جاد الغيث ثلجا بأعالي الجبال فعرى البنيات التحتية ،وأبان الوضع عن هشاشة مستدامة من نقص في المواد الغذائية و برودة عالية فتحركت المؤسسات الداعمة للتخفيف من المعاناة ، الثلوج عزلت القرى، والوضع سيتحسن لاحقا بالكلإ وستتقوى الفرشة المائية ،لكن بالجنوب الشرقي ازداد لهب القحط ويبس شوك الصحراء فأدمى بيبوسته افواه ماشية عجفاء جف ضرعها وكثر ثغاؤها …وفي زيارة دامت ساعات بخيمة بمقربة من وادي النعام على بعد كيلومترات من الرشيدية بطريق بودنيب يوم 11 يناير 2018 وهو تاريخ تقديم المطالبة بالاستقلال، تَبين حقيقة أن الفقر مازال مستداما بأوساط الرحل …تعب وعُري وغبار داخل الخيمة مكان الراحة والنوم ،ولا نِعمة يمكن ان ينعزل من أجلها الانسان هناك.
حمو ارحال قال بزفرة عميقة ” شحت الأمطار بالجنوب الشرقي في السنوات الاخيرة ،وتضاعفت معاناتنا وطالت في ظل فقر وتعب وترحال بين أودية جافة ،بها أثر زحف زواحف كثيرة ،خرجت بدورها من الجحور بحثا عن طعم مستساغ ” .
هم رحل منكسرون حين الحديث عن الرعي طالبين ربهم الغيث والجود لا يعرفون من الحياة غير شروق الشمس وغروبها، وماذا أكل القطيع، وأين توجد قطرة ماء ليقطعوا من أجلها المسافات الطوال على الأقدام، أو على مطية دواب ضامرة من البغال والحمير ..قطيعهم تهالك وبيع الكثير منه ،ولا عائدات من بيع الأسواق ، يستيقظون بكرة، ويسوقون ماشيتهم حتى الغروب ربما تجد نبتة شوكية تم نسيانها في الطريق الذي حفظته يوميا، لتعود في المساء أدراجها جائعة .
يحكي حمو بمرارة عن حاله وحال اسرته التي يا ما توسدت الافاعي ليلا، فسترها الله من لدغاتها ،اما العقارب فهي مألولفة بشكل يومي …وضْع مستعص تقابله ابتسامة ،وعفة نفس كبيرة، وايمان قوي بما قدر الله ، ودرجة الوطنية فيه وفي أسرته عالية ولا على السنتهم جميعا غير الحمد قادني اليهم الحنين للأصل والمعاناة المشتركة بالجنوب الشرقي ،وكم هو جميل حديثهم وابتسامتهم ونقاء تعاملهم، بالترحيب والسهل كان اللقاء ،وبالشاي والمتاع البسيط كان الاستقبال، وبالدعاء وانتظار تكرار الزيارة كان الوداع .
جبال الأعالي مكسوة بالثلوج ،وجبال الجنوب الشرقي مكسوة بالغبار ،وساكنة الأعالي قد امطرت سماؤها عشبا باعتبار مجاز ما سيكون ،ورحل الجنوب الشرقي اياديهم مرفوعة للواهب الذي يهب دون حساب.
المصدر : https://tinghir.info/?p=32507