يشكل خطاب العرش محطة مهمة في رسم السياسات العامة للدولة سواء من خلال تقييمها أو رسم خارطة طريق للعمل. وأصبحت الخطب الملكية في الآونة الاخيرة تتميز بلغة جديدة لم تكن معهودة من قبل، لكون هذه الخطب أصبحت تطرح أسئلة وإشكاليات بطريقة مختلفة من قبيل أين الثروة؟ ووصف الحملة الانتخابية بالقيامة، بل وتحمل في طياتها حمولات سياسية واقتصادية واجتماعية بلغة وواضحة.
ويبقى خطاب العرش لسنة 2014 من أقوى الخطب الملكية، والذي عرف بسؤال مصير الثروة، وطرح الملك فيه مجموعة التساؤلات بناء على تقرير البنك الدولي الذي أنجز في 2005 و2010 ، إذ يقول الملك « فقد سبق للبنك الدولي أن أنجز في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة، من بينها المغرب. وقد تم تصنيف بلادنا في المراتب الأولى على الصعيد الإفريقي، وبفارق كبير عن بعض دول المنطقة. » ويضيف العاهل المغربي متسائلا »غير أنني بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتين الدراستين، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي هذه الثروة وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ؟ ».
الجواب الملكي كان واضحا، اذ يقول الملك « الجواب على هذه الأسئلة لا يتطلب تحليلا عميقا : إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة ».
ومن الخطب الملكية التي كانت فارقة ومؤسسة ،ووضعت المؤسسة الملكية على نفس المسافة من جميع التنظيمات السياسية والحزبية، ورفضت أي إقحام لها في الحياة السياسية، الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش. ويقول الملك في هذا الصدد » وبصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيا ر الديمقراطي ، فإنني لا أشارك في أي انتخا ب، ولا أنتمي لأي حزب. فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون.
» الملك لم يقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى دعوة الأحزاب إلى تقديم مرشحين أكفاء، « كما أدعو الأحزا ب لتقديم مرشحين ، تتوفر فيهم شرو ط الكفاءة والنزاهة ، وروح ا لمسؤولية والحرص على خدمة المواطن. فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة للقضا يا والمشاكل الحقيقية للمواطنين. »
وكذلك عبر عن استغرابه من ممارسات بعض الأحزاب، حيث قال : « غير أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيا ت العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف النا خبين ».
وفي سياق الحديث عن الانتخابات وفترة التحضير لها يقول « فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مر شحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعا ت، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب. وهنا أقو ل للجميع، أغلبية ومعارضة : كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة. »
المصدر : https://tinghir.info/?p=30345