مازالت الحشمة تجلل مكانة النساء الفيلاليات بالقصور العتيقة بالريصاني بإقليم الرشيدية ومازالت مكانة الرجال عظيمة في الهرم الاجتماعي الأسري رغم بعض التحولات تماشيا مع حداثة العصر ، ومازال اللباس القديم الغالي الثمن او البسيط منه سائدا حتى الآن حسب المكانة الاجتماعية، ومازالت اللغة الفيلالية العفوية مستمرة ولا تكاد تجد لها مثيلا في كل لغات الأرض.
اللباس التقليدي للفيلاليات يتطلب نوعا من الحلي التقليدي للتناسب ، والذي يصنع من الفضة سابقا والذهب حاليا والفيلاليات معروفات منذ القديم بشراء مجوهرات الذهب والفضة قبل أي شيء ،فمنذ ان تولد المولودة ،والأسرة تفكر في تزيينها بشتى أنواع الحلي استعدادا لتزويجها في وقت مبكر حتى لا تبور.
ومن الحلي التقليدي المعروف قديما بتافيلالت ومازال لحد الساعة رغم قلة استعماله هو الخلخال وهو نوع من الحلي الذي يوضع في الساق ،ويكون مدورا ومصنوعا من ” النقرة ” وهو ثقيل الوزن وكبير الحجم بشكل مدور به فتحة صغيرة تناسب القدم من الخلف، ومحنته كبيرة عند لبسه وغالبا ما يستعمل الصابون او الزيت او أشياء اخرى لزجة لتسهيل عملية إدخاله من القدم بنفس الطريقة التي تدخل بها الدمالج في اليد.
ونظرا لثقله فلا يلبس إلا في المناسبات ،ولا تكاد ترى امرأة تمشي به إلا في الناذر وغالبا ما يتم لبسه داخل البيت أبهة وزينة ومكانة ،وارتداؤه دليل على الراحة ، حيث يصعب القيام بأشغال البيت الواسع والكبير بالقصور ،وهو في أسفل الساق لذلك تلبسه ” لَعْكوزات ” لأن العروسات زيجات الرجال الأبناء تقمن بكل الأشغال المنزلية وتبقى الام “لعكوزة ” في راحة تامة بخلخالها الفضي تأمر وتنهى ولا واحدة من الزوجات تنبس بكلمة.
الخلخال حسب رغبة المرأة والطقوس الاجتماعية المنقولة عبر الثقافة ، فمن النساء من تضعه بالساق الأيمن، ومن تضعه في الأيسر، والشائع في الأيمن تيمنا بكل ما يأتي من اليمين وتطيرا بكل ما يأتي من اليسار ، حسب الطقوس الاعتقادية الموروثة من حضارات سالفة ،ويزداد الساق جمالا كلما ارتدته العروس في اليسرى على غير العادة.
خلخال الفيلاليات يجعلهن اكثر جلبا وانوثة واختلافا لإبراز جمال الساق والقدم ولفت الانتباه لأماكن زينة المرأة التي لا تظهر ،وكلما كان الساق ممتلئا كان المنظر أجمل وكلما كان عجيفا كان أسوأ ، والخلخال يحكي تقاليد حضارة عتيقة رمزية تزخر بخصوصية أسلوبية وإبداعية وفنية تعود بنا إلى عفوية الإحساس بجمالية الموجودات والأشياء التي تهذب الذوق وترتقي بالرؤية البصرية الإبداعية لإضاءة الأعماق ومداعبة الخيال ليزداد ارتعاشا بالإثارة.
خلخال الفيلاليات من المعادن النفيسة التي ظلت الأجيال تتوارثه بالقصور القديمة ويتنقل من ساق جيل لجيل ، بل توصي الأم ّأحيانا بدفنها به ، ولمكانته الجمالية نسج فيه الناظمون من الملحون في المغرب الكبير قصائد عديدة لعل أهمها قصيدة “خلخال عويشة” التي أنشدها المرحوم التولالي ورددها العاشقون ، فإذا ضاع الخلخال فقد تضيع مكانة صاحبته عويشة ،والذي فرط فيه حتى ضاع فهو غير حافظ للعهد والود، وأنه قد فرط في العشق وخان العشرة ،ولا يستحق ان يكون عاشقا لعويشة، فحفظ أشيائها هو إخلاص لكرامتها وصيانة ودفاع عن عشقهما.
خلخال الفيلاليات كان لبسه مقتصرا على نساء الشرفاء والعرب بتافيلالت وقلما ترتديه النساء الأمازيغيات من قبائل آيت خباش بالجنوب الشرقي بقصور مزكيدة ومرزوكة و عند الرحل وقد تلبسه بعض النساء الأمازيغيات تأثرا بالعرب والشرفاء ،لكن في القديم كان يعد من الجواهر العتيقة النفيسة للمرأة عموما في حضارات اخرى ، وفي العصر الحاضر أصبح الخلخال عبارة عن قطعة زينة صغيرة تبرز جمال القدم والساق وادخلت عليه تحسينات كبيرة في النقش والخفة أو تم استبداله ب ” سلسلة ” من الذهب تحمل مجوهرات نفسية لأداء نفس الوظيفة الجمالية.
الدعوة موجهة للطلاب الباحثين بجهة درعة تافلالت وإلى الاساتذة الجامعيين من أجل توجيه طلبتهم للنبش في التراث الفيلالي لإنجاز بحوث ميدانية لإحياء وإغناء الموروث الثقافي الفيلالي بالمنطقة وربط الأجيال بعضها البعض بواسطة الفن والحضارة.
المصدر : https://tinghir.info/?p=34700