روائح رمضان العبقة تفوح من كل الأرجاء، وأنواره المتلألئة الفياضة تملأ كل الأنحاء، كل ما في الكون يستبشر فرحا بعودة “الْمُطَهَّر” بعد طول غياب، جاءنا المطهر مرة أخرى، جاءنا بوجهه البشوش يحمل البشرى السارة: بشرى القرب من الله عز وجل، بشرى مغفرة الذنب وتجديد الأوب…بشرى امتلاك زمام النفس والزج بها في فيوضات الأنوار الربانية اللامتناهية…
تَرِقُّ القلوب، وتقترب بأجنحة الشوق من علام الغيوب، ويصبح للقرآن حضور قوي في حياة المؤمن، ويصبح للموعظة أثر وسياق ومساق…ويصبح للروح استعداد للارتقاء في مدارج القرب من الواحد الديان…
حري بنا أن نستحضر هذه النعمة العظيمة التي تدل على عظيم فضل الله عز وجل علينا…
حري بكل من فتح الله بصيرته أن ينصح للآخرين مبشرا ومنذرا: أبشر برمضان كفى به نعمة… وحذاري من أن تكون ممن ينكر الفضل، وينسى الإحسان …
لا تنكر فضل الله عليك، إذ أحياك وأبقاك وأطال عمرك إلى أن بلَّغكَ رمضان… كثيرون هم أولئك الذين حُرِمُوا هذه النعمة… يُعَدُّونَ بالعشرات بل بالمئات أولئك الذين اخترمهم هادم اللذات ومفرق الجماعات قبل أو قُبَيْلَ رمضان… كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يقسمون العام شطرين، شطر أول يملأونه بدعاء: “اللهم بلغنا رمضان” … وشطر ثان يرددون خلاله: “اللهم تقبل منا رمضان” …
أن تُبَلَّغَ رمضان، فهذا من فضل الله عليك… يلزمك أن تسجد له حمدا وشكرا، وأن تكثر من ذكره قياما وقعودا وعلى جنبيك، وأنت ترتشف من رحيق الإيمان الذي يملأ الزمان والمكان، وأنت تنصت كل حين لأصوات المؤذنين تنتظرها بفارغ الصبر آلاف الحناجر المهتزة شوقا لجرعة ماء أعذب من العذوبة نفسها، وأنت تملأ خياشيمك من أريج الفيوضات الربانية العطرة المتدفقة من كل البيوت ومن كل الزوايا، وأنت تستهدي بالأنوار الملائكية المنبعثة من كل عوالم الغيب والشهادة…
حري بنا أن نستحضر فضل صفوة الخلق سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله علينا… إذ لولاه لما اهتدينا… ولبقينا في غياهب الضلالات ومتاهات الظلمات، حقيقة أدركها عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذئذ، وصاح بملء فيه: “فإنه الآن والله لأنت أَحَبُّ إلي من نفسيّ!”، فيؤشر الحبيب صلى الله عليه وسلم قائلا: “الآن يا عمر!”…حري بنا أن نكثر من الصلاة والسلام عليه، فالصلاة عليه نور، وهو نور بمنطوق القرآن الكريم: “لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام”…
لا تكن منكرا جميل والديك اللذين تعهداك بكامل الرعاية والعناية… لا تنكر جميل أمك التي حملتك وهنا على وهن وفصالك في عامين… لا تكن منكرا جميل والدك، لطالما تعب لترتاح، وسهر لتنام، وتحمل أذى الآخرين ليوفر لك ما أنت في حاجة إليه… لا تنس ما أسدياه إليك مذ كنت (ضعفا) لا تقوى على شيء…
لا تكن منكرا جميل أهلك وأقربائك وجيرانك… تحملوا إذاياتك، وتغاضوا عن هفواتك، وتناسوا حماقاتك وفظاعاتك … تحملوها صامتين، كاظمين الغيظ لا خوفا منك، ولا طمعا في عطاياك، ولا حرصا على سمعة، ولا طلبا لرضاك… بل تقربا إلى الله عز وجل …
لا تنس فضل من فتح لك بابه عندما أغلقت في وجهك الأبواب كلها، من ابتسم في وجهك عندما أعرض عنك جميعهم ذات يوم، من أسدى إليك كل النصائح والتوجيهات عندما تركوك حائرا ذاهلا في مفترق الطرق، من واساك بكلمة طيبة وضمك إلى صدره بعدما فقدت قريبك …
اغتنم نسمات هذا الشهر المبارك… اغتنم نفحاته “إن لربكم في دهركم نفحات”… واعترف لله بجميله عليك، واجعل كل أمورك، وكل تصرفاتك من أجل إرضائه “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”…
اعترف للحبيب المصطفى بفضله عليك، أكثر من الصلاة والسلام عليه، واجعل سيرته قائدك، وحاديك ومرشدك في عباداتك كلها، وفي معاملاتك الرمضانية كلها… كان عليه السلام أجود من الريح المرسلة في رمضان، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر …
واعترف لوالديك بفضلهما عليك… قَبِّلْ يَدَيْهٍمَا كل صباح واغتنم صحبتك لهما، الزمهما … واخدمهما برموش عينيك، وبأطراف أناملك عسى تفوز برضاهما …
واعترف لأقاربك ولجيرانك وأصداقائك بالفضل والجميل… فقد قال عليه الصلاة والسلام: من لا يشكر الناس، لا يشكر الله.” …
وكل رمضان وأنت إلى الله أقرب … دامت لك حلاوات الطاعات، ومسرات القربات…
المصدر : https://tinghir.info/?p=29110