تعرفُ مدينةُ تنغيرَ الكثير من الخلالات، وتعيشُ الكثير من الجمودِ في جميع المستويات الفكرية والثقافية والسياسية والمدنية والتنموية، وغيرها. وهو الأمر الذي بات يطرحُ الكثير من الأسئلة عن الأسباب التي بلغتْ بها ما بلغتْه. ولذلك أطلقَ مجموعةٌ من الشبابِ الغيورين صيحةً لعلَّها تكون نقطة انبعاثٍ جديدةً، فدعَوْا، عبر وسائطِ التواصل الاجتماعيةِ إلى عقدِ لقاءٍ مفتوحٍ غيرِ مؤطَّرٍ بأيِّ إطارٍ كيفما كان، تجنباً لوأْدِه قبل ولادتِه، سمِّيَ بـ ‘‘Meeting Tinghir’’. وتمَّ عقدُه في مقهى الياسمين بمدينة تنغير يوم الأربعاء 31 يناير 2018، ابتداءً من الساعةِ الرابعةِ مساءً.
اجتمعنا في المقهى المذكور كزبناءَ لصاحبِ المقهى، متحملين مسؤوليةَ أنفسِنا لمناقشةِ ما آلت إليه الأوضاع في هذه المدينة التي كنّا نأمل فيها الخير، ونرجو لها النمو والازدهار منذ حصولها على صفة ‘‘إقليم’’، واعتبار مدينة عاصمة إقليم تنغير، حيث توجدُ كلُّ المؤسسات والمديريات الإقليمية، لكنه ظلَّ مجرَّدِ حلمٍ منذ سنة 2008.
عشرُ سنواتٍ مرَّتْ، ولم يتغيَّر سوى القليل على مستوى البنيات التحتية، وما تزال الكثير من ملفات التنمية عالقةً، أو معاقةً، أو مُعرقَلةً. مما جعل أسئلةَ: ما السبب؟ من المسؤول عما آلت إليه أحوال المنطقة؟ ولماذا؟ أسئلة حارقةً وملِحَّةً.
وقد افتتح اللقاءُ بترحيب مسيِّره ‘‘سليمان محمود’’ بكل الحاضرات والحاضرين الذين لبَّوْا نداءَ الغيرةِ والواجبِ، ثم سُطِّر للقاءِ محوران للنقاشِ، وتبادل وجهات النظر؛ أولهما تشخيصُ الوضعِ للوقوف عند أسباب الجمود والركود الذي تعيشُه المنطقة، وثانيهما اقتراح حلول، والخروج بتوصيات اتفق الحاضرات والحاضرون على متابعة طرقُ تفعليها بالتواصل المستمِّر عبر مجموعة خاصة أُنشِئَت على تطبيق ‘‘الواتساب’’ التواصلي.
وتناول المتدخلون الموضوع بكل حريةٍ في التعبير، وبيانِ وجهات نظرهم دون أي شروطٍ. ومن أهم ما أثير في المحور الأول المتعلِّق بالتشخيصِ أن ما آلت إليه الأوضاع ليس وليد اليومِ، وإنما هو نتيجةٌ لسيرورةٍ تاريخيةٍ بصراعاتها القبليةِ والعِرقيَّةِ والعنصريةِ، وسوء العلاقة مع الآخر المختلِف، ومنطق الحذرِ والخوف منه، ذلك أن الأسرَ في المنطقة تربِّي أبناءَه على الخوف من كل شيٍ، بدءاً بالخوف من الآخر، وعدم الثقة فيه، واعتباره في منزلة العدوِّ الذي لا يُؤتَمَنُ، سياسياً ومدنياً؛ فالسياسيُّ غدّارٌ ومستغِلٌّ، والجمعوي انتهازيٌّ خبزيٌّ، و‘‘المخزن’’ (الدولة) وحشٌ لا يرحمُ. وتلك النظرة المتجذرةُ في شعور ولاشعور المنطقة الجمعية معرقلُ لأيِّ محاولةٍ بناءٍ. ثمَّ فصَّل الحاضرون في هذه الفكرة العامةِ، فتطرقوا إلى الحديث عن العمل الجمعوي بالمنطقة الذي فقدَ تطوعيَّتَه، وصار خبزياً، ومصدراً للربح والرزق لدى الكثيرين، فماتت أدوارُه الريادية في تأطير المجتمع، وخصوصاً الأطفال والشبابَ منهم باعتبارهم لبنات بناء الغد، كما أن معظَم الجمعيات تهتم بما يُدِرُّ الدخلَ، دون أدنى اهتمام بالإنسان وتكوينِه فكرياً وثقافياً، باعتبار الفكر أساس المجتمعات المزدهرة والمنتِجة والفاعلةِ. كما تطرقوا إلى مفهوم النضال الذي يعتبره الكثيرون مرادفاً للصراعِ والعداءِ مع الدولة، جاهلين أن الدولةَ هي نحنُ، وأن النضال يعني التدافع من أجل المصلحة المشتركةِ، بعيداً عن العواطف والانفعالية الذاتية والأنانية، ومنطق الولاءات والصداقات.
وتعمَّق النقاشُ أيضاً في طبيعة مجتمعنا التي وصفها المتدخلون بأوصافٍ عدةٍ مثل: ‘‘المجتمعات القبلية التي تتسمُ -علمياً- بالانقسامية’’، و‘‘مجتمعات الفاجعة’’ التي تنتظر الفواجعَ لتبكي وتشجُبَ، ثم تعود بعد ذلك لمعاناتها الأبدية التي حكمت بها على نفسِها، و‘‘المجتمعات الانفعالية’’ المترتبة على السابقةِ، و‘‘المجتمعات المناسباتية’’ التي تغيب عنها الرؤى الاستراتيجية المدروسة، والتي تخطط للتنمية على المدى المتوسط والبعيد.
وتوقفوا عند ضرورة الإجابة، من أجل ذلك التخطيط الاسترتيجي، عند أسئلة من قبيل: ما هي مؤهلاتُنا الجغرافية والطبيعية والبشرية وموارِدنا؟ وكيف نستثمرُها؟ وما الذي نريده لنفعلَه بها؟ وما هي تنغير النموذج التي نريدها؟
وحصل شبه اتفاق على أن ما آلت إليه تنغير هو نتيجةٌ لما زرعناه، فنحن جميعاً مسؤولون كل من موقعه طلاباً، مثقفين، جمعويين، سياسيين، إداريين، مواطنين. وللانبعاث من هذا الموت، وتحريك عجلة هذا الجمود، لا بد من تضافر جهود الجميع باختلافاتنا الاديولوجية، واختلاف مرجعياتنا ومنطلقاتنا الفكرية، دون تبخيس لمجهودات أحد، ودون احتقار لأحد، وفي احترام تامٍّ لما نختلفُ فيه، والاجتماع على المصلحة العامة. واعتبر الحاضرون أن التأسيس لثقافة الاختلاف هذه، وإقناع المجتمع بضرورة استثمار اختلافاتنا باعتبارها رأسمالٍ حقيقيٍّ لا بدَّ من التأسيس لمرحلة جديدة بتنغير تقوم على أسس فكرية محضةٍ، وذلك بمحاولة تأسيس لتكتل من كل الغيورات والغيورين يقوم على الثقة المتبادَلة بيننا، وتسطير برنامجٍ تتقارب فيه الرؤى، والعمل على تفعيلِه، بدل العمل بمرجعيات عِرقية (أوعطا، أومرغاد، أتدغت)، أو قبليةٍ (أيت فلان، وأيت علان)، أو اديولوجيةٍ (علماني، إسلامي)، أو جغرافية من أجل تحقيق مصالح عامة، مع ضرورة التحلي بالواقعية في تسطير البرامج النضالية التي تروم التغيير، وذلك بترتيب الأولويات في الملفات المطلبية، بدءاً بالنضال من أجل تحقيق مطالب آنية، بالموازاة مع الحلول الجذرية التي تتطلب وقتاً زمنياً، فترتَّبُ الأهداف بين ما يمكن تحقيقُه على المدى القريب، وما سيتحقق على المدييْن المتوسط والبعيد.
وقد تميَّز النقاشُ بكثير من الجديةِ، ومرَّ في جوٍّ أخويٍّ ملئ بالتقدير والاحترام، رغم اختلاف مرجعيات الحاضرات والحاضرين، وزوايا نظرهم.
ونرجو من كل المهتمات والمهتمين بهذه المبادرة المدنية الالتحاق بنا في تطوير النقاش، لتأسيس منتدىً للأفكار يؤسس لمرحلة جديدة يكون شعارها: ‘‘الاختلاف أساس البناء القوي’’، ونكون فيه يداً واحدةً وإن اختلفتْ اصابعُ تلك اليدِ، لتكريس ثقافة الاختلاف، وتدبيره من أجل نهضة فكرية وثقافية في تنغير ستكون لبنةً من لَبِنات الغد، وديناميته التنموية.
وتجدُر الإشارةُ إلى أن اللقاءَ حضرَه اثنان وثلاثون شاباً(ة)، واعتذرَ كثيرون لالتزامات مهنية، أو عائلية، أو شخصية حال بينه وبين الحضور، وعبروا عن استعدادهم التام في دعم المبادرة معنوياً، ومادياً إن تطلب الأمر ذل
المصدر : https://tinghir.info/?p=32829