كلما تاهت بفرنسا السبل، وضاقت عليها الأرض بما رحبت، حولت نيران سمومها وغيرتها نحو المغرب، وأطلقت العنان لصحافتها الرسمية لتجرب بما لديها من عبث كلامي في المغاربة ونظامهم وملكهم واقتصادهم.
وإذا كان العبث الفرنسي وصل مداه في الآونة الأخيرة، من خلال برنامج إذاعي يسمى “تواريخ العالم”، في راديو “فرانس انتير”، تحول إلى مقالة على موقعها مكتوبة بعناية واهتمام، منشورة بتاريخ 18 شتنبر 2018، تبحث في أنشطة الملك، وصحته، وتحركاته وسفره، وحياته الأسرية، ما بين السؤال والنقد والسخرية، فإن ما يثير التساؤل لدينا هو لماذا كل هذا الفضول، وهذا التطفل، وهذا التطاول، وقلة العفة على الشؤون المغربية، والحياة الخاصة للملك محمد السادس من طرف دولة مليئة بالمتناقضات، بل أصبحت ثقلا ملحوظا على دول أوروبا بمشاكلها وسوء أداء اقتصادها؟
فرنسا التي تُسخر أموال شعبها لمهاجمة المغرب عبر إعلامها الحكومي كقناة “فرانس 24″، ووكالة “فرنس بريس” و”راديو فرانس انتير”، لم تجد في حكام العالم غير ملك المغرب ولم تجد في شعوب العالم غير شعب المغرب، لتنشغل بهما، وتنيب في جزئياتهما، وتسخر أرذل أقلامها للنبش في تفاصيلهما اليومية.
أكثر من هذا فإن راديو “فرانس انتير” أرسل بعضا من زبانيته المتخصصين في الروبورتاج إلى داخل بلادنا ليقلقوا راحة المواطنين، عبر أسئلة تافهة عن الهجرة والفقر، بكل تسيب وفضول، وبدون طلب ترخيص لذلك من الجهات الحكومية المعنية، ظانا نفسه أنه في محمية فرنسية، قبل أن تتصدى لهم السلطات المحلية، مدافعة ومحافظة على سيادة المملكة، وتبعثهم كـ”طرد بريدي” (يعني كولية)، إلى بلادهم حيث يجب أن يحلو لهم التحقيق والتنقيب.
وفرنسا التي لا تكتفي باحتضان كل من سمى نفسه معارضا، أو جعل من نفسه مستهدفا في المغرب، أو تشاجر مع رئيسه بسبب خطإ مهني، أو أفرغ مكبوتاته الجنسية في الشارع العام، بل تعبئهم وتجيشهم عبر قنواتها التلفزية التافهة، وصحافتها الرديئة، ليصبوا جام غضبهم على المغرب والمغاربة، ويشبعونهم شتما واتهاما وإهانات، كي يحصلوا على الإقامة المؤقتة، أو اللجوء السياسي المؤقت، جزاء لهم على طول ألسنتهم المعفنة، أو على عدم تقليم أظافرهم المتسخة ليخبشوا بها وطنهم. وحين تواجههم الأقلام المغربية دفاعا عن الحقيقة، ينتفض القضاء الفرنسي ليبعث باستدعاءاته إلى البيت المغربي.
طيب، فلتقبل منا فرنسا أن نسألها بكل موضوعية وإنصاف وتجرد، لماذا لا تنتبه إلى ذاتها، ولماذا لا تنشغل بعلاج أمراضها الكثيرة، عوض أن تحشر أنفها في هموم الآخرين وخصوصياتهم؟ لماذا تختار فرنسا دولة المغرب من كل دول العالم، لتزرع فيها الداء وتنزع عنها الدواء؟ هل تعتبر فرنسا نفسها دولة استعمارية عل الدوام، وبالتالي تعتبر المغرب محمية لهلوساتها ومطامعها، غير عابئة باستقلال شعب بكامله؟ أليس من حق الإعلام المغربي أن يبحث في أسرار الرئيس إيمانويل ماكرون، وما يحكى عنه وعن زواجه في الكواليس العالمية، من مثلية وفشل جنسي؟
لماذا لم يحشر الإعلام المغربي أنفه في فضائح كل الرؤساء الفرنسيين، ويقلب صفحاتهم التافهة وما أكثرها، سواء تعلقت بالفضائح المالية، أو بالرشاوي، أو بالفضائح الجنسية؟ ولو تفرغنا لكل هذا لما وجدنا الوقت للاهتمام بقضايا العالم الكبير.
أما حين تهتم فرنسا الرسمية بحياة الملك محمد السادس الزوجية، وعطلاته، وصحته، وأبنائه فلأن رؤساءها السابقون أنسوها بممارساتهم الغريبة أن الحاكم إنسان من دم ولحم، يتعرض للوعكات الصحية مثل الآخرين، ويأخذ بدوره قسطا من الراحة كل ما تعب جسمه، ويضحك ويفرح ويغضب ويستجم مثل الآخرين. نعم أنسوهم رؤساءهم كل هذا، منذ أن فاجأ الموت الرئيس الفرنسي فليكس فور وهو ينتشي فوق جسد عشيقته سنة 1899 فخجل الفرنسيون وبكوا مشتكين من عار الحاكم، وكتبت الصحافة حينها أن الرئيس تعامل مع الحكم كمراهق.
وإذا ما حلقنا في سماء التاريخ الحديث، فالأكيد أن ذاكرة الفرنسيين لا يمكنها أن تنسى كيف لم ترحم كتابات الإيطاليين والبلجيكيين الرئيس فاليري جيسكار ديستان الذي كان مولعا بالمغامرات الجنسية، والرئيس فرانسوا ميتران الذي أنجبت له عشيقته ابنة لم يستطع أن يواري وجهه عنها، والرئيس نيكولا ساركوزي الذي كانت حكايات عشيقاته تتغلب على جدول أعمال مجلس الوزراء، حيث لا حديث للوزراء إلا عن تلك الغانية أو تلك المراهقة، وفرانسوا هولاند صاحب الخرجات الظريفة مع عشيقاته على متن دراجة نارية، وفضيحة المرشح للرئاسة دومينيك ستروس مع الفتاة السوداء في فندق أمريكي.
هذا فقط عن فضائح الجنس التي أزكمت النفوس، أما فضائح الرشاوى والصفقات الموبوءة، فحدث ولا حرج، من زمن رشاوى الماس بين الرئيس جيسكار ديستان والدكتاتور الإفريقي بوكاس إلى اعتقال نجل الرئيس فرانسو ميتران بسبب رشوة صفقات أسلحة مع عدة بلدان إفريقية، إلى سجن الرئيس ساركوزي بسبب صراعات التلهف على كرسي الرئاسة، إلى فضيحة تورط فرنسا في رشاوى كثيرة مع العقيد معمر القذافي، ومدى تورطها في تصفية الرئيس الكونغولي لوران كابيلا واللائحة تطول…ليبدو تاريخ فرنسا ملطخا بالفضائح والروائح الكريهة، ومع ذلك فهي لا تستحي، ولا تعرف أن من بيته من زجاج لا يجب أن يلقي الحجارة على بيوت الآخرين.
إن عطلة الملك، وصحة الملك، وأسرة الملك شأن مغربي-مغربي 100%، لا دخل فيه لفرنسا ولغير فرنسا.
رسالتكم وصلت، نتمنى أن تفهموا رسالة المغاربة!
المصدر : https://tinghir.info/?p=34913