اذا انطلقنا من هذه العِبارة البرّاقة التي تلوكُها وزارة التربية والتعليم وترددها طائفة من أهل الحلّ والعقد في قاعِدة هذه الوزارة، سنكتشِفُ أن لها مَعاني خفية وتجليات عجيبة، خاصّة عند جيل ظمأ من أهل التعليم الذين فهمُوها على غير وجهها الحقيقي فانخرطوا – مُجتهدين- في تفعيل مُقتضياتها عَبر أسَاليب مائِعة وهجينة لا تمتّ للفضاء المدرسي التربوي بصِلة.
الأنشطة المُوازية في الأندية التربوية مُنذ تحْيينها في المُذكرة رقم: 42/2001، تهدفُ بالأسَاس إلى خلق دينامية مُنتجة داخل الفضاء المدرسي، وتشجيع المتعلمين على الخلق والابتكار ومزيد من الانتاجية والتجويد، لكن سُوء فهم بعض المُديرين والمُدرسين لمَاهية هذه الأنشطة، جَعلهم يُقحمُون أنشطة دخيلة لم تنصّ عليها المُذكرات التنظيمية على الاطلاق إلى فضاء المُؤسسات، تحت ذرائع واهية من قبيل الفلكلور المَحلي والتراث والهُوية وغيرها، ففتح المَجال أمَام فنون الرّقص والاستعْراض لمَواهب الجَسد داخل حُرمة هذه المُؤسسات دُون حسيب أو رقيب.
المؤسّسات التعليمية فضَاءات تربوية مَعرفية تتّسِمُ بكثير مِن العقلانية والمَنطق وتحاولُ قدر الإمْكان أن تبعِد المُتعلم من الغريزة العَمْياء ذات الاطلاق والامتداد المَعيب. وهي بذلك لزامًا أن تحْتفي بالمَعرفة العلمية والأدبية والسُّلوكية بعيدا عن مُمارسَات أخرى لا نُعارضها بالمُطلق، لكن يجب أن تكُون في أماكنها الطبيعية كدُور الشّباب ونوادي الرّقص واللياقة مثلا.
إن عَجز بعْض المُدرسين والمؤسّسات عن اقحَام المُتعلم تربَويا في بوثقة المَعرفة والابدَاع الهَادف، جَعلهم ينسَاقون -عن جَهل وغيْره- مَع تيار التمْييع والرّقص وتجْميل المُتعلمات واسْتعراضِهن في مَحافل مُثخنة برائحة الجِنس والغريزة، وداخل أندية مشبُوهة، إلى قدر يَخال فيه المُتلقي نفسه أمَام أسْواق بيع سَبايا داعش بالرّقة ،أو إحدى مَعارض بيع الجَواري الحِسان زمن الجَاهلية الأولى، والعَجب العُجاب أن كل ذلك يؤشر عليه باسْم الأنشطة وتشجيع المَواهِب، وهي تروهات مقيتة أريد بها تغييب الفِكر والعَقلانية والبناء الصّحيح عند المُتعلم المَغربي.
وإذا فحصْنا المَسألة بمنظار تاريخي واقِعي، أمْكننا القولُ بسُهولة أن الرّقص الجِنسي وأشكال التعبير الجَسدي عند الأنثى مُنذ القديم كان لغرض التشهير بها ومن ثمة الزواج، فهي عَملية بإيحاءات جنسِية مَحْضة، غالبا مَا تقامُ داخل أنشِطة اجْتماعية احْتفالية كالأعْراس وطقوس الأعياد. فما جَدواها اليوم إذن؟ وفي رحاب المؤسّسات التعليمية بالذات؟ عِلما أن الرّوابط المُؤدية إلى الزواج اليوم لم تعد قاصِرة على سَبق الاصرار والترصُّد في كل ما قلناه سَابقا، وإنمَا هي قائمة الآن عبْر وسَائل التواصُل الاجتماعي المُختلفة وغيرها مما استجدَّت به الحَياة المُعاصِرة من تقنيات.
سنكُون واثقين جدّا – وبكثير من الشجّاعة – أن نقولَ اليوم أن فتح المَجال أمَام المتعلمين (خاصّة في الثانوي التأهيلي) للرّقض والمُجُون الجَسدي داخل الأندية التربوية، إنمَا يخدُم هدفا واحدا؛ هُو تلبية حاجات الكبْتِ الغَريزي عِند العَديد من أهل هَذا الحقل التربَوي المُعتل.
قد يزعُم قائل مِن الذين فيهم هذه الخِصِيصة العَجيبة، وهُم كثر، أننا نحْمِل فِكرا مُنغلقا رجعيا لا انفتاح فيه حِين لا نقبل مِنهم ذلك، لكن نُؤكد بإلحَاح أننا لا نرفضُه كأسْلُوب حَياة وفن هادفٍ وتنشيط رياضي لمَغالق البَدن، بشرْط أن يُحتضَن في أماكِنه بعيدا عن المؤسسات التعليمية المُوقرة، إذ لا يُعقل أن تكون مُربيا فتسمح للمُتعلم اليوم بالرّقص ومَيلان الخصْر وسَماع كلام الغزل الفاحش يمِينا وشِمالا، وغدا في المَكان نفسِه تأمرُه أمْرًا أن ينضبِط وأن يتحلّى بالسُّلوك المُهذب العَقلاني الرّزين، فهي ازدواجية مريضة لا نجد لها سَندا إلا في عقلية من يُدافع عن مثل هذا النّهج الأعْرج.
نخلصُ من خِلال هذه القِراءة التي ترومُ تصْحِيح وشجْب التّمثلات الخَاطئة في الأنشِطة المَدرسية المُوازية إلى تأكيد النقاط التالية:
– المُذكرات التنظيمية الخاصة بتنشِيط الحياة المدرسية لم تعْتبر الرقص وأحِدُوس وأشباههما مٍن الأنشِطة الترْبوية الهادفة (المذكرة أشارَت فقط إلى الفنون المسْرحية والتشكيلية والرّياضية وليْس إلى الشْطِيح والرّديح وكْلام الزّنقة)،
– نحنُ لا نرفُض هذه الطقُوس الاحتفالية الشعْبية بشكل عَام، لكن ننبّه إلى أن لهَا أماكِن مخصُوصة مضْبُوطة وليْس داخل الفضاءات التربوية،
– إدراك جيّدا أنّ مَصْلحة المُتعلّم لا تكمُن في الهَائه شعُوريا واتبَاع نزوَاته التي لا تنتهي، لكِن في ترشيده وتقويم سُلوكاته ومَنهج تفكيره وفق قواعِدَ عِلمية وأخلاقية مَضبُوطة، وهُو الهَدف الأسْمى مِن المَدرسة.
– التأكيد على أن مَنْ يشجّع المُتعلمين على مِثل هذه المُمارسَات المشبُوهة داخل الفَضاء المَدرسي، إنما يتغيَّا حَاجات في نفسِه، على الرّغم مِن أننا لا نعْلم كثيرا مِنها إلا أنّ الله يعلمُها، وقد جَعل أمَارة ذلك في مَا يتسِم به هَؤلاء من كبْت ومُيول نحو الشبُهات المَذمُومة.
– احتفالاتُ الرّقص والرّاي والأهازيج داخل الأندية التربَوية لا تُحقِق أي هَدف تربوي أو عِلمي على الاطلاق، بلْ على خِلاف ذلك تثيرُ في المتعلم حَميّة العِصيان الأخلاقي وتدفعهم نحو سُلوكات عُدوانية تُجاه الآخر،
– من خلال مُلاحظة مقطعية للعديد من هذه الأنشطة العجيبة داخل الأندية التربوية، يتضِحُ أنه لا يَمِيل مِن المُتعلمين إليها، إلا أولائك الذين يُعانون من تعثرات وفشل دِراسِي، وقلمَا نضفر بالنّجباء داخِل هذه الأنشطة، وقياسَا عليه فلا يزكِيها مِن المديرين والمُشرفين عَليها إلا من يُعانون تعثرات عويصَة في أدائِهم المهني والتّعليمي.
– الأنشطة المُوازية هي التشجيع على القِراءة والبذل والعَطاء والمُحاكاة المسْرحية والرّياضة السّليمة و حُسن التعامل مَع الفرد والجَماعة و الاشتغال على كيفية الاسْتخدام الأمثل لمَلكة العقل، وليس في الرّقص وتزين أجْسَاد المُتعلمين وتسْهيل الطريق لغرَائزهم نحْو التمرّد والعِصْيان الأخلاقي الذي قد يأتي عَلى الأخْضر واليَابس فِيما بقي مِن قيمِنا السَّمْحة.
( محمد بوطاهر – 14 ماي 2018)😯😛
المصدر : https://tinghir.info/?p=33820