“مينة” المشردة بمدينة تنغير ليست الوحيدة التي شدتها الآهات بين دفء الأهل والقبيلة ، فرحلت مرغمة للشوارع التي تقاذفتها زواياه بالليل والنهار، فسكنت جنح الظلام لسنوات ..خيمت عليها المحن ،وتكالب عليها الكلاب بالتناوب مبصبصين بذيولهم لاعقين لعبهم نشوة حسب الشارع العام ،فهدموا عفة ، وذبحوا أنفة سكنت دواخلها دهورا مثل باقي الآخريات ، ولم ينفعها لا الصراخ ولا الآهات …أكلت المسكينة المرارة والفراغ ،فشبعت ومشى معها الألم جنبا لجنب ،وهي تعيش على الثواني وتدور مع الزمان.
موت “مينة “حز في نفس كل من شاهدها ولو مرة واحدة قرب مسجد المدينة ،أو بجوار المستشفى او بشارع محمد الخامس أو تحت ” لقواس ” ،حين يشتد البرد كانت تبحث عن لقمة عيش من دكان لدكان ، ومن مقهى لآخر تنقب بين الفضلات ما لذ وتشتهي من البقايا ما طاب …فكم شخصا نهرها ،وكم شخصا عنفها وتحاشا حتى المرور بجانبها ..تجمدت أيامها ومرضت احلامها ، و كان الجوع كل ندائها والريح بعض غطائها حتى الصباح .
“مينة “هي ضحية تفاوت طبقي مقيت ابى ان يرحل عن البلاد لسنوات ،وما تزداد الامور الا تعقيدا ، فلا البرامج ولا الشعارات استطاعت ان تخفف من الوضع البئيس المتأزم الذي تعيشه فئات محرومة من المجتمع ،عاشت اليأس المرير واقتاتت يوميا من التسول ومن التبرعات …وعند الغروب تلجأ لمأوى المشردين في المدينة هربا من الليل القارس ولا تجني غير ابتسامة محتقرة من كل المارين .
لا أحد في المجتمع اكترث لحال المشردة “مينة ” المريضة نفسيا من أب ورث الفقر من المغرب العميق واستقر بإمزيلن بتنغير ينحت الخبز من الصخر بالحفر تحت الأرض وقلما أثار الاهتمام ، لا من المجتمع ولا من رجال السياسة… بل اعتبره الكثير عبئا على الميزانية وعلى صناديق النفقات.،اشعلت مينة صفحات الفيس بوك وكتب الله ربما لها الخلاص بعد ألم المرض بتنغير والرشيدية ،وغادرت الحياة بغصة في الاسبوع الثاني من نونبر 2017 لتترك المغرب للمغاربة والشارع ل “فاطمة” العازبة التي تندب حالها مع أطفال فركوا عمش عين الحياة بالخطأ ، وستتكرر المشكلة نفسها ما دام التناسي متأصلا في سياساتنا التنموية… تعجبك إطلالة السياسيين والمسؤولين بالبرلمان : الرئيس المحترم النواب المحترمون البرلمانيات المحترمات والكل محترم …بل تعجبك أرقامهم المصرح بها في التنمية بملايين الدراهم وملاييرها وتندب حالك حين تنزل للشوارع ،وما حدث بمدينة الصويرة من جديد الا الدليل القاطع على الخلل في السياسات العمومية ، الأرواح مقابل الطحين والزيت ولقمة نقمة العيش اللعينة …
المصدر : https://tinghir.info/?p=31741