كثير هو التطور الإيجابي الذي يقع في مجلس جهة درعة تافيلالت والذي قد وقفت عليه في دورة من دورات المجلس كنت قد حضرتها: إعلان للعموم بتاريخ انعقاد الدورة مفتوحة في وجه الجميع،نقل مباشر لأشغال الدورة على شبكة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي تابعه حوالي 7000 مشاهد،صحافة وإعلام يتصيد خبرا هنا تصريحا حوارا وتضاربا هناك،تزويد كل أعضاء وعضوات المجلس بحقيبة ملفات ضخمة جاهزة كانت قد أعدتها لجن وإدارة المجلس،استيعاب لكل الحاضرين المتتبعين والمهتمين،ليس بالفضاء الفسيح المكيف وحده،ولا بالكراسي الوثيرة والكافية وحدها،بل أيضا بالشاي والعصير والحلويات وكغيرهم من أعضاء وعضوات المجلس؟؟. هذا في الوقت الذي لا يتذكر العديدون منا إلا الحكايات السوداء مع مختلف الهيئات الإدارية والقطاعات الحكومية ومجالسها التي ما كان يعلم أحد بانعقادها حسا ولا خبرا في عهد الحق في الخبر والمعلومة، وما كانت تعرف حضورا ولا تتبعا وكأنها لا تعني غير أهلها وأصحابها،ودأبها الغالب لا مصلحة تقضي ولا أوقاتا وأعصابا تبقي ولا كثير تنمية على أرض الواقع تؤتي؟؟.
دورة عرض رئيسها في البداية على الحاضرين تقريرا إخباريا بالذي حدث وأنجز ما بين الدورتين وكان الشيء الكثير وفي مختلف المجالات،ورغم أنه مجرد تقرير إخباري فقد حظي بمناقشة مستفيضة وبنقط نظام ما كانت لتنتهي لولا التسيير القوي والمرن والحازم في نفس الوقت للسيد الرئيس رغم الغلاف الزمني الماراطوني و المرهق للدورة،دورة سمحت بالاحتجاج المدني المتخافت من المسيرات والوقفات واللافتات إلى مجرد توزيع بيان يتيم من طرف هيئة حقوقية على المقاعد الخلفية في القاعة،برنامج عمل مضبوط وغني كما وكيفا استطاعت ملفاته وشراكاته أن تضخ ميزانيات ضخمة و غير مسبوقة ب 600 مليار في شرايين الجهة الصحية والتعليمية والطرقية والاجتماعية والسياحية والبيئية والرياضية..،لعلها تساهم في نعل بعض أقدام الجهة الحافية وستر بعض عيوبها القاسية وإحياء بعض عيونها الجافة واخضرار بعض مراعيها القاحلة،إذا ما قويت العزائم وخلصت النوايا وتوفرنا على الإنسان الصادق قولا وفعلا وليس على مثل هذا المسخ “الديمحرامي” حقيقة لا ادعاءا، لما عهده من مجرد الضوضاء والبهرجة فقط ومعارضة شخصانية و قبلية حزبية غير شريفة ولا بناءة؟؟.
والذي أثارني أكثر في كل أشغال هذه الدورة أشياء عديدة وقوية طبعا،سياسية واقتصادية نفسية واجتماعية قانونية ونتظيمية وسجالية…،يمكن إجمالها في تلك القارورة المصغرة بحجم كأس أو كأسين من الماء المعدني الذي كان يوزعه المنظمون بسخاء على الجميع أعضاء المجلس والمواطنون المتابعون لأشغال الدورة على السواء،وكأن عينا حارة له قد اكتشفت في الجهة وبدأ استثمارها وإشهارها،أو أن شركة وطنية أو دولية قد تبرعت به عليهم؟؟.”معليهش”،لقد كان المجلس مضيافا سخيا وتقاسم الملح والطعام على عادة المغاربة وأهل الجهة الكرماء مع الجميع المساندين والمعارضين والمتابعين وحتى العابرين والمتفرجين،هذا وحتى جمع من فارغ القارورات البلاستيكية فوق الطاولات وتحت الكراسي وفي المحافظ و الجيوب الكثير الكثير،؟؟.”معليهش”،إنه مجلس أناس يجتمعون على الماء المعدني الصافي الصحي ليفكروا في حل معضلة ومشاكل “دواوير” وسكان لا ماء لهم أصلا،لا في السواقي ولا في الآبار ولا في السهل ولا في الجبل ولا في الصيف ولا في الشتاء؟؟.
“معهليهش”،رغم تراجيدية المنظر ومأساته الملهاة فربما لا يحق لأحد انتقاده،فقط لأن الأمر يهم المنظمين(الممون) وليس الجهة،فوق ذلك صاحبنا الناقد المفترض هذا لم يحضر الدورة أصلا رغم أهمية الموضوع وهو يعنيه،ثانيا ربما لو كان حاضرا لفعل مثلما فعل إخوانه من الحاضرين،خاصة أثناء فترة استراحة الشاي أو استراحة العصير على الأصح،حيث هناك من طلب الشاي ثم الشاي والعصير ثم العصير،وعبأ الحلويات والحلويات في يده وفي جيبه،ثم فعل ذلك في طاولة المشروبات الأولى وانتقل لنفس الفعل في الطاولة الأخرى المقابلة،أما الماء المعدني فقد كان يطلب قارورة وراء قارورة، ويمسك قارورة في يده ويضع أخرى في محفظته وأخرى في جيبه وأخرى وأخرى،حتى أن منهم من خرج وغادر الدورة قبل نهايتها بقارورة مملوءة أو فارغة وكأنها حقه وغنيمته من الدورة و”اللهم قارورة فارغة ولا الجهة تفلت”؟؟.
أنا لا أهرب النقاش ولا أغير الموضوع من الدورة الأساسية ومشاكلها السياسية المعقدة إلى القارورة المائية الثانوية رغم ما تختزله في نظري من أطراف الحكاية كلها؟؟،أنا كالعديدين أقول: إن تغيير وجه الجهة وتنمية أقاليمها الخمسة ممكن فعلا،ولكن بإيجاد الإنسان الجهوي التنموي أولا،وهو مع الأسف ما لا يفرزه بالضرورة نظامنا الانتخابي المعطوب،والذي يلزمك بالانفتاح والتعايش والتحالف وهي أمور ضرورية وجيدة ولكن مع من؟؟:
1- ليس مع الإنسان الذي يحتج في بداية الدورة على تعويضاته وعدم التوصل بدعوته ومصير عضويته ويصر على إقحامها في جدول الأعمال أو على الأقل تسجيل موقف سياسي بها وهي أمر داخلي يمكن تسويته إداريا ليس إلا؟؟.
2- وليس مع الإنسان المعارض من أجل المعارضة،يرى أهليته و أفضليته في مجرد أقدميته السياسية أو قبيلته الحزبية،ويحضر الدورة ليسجل موقفا سياسيا في بدايتها لينسحب بقيتها وكأنه فوق الجميع أو أنه هو هو بذاته الجهة؟؟.
3- وليس مع الإنسان الذي يحضر الدورة ولديه العشرات من الأغراض الموازية على الهامش،يحضر الدورة متأخرا ويغادرها مبكرا،وإن مكث فيها بعض الوقت ف- داخل خارج…خيطي بيطي- وهاتفه الذكي لا يكف عن الرنين المزعج باستهتار؟؟.
4- وليس مع الإنسان الصامت الذي لا يفيد في الدورة بغير انتظار لحظة التصويت الحزبي سواء مع الأغلبية أو مع المعارضة،ومع الأسف هؤلاء مسؤولون عن لجن جهوية وظيفية ولا أدري كم تتطلب منهم من قدرات حوارية وترافعية الظاهر أنهم بصمتهم المطبق لا يتوفرون عليها؟؟.
5- وليس مع الإنسان الذي يطغى على نقاشه الجانب السياسي أكثر من البدائل والمقترحات والتي أبانت هذه الدورة أنه وبكل موضوعية لا يزال بنك البدائل والمقترحات ضعيفا في مجلس الجهة،باستثناء عبقرية وتجربة بعض الأعضاء،والذين يتهمون مع الأسف بالاستفراد بالزعامة وبالمعارضة؟؟.
6- وليس مع سلوك انتهازي ربما، قد لا يهم أصحابه من كل حكايات المجلس و دوراته ومعضلاته ألا أنفسهم وبماذا ستعود عليهم من مكاسب قبل غيرهم،وكم سيجنون وراء كل معضلة وفي كل دورة،فتراهم مذبذبين لا يصوتون إلا بفعل فاعل وعلى من يدفع أكثر أغلبية أو معارضة،كما بينت ذلك الدورة الأخيرة؟؟
ولكن لو رأينا من جهة أخرى،على ماذا سيتجادل أهل الجهة وحكايتهم كلها كحكاية آكلي التمر يقولون وقد وضعوا قصعة تمرهم لينتقوا منها:”..هذه جيدة…وهذه لا بأس بها…وهذه فريدة…وهذه غير مقاسة…وهذه المتبقية…وهذه…وهذه…إلى أن يأتوا على كل شيء…وتقول الجهة الفقيرة هل من مزيد”؟؟.وكذلك مشاريع الجهة تبدأ بالعرض والمناقشة بين الأغلبية والمعارضة والشد والجذب والقيل والقال واللمز والغمز،وعند التصويت يصوت على قبولها الجميع،ليردد الرئيس نغمته ولازمته السمفونية الرائعة:”الإجماع..الإجماع”؟؟.مثلا مشروع إحداث مختبرات التحليلات الطبية المتطورة بالجهة وكيف تمت مناقشته:” لا للقيا بمهام الدولة..لا لتغليف مساعدة الحكومة..لا لسطو القطاعات الحكومية على ميزانية الجهة..الجهة تحتاج إلى مستشفى جامعي بالدرجة الأولى..الجهة تحتاج إلى مستشفيات وموظفين قبل غيرها..هل يكفي “رميد” كمعيار لمجانية التحاليل..ماذا بعد مساعدة الجهة للمواطن بمجانية التحليلات …ومن سيساعده في السفر إلى المصحات والمستشفيات المركزية والإقامات والعلاجات..لا تغطوا الشمس بالغربال فالجهة في حاجة إلى إنصاف مجالي وليس العدالة المجالية فقط..ولكن اللهم العمش ولا العمى”،وفي الأخير،نودي بالتصويت على المشروع فصوت الجميع عليه بالقبول بعدما أمضى المجلس ساعتين أو أكثر من الأخذ والرد العقيم،عفوا من الأخذ والرد “الديمقرطي”وهو حق لازم ولاشك ولكنه من الخطأ أن يقدم الممارسة السياسوية على غيرها فيجعلها بدون أي مقصد تنموي وهو المستهدف في الواقع؟؟،وتحية للعديد من الشرفاء الذين لا زال يتشرف المجلس بالعديد من تضحياتهم وتفانيهم في خدمة مصالح العباد وسمعة البلاد؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=31322