لم أكن يومها في حالة جيدة جدا ولا سيئة إلى حد كبير ولكني قررت أن أتصل بصديق لي يمكنه مرافقتي لزيارة ذلك المستشفى الملعون من أجل فحص حالتي التي استدعت مني المكوث في المنزل ليلة كاملة دون أن أحظى بقسط من النوم كالعادة وكنت أكثر ما أخشى أن تزيد الحالة سوءا رغم إيماني أن ألم المنزل أرحم منهم.
وصلت وعلى مقربة من تلك البناية السيئة الذكر كانت خطواتي تتثاقل بشكل غير مسبوق وكنت أترنح يمينا ويسارا وكأني قد خرجت للتو من ليلة خمرية صاخبة وواقع الحال أني أصبت بدوار حاد وألام كادت تفقدني توازني أكثر من مرة وحتى مخارج الحروف اختلت هي الأخرى فأصبحت الكلمات تتطاير بالمعاني ودون أي معنى إنه التخبط في أحسن الأحوال.
مررت من الاستقبال بسرعة لأنني لم أعتد على هكذا استقبال في مؤسساتنا ولكن مسؤولا آخر طالب مني الانتظار وإجراءات توقيع استمارة في مكتب الاستقبال فعدت أدراجي من حيث انطلقت لأوقع ما طلب مني للبدء في إجراءات الفحص وانتظار الطبيب الذي لا محالة غير موجود والصمت يحوم في المكان والنظرات كلها يملؤها الحزن.
وأنا واقف انتظر كنت أحتفظ بين الفينة والأخرى بشيء من التركيز أستطيع به التمييز والتحدث مع الآخرين دون أن أتسبب في المشاكل. فكان أول ما رأت عيني فتاة شابة سمراء تضع نظارة وتحمل بين أناملها قلم صغير تتفاعل به مع سماعة كانت تضعها في أذنها وتمضغ علكة وتأمر كل من يحجب عنها بعض الهواء والضوء بالانصراف والانتظار بعيدا وإلا ستوقف خدماتها.
أقبلت عليها منحنيا من شدة الألم الذي يعتصرني من النافذة الصغيرة جدا فخاطبتني بصوت رجولي يشبه تعليمات عسكرية خشيت بعدها أن أفقد صوابي أو أحد أطرافي فتمتمت بقليل من الكلام وكثير من الإشارات وأنا أضع يدي فوق فمي كأني ألتمس منها شيئا من الرحمة. فهمت الفتاة أني أبحث عن الطبيب “فخربشت خربشاتها” فوق ورقة صغيرة وطالبت مني تزويدها بمعلومات شخصية وبعض النقود لصالح الصندوق والتوقيع دون أن أنطق لها بشيء يزعج راحتها.
لم أتردد كثيرا في التفكير فمددت يدي لجيبي ومنحتها كل ما طلبت مستعجلا قبل أن تغضب من تأخري عن دفع التكاليف وأنا أنتظر تسليمي تلك الورقة العجيبة التي بفضلها سألتحق بطابور من المواطنين ينتظرون قدوم الطبيب المسكين الذي يزعجه المئات يوميا ولا يتركونه يستريح لأنهم يمرضون كثيرا ويا ليتهم لا يمرضون.
مُدت إلي الورقة وكَتبت عليها رقما وقالت التحق بالطابور وانتظر قدوم الطبيب كما يفعل هؤلاء فقلت لها شكرا وبحركة كدت أكسر زجاج المكتب بتهور وأنا أحاول أخذ الورقة وسمعت أصوات قهقهة وسخرية من مواطنين كانوا بجانبي أما الفتاة فقد استغربت وألمحت إلي بإشارات استهزاء من تصرفي هذا قبل أن تعيد وضع السماعة وتنشغل بالحاسوب من جديد وكأن شيئا لم يكن انصرفت واعتذرت دون أن ألتقط أنفاسي متوازنة وكدت أختنق.
ما حدث أخجلني فعلا وتمنيت لو انشقت الأرض ساعتها واختفيت دون رجعة أو لو كنت فقيها متمكنا لأحضرت الجن وطلبت منه أن يجعلني أختفي دون أن يراني الإنس المزعج لكن لا شيء من ذلك كان وبقيت أعتصر من الخجل والألم لوحدي وأتساءل لما يحدث كل هذا.
قبل أن أتراجع و ألتحق بالطابور نظرت من حوالي فوجدت نساء وأمهات يحملن رضعا وشيوخا هرمين بهم آثار جروح وألم وأطفال صغار يفترشون الأرض هم وعائلاتهم ينتظرون قدوم الطبيب بينما يوجد حارس هناك غير بعيد يحمل هاتفا يداعبه ويسترق النظرات لفتاة جميلة كانت برفقة عائلتها المريضة بين الفينة والأخرى وقطط كثيرة اتخذت من الظل مستقرا لها وكل ذلك لم تلاحظه عيني لحظة دخولي أول مرة.
تأملت في ذلك المشهد المرير فغالبتني الدموع ومقلتاي تفيضان بشيء مالح تذوقته رغم مرارته وأنا أشكو ضعفي وضعف كل هؤلاء فقلت ما عساي أفعل فقد خرت قواي ولا أملك عليهم سلطة ولا مال ولا أستطيع فعل شيء ولو انتفضت في وجههم لإحقاق الحق لاتهمت بالإخلال بالنظام أو إهانة مؤسسة أو بالأحرى بناية فيتم استدعاء الشرطة للتحقيق معي وبعدها تأخذ الأمور شكلا أخرا أكثر تعقيدا وأنا لست من هواة الإزعاج والمشاكل.
استغربت لماذا يصمت كل هؤلاء ولماذا يغيب كل هؤلاء ولماذا يعاني كل هؤلاء ولماذا لا حيلة لأحد فقررت أن أقطع تلك الورقة وأعود أدراجي للمنزل مريضا متهالكا مفضلا الموت على فراشي كريما ولا حياة مذلة في أسرة المذلة لأنني ربما كنت المريض الخطأ ذلك اليوم….
إمسوس واوال/ القصة غير حقيقية لكنها محاكاة للواقع..
التودغي أبو فراس
المصدر : https://tinghir.info/?p=29693