤتي أكلها الطيب بإذن ربها وتمسك شعبها..نرجو ذلك؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=35853