تماشياً مع مقتضيات ” الوثيقة الدستورية الجديدة ” ، ومضامين ” مشروع الجهوية المتقدمة ” ، بعد زخم من الخطابات الملكية السامية بالمناسبات والأعياد الوطنية والرسمية ذات الصلة بشأن التقسيم الجهوي الجديد ، وتقليص عدد الجهات من 16 إلى 12 جهة ، وفقاً لمعايير اعتمدتها اللجنة الاستشارية المختصة في إعداد مشروع الجهات بالمغرب ، بعد تدارس دقيق و مشاورات واسعة حول الموضوع … ، أمر تؤكده وتزكيه الأحزاب السياسية ومختلف الجهات الرسمية الوصية دون الوقوف على المعطيات الأساسية اللازمة للمشروع ، والتفحص الحقيقي من أجل بناء وإقلاع استراتيجي تنموي يخدم الإنسان والمجال ، كمعادلة يستوجب فيها استحضار أبعاد أنثروبولوجية ؛ تاريخية ؛ لغوية ؛ مجالية ؛ اقتصادية وأخرى تستجيب للهوية السوسيو- ثقافية للجهات والأقاليم ، وتتلاءم مع الخريطة اللغوية للمغرب ، دون إغفال للجانب الاقتصادي والثروات الطبيعية والبشرية كركيزة في تحديد وتقسيم وتهيئ المجال ، وفقاً لمنطق التوازن بين الجهات ، لا بصيغة الريع الجهوي والاحتكارية الاقتصادية ، واغتناء أقاليم وجهات على حساب أخرى ، كما هو الشأن مند سيطرة ” نخبة مستحوذة ” على الاقتصاد الوطني والقرار السياسي إلى حين اللحظة . فبعد التغيير الشبه – جوهري الذي طرأ على المشروع في الآونة الأخيرة ، فتحت حروب إعلامية ونقاشات عمومية وسياسية بين المعارضين من فاعلين مدنيين وحقوقيين وسياسيين ، والمؤسسات المعنية حول التغيير المفاجئ ، الطارئ على الخريطة الوطنية ، بما فيها الجهات الجنوب – الشرقية ، ودرعة – تافيلالت تحديداً .
تعتبر هده الجهة بناءً على دراسات تاريخية ، من أعرق الجهات التاريخية ، ببطولات ومعارك رجالاتها ، ومقاومتها الشرسة أمام المستعمر والمخزن ، فكون مناطق الجنوب الشرقي المغربي واحية ( درا ؛ امكون ؛ دادس ؛ تودغى ؛ افركلا ؛ غريس ؛ زيز… ) ، معطى طبيعي وجغرافي ساهم في خلق دينامية تجارية عبر القوافل الصحراوية التي تعبر هده المناطق ، مروراً بسلاسل جبال الأطلس الصغير ، نحو الكبير والمتوسط ، كما أضحت واحات تافيلالت ودرعة دوماً ، وعلى مر العصور النقطة المحور للمبادلات التجارية و التاريخ السياسي للمغرب مند القدم ، وعبر قبائل صنهاجة ، التي مهدت لثورات ومعارك بطولية ، بصمت التاريخ والذاكرة الجماعية للمنطقة بكل من ملحمتي” بادو ” و ” بوكافر” … ، في ظل التاريخ المعاصر والحديث . كلها معطيات من بين أخرى عديدة ، تعزز مدى تلاحم وانسجام القبائل وساكنة هده المناطق فيما بينها في إطار وقالب عرفي يدعى بالأمازيغية ” تضا ” ، التي تعني الوحدة والتكتل . فإلى جانب السند التاريخي والتجاري والسياسي ، تحضر أبعاد أخرى مهمة ترتبط بالمجال الترابي والإداري والقانوني والأمني ، في إطار مفهوم التوجيه والتدبير و المأسسة . الهاجس الذي ظل عقيماً عالقاً ، أمام الاختلاف في مناقشة مشاريع القوانين التنظيمية وصيغ تنزيلها وتفعيلها بين مختلف الفاعلين والمهتمين والشركاء ، من وزارات ، أحزاب سياسية ، مجتمع مدني …
فعموماً يمكن القول بأن مشروع ” الجهوية المتقدمة / الموسعة ” ، كورش وطني كبير ، وبداخله جهتنا – درعة تافيلالت – المرتقبة ، يتطلب فتح نقاشات أكاديمية واسعة ، وتأملات كبيرة وجادة ، بين كل طاقات الجهة ، من منتخبين ؛ أكاديميين ؛ رجال الاقتصاد والأعمال ؛ حقوقيين ؛ إعلاميين ؛… من أجل بلورة رؤية إستراتيجية شاملة ، من شأنها خلق تنمية مجالية حقيقية لهده المناطق ، من خلال الاستثمار الصائب للمورد البشري والطبيعي والمعدني والسياحي والتراثي … الهام بها ، أخدين بعين الاعتبار سؤال الخصوصية ، مع الحرص من السقوط في الصراعات السسياسوية والمصلحية الضيقة والمفتعلة ، والحروب الإقليمية بين أبناء نفس الطينة ، سائرين بدلك على نهج ما أسلف عنه الأمازيغ بقولهم :
– أور دا اكرّز أكال ن دادس خس ازكارن ن دادس
لا يحرث أرض دادس إلا ثيرانها ( أهلها ) .
رجب ماشيشي – تنغير أنفو
المصدر : https://tinghir.info/?p=35