ما أن تظهر بعض نتائج التقويم الدراسي خلال الأسدس الأول أو في آخر السنة أو حتى خلال فروض المراقبة المستمرة خلال الدورات والفصول،حتى يثار الجدل الدائم عن من المسؤول عن الحصيلة الهزيلة والمردودية غير المقنعة لمعظم التلاميذ،وطبعا من السهل كالمعتاد أن نحمل المسؤولية لأحد الطرفين الأساسين في العملية التعليمية التعلمية،المدرسة أو الأسرة،والواقع أن المسألة أعمق من هذا وربما لا يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى غير نظامنا التربوي الذي لازال يصر على العمل بمدرسة كل يوم يتساءل الجميع إلى أي حد تلائم الأسرة المغربية؟؟.وتظل المدرسة على كل حال مهمة تربوية وضرورة مجتمعية بما تمثله من إطار أساسي لتعميم التمدرس وتربية النشء و غرس القيم الإيجابية وتزويده بالمعارف والمهارات التي تمكنه من العيش المشترك والقدر اللازم من المواطنة وتحقيق التنمية،وتظل الأسرة كذلك مهمة بكونها المرفىء الأول والحضن الطبيعي للأبناء والمحطة الأساسية في حياتهم،ففيها يرون النور و يتنفسون الهواء والقيم ويصطبغون بالهوية والمرجعية والانتماء وغيرها من المهارات الأساسية التي يحيون بها في البيت والمدرسة والمجتمع ككل،وأي تلوث أو صعوبات تعترضها فإنما تعترض الحياة المدرسية و المجتمعية ككل وبشكل مباشر؟؟
هاذان الإطاران التربويان الشامخان،لا زالا في الواقع – مع الأسف – لا يحظيان بالقدر اللازم والواجب لهما من التنسيق والتعاون والانفتاح والتشارك والتكامل،وغير ذلك مما سيمكن في الأول وفي الأخير من التعاون البناء والمساهمة الواضحة في بناء الصرح التربوي الوطني المنشود؟؟،بل بالعكس لا تزال العلاقة بين المدرسة و الأسرة – ورغم كل شيء – وكأنها في تعارض دائم وتناقض صارخ وصراع شديد لا يعمل إلا على تمزيق كل الجهود التربوية المبذولة من كلا هاذين المحركين التربويين الأساسيين؟؟،وكم يقف المرء على العديد من الاختلالات الناتجة عن هذا التباعد من مثل مجهود تعميم التمدرس الذي لا يزال ناقصا خاصة في العالم القروي،واختلال التعثر والهذر المدرسي الذي لا يزال متفشيا في كل الأسلاك،وفي ضعف وغياب مواكبة الآباء لتمدرس الأبناء في مؤسساتهم التعليمية،وفي عدوانية بعض الآباء واستعلاء بعض الأساتذة مما وتر العلاقة بينهما،في جمعية الآباء وأشكالها الصورية التي جعلتها رغم صلاحياتها الواسعة لا تستطيع تغيير أي شيء في الواقع التربوي المتردي أكثر من ترميم بعض الطاولات المكسرة والنوافذ المضيعة أو تغيير بعض المصابيح المتلفة و الصنابير المعطلة؟؟.
هذا و قد يبلغ التناقض والتعارض والصراع الشديد بين مشروع المدرسة ومشروع الأسرة مداه،فيؤدي إلى الاستقطاب الحاد بينهما وعلى حساب ذات الأبناء وتربيتهم و شخصيتهم والمصالح التربوية والتنموية الكبرى للوطن،إلى درجة أنك قد تجد صنفا من أولياء الأمور يخرجون بناتهم من المدرسة أو يحرمونهن من متابعة الدراسة لا لشيء إلا لأنهم غير مقتنعين بمشروع المدرسة التغريبي والتمييعي – في نظرهم – ما لا يليق خاصة بالإناث،أو لأن الدولة بعجزها تجبر الإناث على التنقل بعيدا عن أسرهن والتمدرس في مؤسسات بدون مرافق صحية تضمن لهن قضاء حاجتهن في أمان،أو لا يجدن المبيت إلا في بعض الداخليات و دور الطالبات لا يطمئنون فيها على فلذات أكبادهم؟؟. وتجد الابن قد يرفض توجيه أسرته في خلق معين أو توجيهها وقدرتها في مشرب أو مأكل أوملبس،بحجة أنهم قد درسوا خلاف ذلك في المدرسة وأن المعلمة بالذات قد قالت لهم عكس ذلك؟؟.وتجد الأستاذ قد لا يرى علاجا حاسما للشغب داخل الفصول غير التربية الأسرية المفقودة رغم كونها – في نظره – تشكل السبب الرئيسي للتعامل مع الجميع باحترام والدراسة والنجاح في سلام؟؟.
ويبلغ التناقض والتنافر مداه بين المدرسة وتوجهاتها والأسرة و انتظاراتها في أكبر وأخطر من هذا،بدء من لغة التدريس التي تغتال لغة الأم عند الطفل المغربي بل وحتى اللغة الوطنية والرسمية للبلاد بدعوى الانفتاح على اللغات العالمية العالمة،ويا ليتها تعطي النشء من هذه اللغات شيئا ذا بال غير what your nime ya mohamed؟؟،إلى بعض المواد التي تظل في ثقافتها ومناهجها تطفح بالتشكيك في المعتقدات التوحيدية للتلاميذ،أو تجبرهم وخاصة الإناث على ما يرفضنه من لباس التعري أو لباس معين ضده؟؟.إلى التوقيت الدراسي والعطل المدرسية التي لا تراعي طول الليل والنهار وقيظ الصيف وزمهرير الشتاء وحاجة الآباء إلى مساعدة أبنائهم في الأسواق والمواسم أو إينالهم حظهم من تعلم الصناعة والفلاحة والتجارة؟؟.إلى أخطر من هذا في كثرة المناهج وغلاء المقررات بما لا يناسب القدرة الشرائية للمواطنين خاصة الأسر المتعددة الأبناء أو الأسر التي تتكلف فوق طاقتها بإرسال أبنائها إلى التعلم الخاص،وكذلك مهزلة الحرمان من الحي الجامعي والمنحة الجامعية،وبطالة الخريجين الجامعيين والجامعيات الذين استطاعوا التغلب على كل العراقيل والعقبات فتخرجوا مجازين أو دكاترة،إلى غير ذلك مما بدأ يناقش بل يفعل اليوم من جانب أحادي للدولة في مجانية التعليم وبدعة التعاقد ومأساة التقاعد؟؟.
وهل هناك إصلاح للتعليم بدون إصلاح هذه المعضلات بين المدرسة والأسرة المغربية،والملائمة بينهما منطلقا ومنتهى،مداخلات ومخرجات،مواصفات وكفاءات،معايير و مآلات،حتى يصبح الآباء والتربويون وكأنهم هم المتمدرسون،ويصبح الإداريون والأبناء وكأنهم هم الآباء،فلماذا تترك الأمور كما هي وكأنها عادية وطبيعية؟؟،هل الأسر المغربية تقبل بهذه الاختلالات المتنامية بين المدرسة وبينها وهي كل يوم تعاني منها ويذهب أبناؤها ضحية ذلك،صرحت بذلك وصرخت ضده أم لا؟؟،وهل في خطة أي تلميذ مغربي أو ولي أمره أن يقضي ابنه زهرة شبابه في المدرسة وفي كل أجوائها المشحونة في الغالب مقابل الرجوع بعد عمر طويل ومعاناة مضنية إلى الشارع أو إلى بعض المشاريع التي كان يظن نفسه قد تخلص منها كمشاريع ما يسمى الآن بالتنمية البشرية لتعلم الطرز والخياطة أو تربية الأرانب والدجاج؟؟،طبعا لا نستطيع التعميم ولكن الإشكال واقعي وحقيقي وكل يوم تزداد وطأته على الجميع وستزداد ما لم تتضافر الجهود كل من جهته لرفع هذا التحدي والرهان التربوي الاجتماعي المؤسس حتى تلائم المدرسة فعلا واقع الأسرة المغربية وظروفها،طموحاتها وانتظاراتها بل وتكون في خدمتها في حاجياتها ومتطلباتها؟؟،ترى أين هي التدابير الإصلاحية والإجراءات الأولية من كل هذا،أم يكفيها هذا الذي أصبحت تخوض فيه من المعارك الخطأ في الزمن الخطأ وبالأسلوب الخطأ،وما أصبحت تتخبط فيه – بقدرة قادر – وحتى في ما لم يرد في هذه التدابير الأولية عند الإطلاق على الإطلاق كجدل الرفع أو الإبقاء على المجانية أو مسألة التعاقد و التقاعد؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=32847