وعدهم ووعدنا !

admin
2018-01-04T21:11:45+01:00
اقلام حرة
admin4 يناير 2018
وعدهم ووعدنا !
أحمد حسيسو

الفهرس:

توطئة………………………………………………………

تأسيس “إسرائيل”………………………………………….

تطورات وآمال……………………………………………..

مستجدات ومآل……………………………………………..

وعدهم ووعدنا………………………………………………

توطئة:

مائة عام تمضي وتطوى، حمل رحم التاريخ خلالها ثم وضع وأرضع وربى كائنا من أشرس الكائنات الكونية عدوانيةً ودمويةً قل نظيرها على وجه الأرض، إنه “دولة لإسرائيل”.

ففي سنة 1917 للميلاد أصدر وزير الخارجية البريطاني بلفور وعدا لرواد الحركة اليهودية حينذاك  بإنشاء وطن قومي لليهود، وقد كانت عيون اليهود مركزة على بلاد فلسطين الكائنة تحت سيادة الامبراطورية العثمانية، غير أن الضعف والوهن بدآ يسريان في عروقها وينخران قواها، ولذلك لقبت بالرجل المريض، فلم تلبث تلك الشوكة الإسلامية أن هوت ليخلو المجال لتنفيذ “بروطوكولات حكماء صهيون”.

“إسرائيل” هذا الكائن الوحشي المفترس الذي نحن بصدده في التاريخ المعاصر، هو بكل المعاني الإنسانية شرير، فهو مؤسَّسٌ في الأصلوقائم على الكذب والزور والإرهاب والسفك والقتل والتدمير والتهجير في حق شعب بريء أعزل، لكنه بالمعنى البراغماتي بالنسبة لصانعه، وهو الغرب الصليبي طبعا، مكسب عظيم وإنجاز سياسي اقتصادي عسكري استراتيجي لا يقدر بثمن، “مصائب قوم عند قوم فوائد” كما يقال. الغرب الذي يتوجس من نهضة المسلمين  خطط لإخراج هذا الكيان إلى الوجود لخدمة مآربه ومصالحه وأجنداته في الشرق، حيث يرقد هناك عملاق في سبات عميق يُخشى من صحوته، يحلو لبعضهم تسميته ب “المارد الإسلامي”. ذلك ما كان يقض مضاجع عقول تدبر المؤتمرات والمؤامرات منذ نهاية القرن التاسع عشر ولا تزال، ولمن أراد التثبت في الأمر بالحجج الدامغة فليعد إلى الوثائق التاريخية.

تأسيس “إسرائيل”:

تأسس الكيان الإسرائيلي وخرج إلى الوجود وحاز على الاعتراف الدولي عام 1948، بعد سيطرة العصابات الصهيونية المنظمة المدربة المسلحة على يد بريطانيا أول الأمر على جل فلسطين، الامبراطورية “التي لا تغيب عنها الشمس” هي وعدت وأعدت هذه الفتنة التاريخية و لا تزال تغذيها، لكن القوى الغربية الغاشمة لم تتوقف لحظة عن المساهمة الفعالة في إشعال نيرانها، فمثلا فرنسا “الأنوار” هي من وطنت المشروع النووي للكيان، والولايات المتحدة الأمريكية هي التي تتولى حاليا كِبَرَ هذه المصيبة القذرة ويتجلى على جبينها وسام هذا العار.

إن إعلان دولة “إسرائيل” كان في ظروف اتسمت بضعف العرب وشتات المسلمين، وهيمنة الاستعمار الغربي على الأمة العربية والإسلامية، وهو ما سهل على القوات الصهيونية المتوثبة المتحمسة المسنودة أمريكيا وأوروبيا قهر الجيوش العربية، بل القضاء على معظم مقدراتها في حروب خاطفة لا تكلف الكيان الجديد إلا قليلا من الخسائر في الأرواح والعتاد. لقب جيش الاحتلال ب “الجيش الذي لا يقهر” ! لشدة الانبهار بإنجازاته العسكرية ضد العرب قاطبة على كثرة أعدادهم، وبلغت هالة الكيان ورهبته بالعرب أن اقتنعوا بالتنازل عن مشروع ومقولة “إلقاء إسرائيل في البحر” وتهامسوا بالبحث عن تسوية تحفظ قليلا من ماء وجه العروبة، إذ لم تعد تجدي النخوة ولا الأنفة ولا الشعارات الحماسية شيئا مع واقع سياسي وعسكري عربي مهترئ عديم الجدوى.

تطورات وآمال:

ها هو ذاك الكيان الصهيوني العنصري في قلب الشرق الأوسط، في قلب الأمة العربية، قد بلغ أشده، أضحى قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية ونووية هائلة، صارت لها لوبيات مالية مؤثرة في سياسات واقتصاديات الدول العظمى، قلبت الطاولة على الجميع، وباتت تفرض نفسها ومعادلاتها وأجنداتها وأطماعها، صدق فيها المثل القائل: “لقد شب عمرو عن الطوق” لكونها أصبحت عصية على كل الإملاءات بما فيها الصادرة من أولياء النعمة بالأمس.

“إسرائيل” تحولت إلى دولة قوية منظمة متقدمة “ديمقراطية”، وإن كانت مزايا ديمقراطيتها لا تشمل طبعا أولئك السكان الأصليين العرب الذين لم يغادروا البلاد على إثر حرب 1948، بل بقوا تحت نير الاحتلال، سموا فيما بعد ب “عرب48 ” وفرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، ومع ذلك فإن “عرب 48” في الحقيقة أكثر حرية من مواطني الدول العربية مع الأسف الشديد، قضية الاستبداد الجاثم على صدر الموطن العربي هي من أهم عوامل الهزيمة العربية والانحطاط العربي، وتلك قضية أخرى لا يتسع المجال للتفصيل فيها هنا.

انهزام النظام الرسمي العربي أمام دولة ناشئة مدعومة من طرف الدول العظمى، وبطش الآلة العسكرية الصهيونية بالفلسطينيين العزل لم يمنع من استمرار المقاومة الشعبية بمختلف الأشكال، والتي لم تترك الاحتلال لحظة واحدة ينعم فيا بطمأنينة وأمان رغم غطرسته وجبروته.

لعل أنصع حدث مترجم لاستسلام العرب هو توقيع اتفاقية كامب ديفيد “للسلام” بين “إسرائيل” ومصر في عهد الرئيس أنور السادات، وتبعتها اتفاقية وادي عربة التي اعترفت بموجبها الأردن أيضا بشرعية كيان الاحتلال على تراب فلسطين، ومن ثم بدأت هرولة باقي الدول العربية وتسابقت للتطبيع مع العدو سرا وعلانية.

كانت “إسرائيل” في حاجة ماسة لذلكم التطبيع، فهي بمثابة غريب مهاجر معزول في جزيرة تحاصره الأمواج المتلاطمة في كل الجهات، والتي لا ينبغي الركون لهدوئها وسكونها مهما طال، فقد تتحول فجأة إلى تسونامي يجرف كل شيء. ولذلك فإن التفكير المتعقل والمنطقي يفترض أن لا يدع ذلك الغريب مندفعا إلى المزيد من التهور والمغامرات، بل أن يرشده إلى التريث والنزوع لتثبيت المكتسبات. ألا يكفي التقام كل فلسطين وهضبة الجولان، ثم فرض الاعتراف بالأمر الواقع على كل من مصر والأردن؟ وجنوح بقية العربان للسلام؟ أليست هذه مكاسب هائلة في وقت قياسي من تأسيس الكيان؟ ! فهل تصرفت الدولة الوليدة بمنطق العقل وبعد النظر، وهل جنحت للسلم والحكمة والاستقرار؟

بالطبع لا، لقد تشكلت العقلية الصهيونية وترسخت قناعاتها على عكس ذلك تماما، ففي خضم انشغال العالم العربي والإسلامي بحرب ضروس بين العراق وإيران، أقدمت الدولة العبرية التي لا يفارق عينيها حلم بناء “إسرائيل الكبرى” على مغامرة غير محسوبة أخرى تمثلت في غزو لبنان عام 1982 بذريعة إبعاد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية عن الجبهات، وتلك هي اللعنة التي أتت ل “إسرائيل”  بمكون جديد، اسمه المقاومة اللبنانية (حركة أمل ثم حزب الله)، مقاومة بروح عزة وعنفوان لم تكن أقل شدة على الاحتلال من الفدائيين الفلسطينيين، والتي سيشتد عودها فيما بعد لتفرض على العدو معادلات لم تكن في الحسبان.

يقول الشاعر، لعله أبو العتاهية رحمه الله:

وإذا استوت للنمل أجنحة — حتى يطير فقد دنا عطبه

لو صدق أحدٌ النصح ل”إسرائيل” في تلك الظروف لنصحها بإتقان استغلال استعداد النظام الرسمي العربي للتنازل والتطبيع، واستثماره قصد تثبيت أركان دولتها المحاطة بالخصوم من كل الجهات، لكن الطمع يعمي، كثيرا ما أفضى التشبث بكل شيء إلى خسارة كل شيء، لقد استمرت الدولة العبرية في عنترياتها، لما رأت من ضعف العرب فرصة لإتمام إنجاز مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي ينتهي إلى ابتلاع المنطقة برمتها، فما كان التنازل الشكلي لمصر عن صحراء سيناء إلا خطوة قصيرة إلى الوراء إعداداً خطوات طويلة إلى الأمام، أقول رغم استعداد العرب للتطبيع مقابل قليل من الحقوق تُعطى للشعب الفلسطيني، من شأنها تهدئة غليان الجماهير العربية والإسلامية وحنقتها على ضياع فلسطين، فقد عمى الله بصيرة قادة الدولة العبرية، فركبوا الغرور إلى مزيد من التوسع في لبنان، حسبوا لبنان يومئذ بمثابة “الخاصرة الرخوة” للعرب، وبالفعل فقد تمكنوا من احتلال بيروت دون عنت يستحق الذكر، ومن إخراج فدائيي الشهيد ياسر عرفات رحمه الله وإبعاد خطرهم إلى ما وراء البحار.

كان زخم الثورة الإيرانية مددا ماديا ومعنويا للمقاومة اللبنانية، فلقنت الاحتلال دروسا ميدانية في الشجاعة والفداء، وأرغمته  بضرباتها الموجعة على الخروج مذعورا حقيرا صاغرا من لبنان في النهاية، وهي أول مرة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي”، يتراجع فيها الجيش الصهيوني وينسحب من مواقعه ذليلا مهزوما، عجبا ل “الجيش الذي لا يقهر” يفر ويختبى كالفئران من أمام مقاتلين أقل بكثير منه في العدد والعدة والعتاد !

ناهيك عن بطولات رجال الله الصادقين الصابرين المحتسبين في قطاع غزة، وما أدراك ما غزة وملاحم العزة، التي أذاقت جنود الاحتلال الأمرين، إلى أن اضطر لمغادرة ترابها منكسرا مهانا، حتى أن  أحد قادته عبر عن أمنيته في أن يستيقظ ذات صباح فيجد غزة قد التقمها البحر ! صعُب على القادة العسكريين للعدو تقبل الانسحاب المهين من غزة، فكان لا بد له من رد الاعتبار ومن التخطيط للانتقام واستعادة الهيبة المفقودة، وتكسير شوكة المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، وسلك لأجل ذلك مختلف السبل من حصار ومكر وفتن وتجويع، وهاجم البلدة الضيقة مساحةً، المحاصرة جوا وبرا وبحرا في ثلاث حروب ضارية قاسية ما بين 2008 و2014، مستعملا أفتك الأسلحة الأمريكية، لكن الثبات الأسطوري لأذرع المقاومة وللمواطن الفلسطيني الذي أبهر العالم، فرض على العدو الانكفاء والتراجع والفشل في تحقيق أهدافه، ولله الحمد وله المنة والشكر.

مستجدات ومآل:

الآن حين كتابة هذه السطور، وقد اكتمل قرن على وعد بلفور، وقد عاش الكيان الإسرائيلي المغروس ظلما وعدوانا في تراب فلسطين زهاء سبعة عقود من الزمان، نحن بصدد مفارقة عجيبة، فالكيان حاليا في أوج قوته العسكرية والتكنولوجية، لكنه في ذات الوقت يعيش أسوأ حالاته المعنوية، يعيش أسوأ حالات الرعب والفزع والجبن. إنه الآن أقرب إلى الاندحار والزوال منه إلى المجد والخلود، السبب واضح لا غبار عليه، هو كون المستقدمين لاستيطان فلسطين وُعِدوا بجنة آمنة وحياة مطمئنة على “أرض الميعاد”، لكن الوعد قد تبخر وذهب أدراج الرياح باشتداد شوكة المقاومة في جبهات لبنان وفلسطين، وأضحى كل شبر من أرض الاحتلال تحت مرمى نيران المجاهدين والفدائيين المتحمسين أكثر من أي وقت مضى لتطهير البلاد من دنس الاحتلال واستئصال سرطان الخزي والعار. رجال المقاومة ليسوا من طينة الجيوش العربية الرسمية التي تكدس السلاح لقمع الشعوب بدل مقارعة العدوان، رجال المقاومة الشريفة والجهاد المقدس يهجمون على الموت بمقدار ما يفر منه الجنود الصهاينة الجبناء، أولئك المعول عليهم لضمان أمن شعب جبان يختبئ  في ملاجئ تحت الأرض أسابيع كالجرذان لمجرد احتمال سقوط صواريخ بدائية  قرب المساكن والمستوطنات ! فكيف به وقد تطورت الآن دقة الصواريخ ومداها وفاعليتها، وازدادت قدرات المجاهدين بشكل لا يستهان به، وباتت حتى مفخرة الترسانة الحربية النووية الصهيونية، مفاعل ديمونا النووي أيضا هدفا محتملا لصواريخ المجاهدين إذا جد الجد واقتضت ضرورات القتال، فأين المفر؟

لا غرو يفكر المستوطنون المغرر بهم بجد في الرجوع من حيث أتوا بحثا عن الأمن بأي ثمن، قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة: “ولتجدنهم أحرص الناس على حياة يود أحدهم لو يعمر ألف سنة” ولذلك فإن كثيرا من المؤشرات تدل على أن العد العكسي لدولة بني صهيون قد بدأ فعلا.

وعدهم ووعدنا:

مضى وعد بلفور الذي أفضى إلى صفحة سوداء في تاريخ الإنسانية، ولما بدأ أفول بني صهيون يلوح في الأفق، جاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب ليضخ دماء جديدة في ذلكم الكيان الصهيوني، فخرج ترامب على العالم في تحد سافر “للشرعية الدولية” بقرار غاية في الوقاحة يقضي باعتبار مدينة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي الغاصب.

كان الاحتلال فعلا في أمس الحاجة إلى وعد ترامب، وإلى تحقيق اختراق في الصف الرسمي العربي، وهو ما أمنه ترامب قبل الإقدام على وعده الجديد، عندما عبد طريق التطبيع العلني للكيان مع المملكة السعودية والإمارات والبحرين، لتلتحق ملكيات الخليج بركب الانبطاح والتطبيع الذي دشنته من قبل مصر السادات والمملكة الأردنية الهاشمية، طبعا نحن بصدد الحديث عن التطبيع المعلن والتحالف الصريح مع الصهاينة، وليس تطبيع النعامة المنافق المحتشم أو الذي في طور الإعداد.

تنفس قادة “إسرائيل” الصعداء بوعد ترامب حول القدس، كما استبشروا بتدمير مقدرات سوريا والعراق وإسقاط حكم الإخوان في مصر وهرولة المنافقين نحو التطبيع العلني، لكنهم في غفلة عما تدبره أيادي الأقدار الإلهية، يقال “رب ضارة نافعة”، هيهات هيهات، إن المراهنة على نوم الأمة وموتها إلى الأبد أوهام وأحلام، فقد كان وعد ترمب المتعجرف المغرور بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغليان في الشارع العربي والإسلامي، وتفجير الغضب المضمور في الصدور على الصهاينة وأذنابهم وأعوانهم وخدمهم سواءمن بني جلدتنا أو من خارج الحدود. إنه أوان بداية النهاية للأنظمة المنافقة الخائنة لتاريخ الأمة وهويتها ومقدساتها، وإنه بداية النهاية لزوال الأغلال وذهاب مرض الجبن العضال بحول الله جلت عظمته وتقدست أسماؤه.

هذا هو وعدُنا القرآني النبوي يؤذن بأفول شمس بني صهيون، وكنس تلك الصفحة السوداء، وعدُنا بالنصر والتمكين آتٍ بإذن الله، قال عز من قائل في سورة الإسراء: “فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا” إن الله لا يخلف الميعاد، وقد ورد في صحيح مسلم (2922) من حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ).

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. صدق الله العظيم.

المصدر أحمد حسيسو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.