النموذج التنموي و سؤال تأهيل الإنسان

admin
2018-12-05T13:39:16+01:00
اقلام حرة
admin5 ديسمبر 2018
النموذج التنموي و سؤال تأهيل الإنسان
الحبيب عكي

لماذا فشل نموذجنا التنموي إن وجد أصلا؟،ما مدى مسؤولية الإنسان على ذلك؟،هل يمكن بناء نموذج تنموي بدون الإنسان مسؤولا كان أو مسؤولا عنه؟،كيف يمكن تأهيل هذا الإنسان،وفيما،وبما؟،ومن المسؤول عن ذلك؟،ما هي النماذج الإنسانية المؤهلة لتحقيق النمو والتنمية والنهوض والإصلاح؟،ما حظ نماذجنا البشرية من ذلك؟،هل يكفي التأهيل البشري لتحقيق التنمية أو ماذا يلزم التأهيل وماذا بعده؟؟.وهل الإشكال التنموي فقط في الإنسان المؤهل أم منظومة و ظروف العمل؟،وما حدود وجدوى المشاريع والميزانيات؟،الاستثمارات والمساعدات والتفويضات؟،وما دور الآليات والتقنيات في الموضوع؟،إلى غير ذلك من الأسئلة الحارقة والتي لا يمكن بناء نموذج تنموي جديد دون امتلاك أجوبة واضحة وراهنية بشأنها تكون أرضية صلبة لكل المنطلقات والمخططات والضامنة لتحقيق المقاصد والغايـات؟؟.

لاشك أن أي نموذج تنموي يرتبط ارتباطا عضويا في فشله أو نجاحه بالإنسان،وعلى عدة مستويات منها،مكانة هذا الإنسان في هذا النموذج التنموي،وعلاقته بخراجه التنموي،ومؤهلاته الفكرية والمهاراتية لتحقيقه على أرض الواقع،لاستمراره وتطويره والتغلب على تحدياته وكسب رهاناته،لضمان التعميم العادل للاستفادة الجماعية من خراجه؟؟.وإن مما أفشل نموذجنا التنموي المعاصر أنه لم يكن متزنا ولا متوازنا بقدر ما انحاز إلى الاهتمام بالعمران على حساب الإنسان،على أهمية العمران في حياة الإنسان؟،كما أن مما شوهه وأفقد الثقة فيه اعتماده بالأساس على الآلة وأرباب المعامل على حساب العمال،ناهيك عن كون هذه المعامل في جزء كبير منها عائلية لا تعرف في تسييرها غير قانون القرابة والموالاة الأسرية؟،ثم ناهيك أيضا عن كون ما عرف مما سمي بالنموذج التنموي،لم يكن من صيحات التنمية المجالية ولا البيئية ولا المستدامة؟؟.
لماذا لا يمكن لأي زعيم سياسي أو اقتصادي في العالم ولو كان من أمثال”هتلر”و”موسوليني”أن يحقق التنمية في دول العالم الثالث؟،لماذا فشلت كل النماذج السياسية والاقتصادية في غالبية هذه الدول،ولم يعد منها الشيوعيون والاشتراكيون والرأسماليون والاستعماريون بغير خفي حنين مؤثث باستشراء الفساد المتفاقم والانقلابات والاغتيالات العسكرية المزمنة؟؟،ومن جهة أخرى،لماذا نجحت العديد من الدول والشعوب من النهوض في اليابان وكوريا والصين وماليزيا وسانغفورة ورواندا..؟،ولماذا فشل اليساريون العرب والعلمانيون والإسلاميون على حد سواء في تحرير وتنمية شعوبهم المقهورة؟؟،إن النموذج التنموي لا يستنسخ،والشعوب البانية لحضارتها لا تستنسخ،والقادة وثقافات ومسارح البناء أيضا لا تكترى ولا تستنسخ،فهل من قطيعة جريئة مع مرجعيات وعقليات وأدوات الاستنساخ المجاني في عهد الاستنساخ؟؟
طيلة نصف قرن من محاولات التنمية والنهوض في بلداننا العربية،كان ورائها رجال سياسة واقتصاد ومهندسو القطاع العام ومقاولو القطاع الخاص،وتربويون وخبراء..،وسواء كانوا مجتهدين مبدعين أو مجرد مستأجرين مقلدين،وسواء كانوا مسؤولين فعليين مخططين أو مجرد رجال سلطة منفذين راغبين ومكرهين،وسواء كانوا زعماء مناضلين وعلماء عاملين أو مجرد مبيضي وجوه الأنظمة المستبدة ومشرعني وجودها القمعي والاستبدادي،فقد باءت تجربتهم رسميا و واقعيا ودوليا بالفشل ولم تنهض ببلدانها ولا حققت العدل بين فئاتها الاجتماعية وجهاتها الجغرافية،رغم كل المجهودات الجبارة والمصاريف الباهضة التي صرفتها من أجل ذلك،ترى هل يمكن أن يأتي الصلاح والإصلاح من هذه النماذج البشرية المسؤولة عن كل هذا الريع والفساد،هل ما ذاقته الشعوب من بؤس كل هذه العقود الماضية لازال يبقي أمامها في التنمية باب الأمل في العقود القادمة،أم لابد من أجيال جديدة تكون ذات مرجعيات ومؤهـلات وعقليات جديدة؟؟.
أولا،نميز في الإنسان رجالا ونساء كبارا وصغارا وكلهم معنيون من منطلقات النوع والمساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص،نميز بين نموذجين،أولهما المواطن العادي،والذي غالبا ما يستفيد من برامج ومخططات التنمية ولكن يمكنه أن يساهم فيها بل يجب عليه ذلك،ويمكنه ذلك إذا ما تم تأهيله أيضا،ولا يتم هذا التأهيل دون تغيير العقليات والسلوكيات والتشجيع على المبادرات والمساهمات كل من موقعه وحسب إمكانه،لابد من محاربة عقلية التطبيع المجتمعي مع التخلف ومظاهره،بل لابد من محاربة الحساسية ضد كل من يسعى لمحاربته واستعداء الناس عليه،وفسح المجال للشيطان ليكمن في التفاصيل،لابد من محاربة عقلية الانتظار الجماعية لكل شيء من الآخرين حتى في أخص خواص المرء والجماعة،ولابد أيضا من القدر الكافي والمجدي من ثقافة الديمقراطية والمواطنة والتضامن و حقوق الإنسان والسلوك المدني والحفاظ على الملك العمومي..؟؟.ولتقع مسؤولية ذلك على من تقع فلا يستغني في تحقيقه عن أوسع حوامل التنمية ومداخلها التربوية والتعليمية والفنية والرياضية والثقافية بمعناها البناء والواسع؟؟.
وثانيا،هناك الإنسان التنموي المسؤول ولابد لتأهيله من ثقافة النمو والتنمية والإنتاج والاستهلاك والتوزيع العادل للثروة،ثقافة المجتمع والدولة والأمن الجيوستراتيجي واستقرار الشعوب بفعل المواطنة القوية و تحقيق الكفاية في الفلاحة والصناعة والتجارة..،ثقافة الإحساس بالتخلف وامتلاك خطط فعالة لتجاوزه بالإبداع والاختراع،ثقافة إدارة الأزمات والمعارك وقيادتها بتشارك وشراسة وتنافسية ونجاح،الكافي وفوق الكافي من الشفافية في عقد الشراكات وتفويت الصفقات،ومن حق الوصول إلى المعلومة والعلم والمعرفة وثقافة المشروع والمهارات السلوكية والتقنية لتدبيره،التشبع بثقافة القدوات التنموية العالمية الرائدة والبحث العلمي والاجتماعي،والأشياء البسيطة والنموذجية والنتائج المعيارية والجودة،وهذا مع الأسف لا يتوفر في العديد ممن يزجون بأنفسهم في مواقع التنمية في المجالس الجماعية والمجالس التشريعية وغيرها من المؤسسات والإدارات،فهل من جامعات شعبية تأهيلية في الموضوع؟؟.
وأخيرا،قد يقول قائل إن جل من يقودون تنميتنا في مناصبها العليا ودواليبها الحساسة والحاسمة من خريجي المعاهد والكليات،لكن أريني شواهدهم في السماء أصمت وأريني نتائجهم على الأرض أتعجب؟،ولأن الإنسان مهما كان يظل إنسانا،قبضة من طين قد تطليه في مواقف ضعفه وتجذبه أسفل سافلين إلى أصلها في الأرض،فلابد من حكامة جيدة تعينه على الشيطان،ومن ربط المسؤولية بالمحاسبة تعينه على الشفافية والموضوعية،والديدن الفاصل في كل شيء هو العمل ليس بالمشروع فحسب بل بتحقيق النتائج وبمؤشرات واضحة تفي بدفاتر التحملات و بحل الوضعيات والإشكالات،والعقد شريعة المتعاقدين؟؟.ولا يمكن أن تصح هذه الحكامة والمحاسبة في غياب امتلاك حرية المبادرة الفعلية دون تدخلات ولا تعليمات ولا وساطات..،وطبعا في إطار واضح من المرجعيات الدستورية والمقاصد التنموية والإجراءات القانونية والمنظومات التنموية الوطنية وظروف وفرق العمل وهي الأهم،والتي تجعل من:” أمر الإنسان هو كل شيء وعليه يبنى كل شيء”،فتأهيل الإنسان يخلق الآلة ويحسن تسييرها ويغطي عن عجزها،والآلة لا يمكنها إلا أن تكون تحت تصرف الإنسان إن بناء أو هدما،فمتى يكون شعارنا نحو التقدم والازدهار:”تنمية الإنسان أولا..تنمية الإنسان دائما”؟؟.

المصدرالحبيب عكي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.