لله ذر من أبدع القاموس اللغوي،وقد كان فعلا عبقري زمانه وعرف بسبقه الإبداعي أن اللغة الواضحة الفصيحة في ذلك الزمان سيأتي عليها زمان سيختلف فيها وعليها الناس في نفس الزمان والمكان ونفس الجنسيات والقوميات،وقد يستبدلونها بلغة أخرى غيرها لا يكاد يتفق فيها اثنان على لفظة واحدة مبنى كتابي ومعنى معرفي وسلوكا عمليا وكل يدعي أنه إنما يمتحها وينهلها من نفس المنهل والقاموس المرجعي؟؟.القاموس في الحقيقة وكما يقول الأولون له فوائد عظيمة ومتعددة،فبه نتعرف على الكلمات والمفردات والمصطلحات،وبه نعود إلى المصادر والاشتقاقات والمتشابهات والمضادات،به نتعرف على تاريخ اللغة وتطور الكلام والترجمات،على فصيح المعاني وعاميه ومتخصصه في التشريع والقانون و الطب و الزراعة و السياسة و المعلوميات و غيرها من المجالات؟؟.
لكن سبحان الله، مع حراك الريف هذه الأيام صدقت نبوءة المعجميين ولم يعد للكلام أي معنى ولا للفظ أي مبنى،ولا للموضوع أي دعوى،ولا للوعد أي جدوى ولا…ولا…ولا…؟؟.بل لم يعد بعض الإنسان يتكلم إطلاقا وإذا فعل فبلغة يحسبها المرء صارخة وهي أصمت من صامتة ومن الصخرة المصمتة،وكأنه صدق عليه قول إحداهن:”يقضي الإنسان كل سنواته الأولى ليتعلم مجرد كيفية النطق،فإذا تعلمها قضي بقية عمره ليتعلم كيفية الصمت”،ومن لم يصمت بالرغبة صمت بالرهبة وكأن الصمت علقم والإنسان مناوله،تعددت الأسباب والكؤوس والعلقم واحد؟؟.أنا في الحقيقة،لا زلت مشدوها من أي قاموس يمتح وينهل حراك الريف لغته الكلامية والنضالية والأمنية والعسكرية…،بالتأكيد ليس من أي قاموس عربي ولا قاموس غربي ولا من أي قاموس أحادي المفردات ولا متعدد اللغات،ولا من قاموس ورقي معقد الاستعمال ولا من قاموس إلكتروني سهل الاستعمال…،وإن كان لكل كلام قاموسه المرجعي،فحراك الريف لا قاموس مرجعي له اللهم إذا كان قاموسا جديدا مما يسمونه القاموس”العياشي” أو على الأصح القاموس”العيوشي” وهي من القواميس الجديدة والمثيرة للجدل في المغرب؟؟.
ما معنى أن يكون الإضراب مهما كانت هيئاته والاحتجاج السلمي مهما كانت جماهيره حق دستوري مشروع،ثم إذا همت طائفة من المتضررين بممارسته أشهر في وجههم سلاح الفتنة وقصم ظهرهم بتهمة الخروج عن الجماعة والإجماع الوطني بالانفصال، وكأن الدستور يشرع للفتنة والانفصال ولا يحمي حقوق المظلومين والمحتجين؟؟.ما معنى أن يرفع المحتجون شعار السلمية ويبرهنوا علىيها طيلة سبعة أشهر من عمر الحراك ثم لا يواجه ذلك من قبل الدولة إلا بعسكرة مهولة وأمنية مستفزة بل باطشة بالمسالمين خاطفة للعزل حتى في يوم العيد،زاجة بهم في أتون السجون ومتاهات المحاكم؟؟.هل تعتقدون أن الحراك كان متهورا وخرج بدون أسباب ليعود فقط إذا ما هش عليه الهاشون ودون تحقيق المطالب؟؟،هل تعتقدون أن جدار الصمت والفرجة على الأمور المنحرفة والمصالح المعطلة والحياة المعقدة سيرتفع من جديد بعدما انهدم في المغرب المعاصر؟؟،ما معنى أن تكون كل شعارات الدولة تعلن بتوجهها الصادق والنهائي نحو الاتجاه الكوني من الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والمشاركة في التغيير والمقاربة التشاركية وسياسة وتنمية القرب والجهوية الموسعة بطاقاتها الشابة وعدالتها المجالية…،فإذا هب أهل الريف لممارسة جزء من هذا تبين لهم بالملموس أنهم كانوا سذجا أكثر من مرة،أولا عندما صدقوا بالمواثيق الدولية والمعايير الكونية وهي حقائق موجودة،ثانيا عندما صدقوا ربما بكثرة حبرنا الأسود على الأوراق؟؟.
وقصم ظهر الحراك بل ظهر أنفسهم كل أولائك البلطجة المأجورين وغير المأجورين،وكل تلك الجيوش الإلكترونية من الداخل والخارج الذين لا ينهالون على الحراك ليس بما يشوهه ورموزه الأبطال فحسب بل بما يحرف الحراك عن حقائقه وأهدافه ومطالبه الحقوقية والاجتماعية المشروعة،ويجعله في عراك مجاني وعنادي مع الدولة يعقد المشاكل المطروحة بدل المساهمة في إيجاد الحلول المطلوبة والممكنة في الاستثناء المغربي،ولكن يبقى السؤال هل كل جهود هؤلاء سترفع شيئا من الحقائق الميدانية المطروحة والممتدة يوما بعد يوم في الزمان والمكان،هل جهود هؤلاء وغيرهم وكل الجهود في الاتجاه الخاطىء لديها جواب أي جواب عادل ومنصف عن قاموس الحراك الذي لازال يتدحرج وتكبر مشاكله وتحدياته كل يوم ككرة الثلج،وكل يوم تتولد عنه عشرات من الأسئلة الحارقة والمعاني المحرقة مثل: العسكرة والسلمية؟؟،والوحدة و الانفصال؟؟،الدستورية الحقوقية أم التسلطية الأمنية؟؟،حراك ريفي معزول أم تضامن وطني ممتد؟؟،فتنة دينية أم “توفيقية” توقيفية؟؟،عياشية تحكمية تمييعية أم حرائرية جماهيرية نضالية؟؟،الحكومة مسؤولة عن التشغيل أم المستثمرين الأجانب؟؟،تنمية ميدانية وعدالة مجالية فعلية أم مجرد مشاريع وهمية وتدشينات بروتوكولية؟؟،أحزاب وطنية أم دكاكين سياسية؟؟،حكومة أم عصابة…؟؟.
إن المغرب والحمد لله بلد عريق،مستقر أصيل موحد على الحكمة والحكماء،مجمع على قيادته العليا متشبث بحقه في التنمية والإصلاح،وليس من السهل زعزعة استقراره ولا مؤسساته ولا إجماعه الوطني…،فلا داعي لكل هذا الإرباك الذي هو في الحقيقة ارتباك للذين وراءه وكأننا لسنا على شيء رغم كل تاريخنا العريق الذي يشهد على أن المغاربة حكومة وشعبا شعاع منارتهم دائما نحو الإنصاف والتضامن وهم على عدوهم صخرة صماء تدمي الناطحين،فأنصتوا وأنصفوا واهدؤوا جميعا يرحكم الله،ولا داعي لكل لغة الخشب هذه وهي غير معتادة و لا يفهمها أحد على حد قول الجويين في نشراتهم:”رياح شمالية غربية إلى جنوبية شرقية(فأين ذهبت)،والبحر هائج إلى قليل الهيجان(هائج أو غير هائج)”؟؟، أهل جهة الريف أيضا لهم مطالب اجتماعية وحقوقية مشروعة فلماذا لا تلبى ومطالب كل الجهات الوطنية الأخرى وفق مخطط تنموي وطني شامل وبرنامج ومؤشرات واضحة و رزنامة تنفيذية و حكامة مضبوطة؟؟،والحراك طوال تاريخه كان سلميا فلماذا يعتقل قادته،وإطلاق سراحهم شرط للتهدئة والعدول عن العسكرة والمقاربة الأمنية؟؟،والمجتمع المدني والحقوقي شريك أساسي فلماذا لا يلتفت إلى مبادراته والحراك قد تجاوز السلطة والأحزاب ويعتبرها جزء من المشكل لا من الحل؟؟، فأنصتوا وأنصفوا واهدؤوا جميعا يرحكم الله ولا داعي لكل هذا الإرباك والارتباك..لا داعي لكل هذا الإرباك والارتباك ؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=29824