يعلق مسؤولون ومهتمون بالشأن الأمازيغي في المغرب، آمالا عريضة على مشروع قانون تنظيمي بالبرلمان لتفعيل الطابع للغة الأمازيغية، سعيا إلى تحسين أوضاع تلك اللغة في البلاد.
ويأتي مشروع القانون بعد نحو 6 سنوات من تعديلات دستورية أقرت الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، غير أن المشروع لم يخل من انتقادات ومطالبات بتعديل بنوده ليرقى إلى مستوى الطموحات.
وبدأت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، في الأسبوع الأخير من ديسمبر / كانون الأول الماضي، مناقشة مشروع القانون المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات دمجها في مجالات التعليم والحياة العامة ذات الأولوية.
ودعا محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال في كلمة له خلال مناقشة مشروع القانون، إلى العمل على استكمال تنزيل مضمونات الدستور في ما يخص الأمازيغية وغيرها، لتكون التعهدات والمخططات مقرونة بالتفعيل الواقعي الذي يعطي لأعمال البرلمان صفات المصداقية والالتزام.
وخلال اللقاء أجمع برلمانيو الغرفة الأولى ومسؤولون في الحكومة، على أهمية دمج الأمازيغية وتجنب التفرقة وتحصين الأمة من خلال تفعيلها في التعليم والإعلام ومختلف القطاعات العمومية.
كما شددوا على ضرورة تفعيلها في مختلف الميادين بما فيها البرلمان، وتسريع العمل من أجل أن يرى هذا المشروع النور في أقرب الآجال.
وينص الفصـل الخامس من الدستور المغربي، على أن العربية “تظل اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”، كما “تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء”، وفق تعديلات أقرت العام 2011.
** مراحل ثلاث
وبحسب مشروع القانون، تعمل الدولة على تفعيل عدة تدابير لترسيم الأمازيغية بالتدريج عبر ثلاث مدد زمنية، من خلال مدى قريب يمتد 5 سنوات، ومدى متوسط في 10 سنوات، ومدى بعيد يمتد 15 سنة.
ومن بين تلك التدابير، إنجاز المطبوعات الإدارية والتقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية باللغة الأمازيغية، والتداول ومخاطبة المغاربة بإحدى اللغتين الرسميتين “العربية أو الأمازيغية”، والاعتراف بحجية الوثائق والمراسلات المحررة بالأمازيغية.
كما تشمل أيضا “الحفاظ على التراث المادي واللامادي للأمازيغية، والعناية بالمآثر التاريخية بمختلف مناطق المملكة، وإبراز مختلف أبعاد وتجليات الحضارة والثقافة الأمازيغية، مع العمل على إدماجها ضمن منظومة التنمية المستدامة”.
وعلق فاروق الطاهري عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال في البرلمان على مشروع القانون بالقول، إنه “استجابة لتطلعات أغلب الفرق النيابية والمجموعات البرلمانية والهيئات التي تقدمت بمقترحاتها بشأن هذا القانون من قبل”.
لكنه أشار إلى أنه “لا يزال ـ رغم أهميته ـ في حاجة إلى التجويد خلال جلسات المناقشة التفصيلية التي ستجرى لاحقا”.
وفي حديث للأناضول، وجه انتقادات لمشروع القانون، من بينها أنه “أغفل جانب التأطير (التثقيف) الديني، وركز فقط على البعد التواصلي للأمازيغية، كما أغفل أيضا كون الأمازيغية تحمل فكرا وثقافة وحضارة”، على حد قوله.
وبخصوص المراحل الزمنية الثلاث التي نص عليها المشروع، قال إنها في حاجة إلى تعديل “عبر تقليصها وتسريع وتيرة التفعيل في مختلف مجالات الحياة العامة، دون الاقتصار فقط على التعليم والإعلام، كما جاء في مشروع القانون المعروض للمناقشة”.
** مقترحات للتطوير
الباحث المغربي المهتم بالشأن الأمازيغي محمد اعليلوش، الذي تقدم بمقترح لرئاسة الحكومة بخصوص هذا النص القانوني، وصف مشروع القانون بأنه “لا يرقى إلى أن يكون قانونا تنظيميا وهو ما يتطلب تجويده على عدة جوانب”.
ودعا إلى “المساواة بين اللغتين الرسميتين (العربية والأمازيغية) ومنع أي تمييز بينهما، واعتبار أي تنقيص أو احتقار للغة الأمازيغية، شكلا من أشكال التمييز العنصري أو العرقي المعاقب عليه جنائيا”.
كما طالب الحكومة والبرلمان بالالتزام بصيانة الأمازيغية كلغة وثقافة وحضارة وهوية ورصيد مشترك لجميع المغاربة دون استثناء.
ويقترح اعليلوش في هذا الصدد تضمين مشروع القانون ضرورة “التزام وسائل الإعلام باستعمال الأمازيغية أو الترجمة إليها أو الدبلجة في جمیع الإنتاجات السینمائیة أو التلفزیونية وكذلك المسرحیات التي یتم بثھا من جانب القنوات العمومیة (الحكومية)”.
ويشير أيضا إلى أهمية العمل على ربط التعليم والتربية بالثقافة عن طريق تسويق الثقافة الوطنية بما فيها المكون الأمازيغي، وتشجيع الكِتاب والفيلم الأمازيغيين إضافة إلى المسرح وكل أشكال التعبير والإنتاج والإبداع الأمازيغي.
وارتباطا بتدابير التفعيل، دعا الباحث إلى تخصيص ميزانية مهمة في القانون المالي سنويا لتنمية وحماية الأمازيغ، وحث جميع القطاعات على إعطاء مكانة متقدمة مرحليا للغة الأمازيغية في جميع العمليات، بالإضافة إلى تفعيل آليات المراقبة والتقويم والفحص الداخلي والخارجي لضمان الالتزام بالقانون واحترامه.
وأضاف أن على القانون التنظيمي أن يحدد صلاحيات ومهام وكيفية اشتغال المؤسسات والهيئات (ذات الصلة)، من قبيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية (حكومي قيد الإنشاء) والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (حكومي)، والقناة الأمازيغية.
** تعليم الأمازيغية
على المستوى التعليمي، بدأ تدريس اللغة الأمازيغية في المغرب منذ سنة 2003 بإشراف 15 ألف معلم، تم جمعهم وتدريبهم حتى عام 2015، بينهم 5 آلاف معلم يمارسون فعليا تدريس الأمازيغية، مقابل أكثر من 400 ألف تلميذ تلقوا الأمازيغية في المدارس إلى حدود نفس السنة.
كما ترمي الرؤية الاستراتيجية لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي (ما بين 2015 و2030) إلى دمج اللغة الأمازيغية في مختلف أسلاك التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي.
وفي التعليم الجامعي، تدرس الأمازيغية في ثلاث جامعات حكومية، في حين تم اعتماد تعليمها في عدد من المؤسسات والمعاهد العليا، من بينها المعهد العالي للإعلام والاتصال ( حكومي).
وكانت الحكومة المغربية، قد صدّقت في سبتمبر / أيلول 2016 على مشروع القانون التنظيمي، لتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفية دمجها في مجال التعليم، وباقي مجالات الحياة.
ومن المنتظر بعد التصديق عليه من جانب لجنة التعليم والثقافة بمجلس النواب، أن تتم إحالته إلى كل من مجلس النواب (الغرفة الأولى)، ثم مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، قبل اعتماده نهائيا ونشره في الجريدة الرسمية.
المصدر : https://tinghir.info/?p=32313