قتلتهم المعانات و أستنزفت ثرواتهم في قرية صغيرة يقطنون بها يحدّهاَ الوداي من جهة و الجبال من جهة أخرى ، ظروف مناخية صعبة يعِشونَها يومياً ؛ لكن الأمل و الطموح في تحسِين أوضاعهم كان ولا يزال حلما يرَاودهُم في كل ثانية ودقيقية ويزداد هذا الحلم في كلَّ مرة يسمعون بأن الانتخابات على الأبواب
بدأ العد العكسي لهذا الحدث و تدفقت معه الحملات الإعلامية الزائفة و شعارات رنانة تستحوذ على الأذن منذ الوهلة الأولى داعية المواطنين الى المشاركة فيه، لقد جندت الأحزاب السياسية كل الوسائل و الطرق لبلوغ هدفها وأصبح الحصول على علامة فوق رمزهم الانتخابي أسمى من الإنسانية و من الشرف و النزاهة أسمى من كلِّ شيء…
وصلت سيارة فارهة الى القرية الصغيرة كان الأطفال الذين يلعبون على جنبات الطريق أول من رأُوا السيارة وهي تتوغل الى وسط القرية، إنتظروها بشغف كبير حتى وصلتهم فبدأو بالركض خلفها تارةً و على جوانبها تارةً أخرى، منهم من سقط متأثراً بالأحجار المنتشرة في كل مكان فعاد ليقف و واصل الركض خلف السيارة حتى لا تبتعد منه و تفُوته فرصة إكتشاف من بداخلها .
توقفت السيارة الفاخرة على مشارف مسجد القصر و إنتشر الخبر بسرعة البرق في أرجاء القرية فخرج العشرات من السكان من منازلهم الطينية المكونة للقرية و التفوا حول السيارة متشوقين الى التعرف على ضيف لم يعتدوا عليه و لا على أمثاله في قريتهم ، فُتح باب السيارة لينزل منها رجلٌ يرتدي ربطة عنق بيضاء و بدلة سوداء وحذاء لامع .
هل هو وزير؟ ربماَ برلماني أو رئيس جماعة ؟ كُلهاَ أسئلة راحت تجوب وتجول في نفوس الملتفين من حول السيارة ، القى “الرجل” الأنيق التحية وقدم نفسه الى الحشد إنه المترشح الجديد، جاء ليلتقي مع ساكنة القرية الصغيرة القابعة على سفح الجبل، بعدها مباشرة داخل في حديث مع أحد الساكنة سأله عن معانات أهل القرية فلم تكفيه الأوراق التي أحضرها معه ليدوِّن كل ما تعانيهالساكنة.
إضطر “المترشح ” إلى الإستعانة بتجربته في الكذب و الأحاديث التسويفية الطويلة لكي لا يجد أية صعوبة في كسب أصوات الساكنة لصالحه ، إستجابت الأغلبية وبسرعة لهذا الرجل فصَاروا يصفقون له عند كل جملة ينطِقهاَ بينمَا قلة قليلة من السكان تنتظر مَدْ المترشح يَدَه إلى جيبه ليجود عليهم ببعض الأوراق النقدية .
إِنتهى الحديث الذي إستغرق ساعات من الكلام الزائف واهماً المواطنين بأحلام لن تتحقق ، نجحَ “المترشح” بسهولة في تحقيق ما قدم من أجله . ركب سيارته الفاخرة منهياً زيارته الأولى والأخيرة للقرية الصغيرة تاركاً أهلها غَارقين في الأَحلام
لحسن سويري
المصدر : https://tinghir.info/?p=3349