عبد الحكيم الصديقي
رحم الله الأديب نجيب محفوظ حين كتب يقول: “ليست الحقيقة قاسية، ولكن الانفلات من الجهل مؤلم كالولادة”، سبب ورود هذه الحكمة الخالدة يأتي في سياق الرد على المدعو حميد الصالحي الذي لم يأل جهدا في تلطيخ صورة الصحفيين بتنغير بفقرتين متهافتتين مضمونا ومعنا، ضمن مقالة ركيكة الأسوب واللغة عنونها بعنوان: بعض غرائب « الصحافيين » بتنغير، مقالة تفتقر إلى أبسط آليات التحليل والبناء والتركيب ولا أراها تنتمي إلى أي جنس صحفي، ولا حتى الكتابة النقدية التي تهدف إلى كشف الحقيقة معتمدة على منهجية الأدلة والبراهين والحجج القاطعة، كل ما في الأمر أن صاحبنا أضاف غبار جهله ليزيد في سمك الغطاء الموضوع على نور حقيقة الحدث وتمثلاته وتمظهراته، وهذا يدل على ضحالة علمه وفهمه وقراءته للحدث إلى جانب أخطائه اللغوية الفاضحة.
هذه الصفات حين تجتمع في عقل فهي تزري به لتضعه في مزبلة التاريخ، فالجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، ولأن الإنسان أوودع فيه قوة إدراكية، لذلك إذا بحث عن الحقيقة وصرح بها مهما كانت نتائجها أكد إنسانيته، فإن تركها وراء ظهره معتمدا على هواه وتخميناته النزوية وميولاته الأنانية ورغباته السكولوجية وانتماءاته الأيديولوجية نزل عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به. ولأن مقالة صاحبنا تجتمع فيها تلك العيوب فلا أجد أين يمكن تصنيفها أو ضمن أي نوع من الكتابة هي؟، فلا أجد لها سوى المدرسة”البرناسية”، والمنتمون إليها إنما يكتبون لغاية أو لغرض هو الكتابة نفسها لا غير.
إن تأويل الشيء على خلاف ما هو عليه يعد من أكبر الأدلة على الجهل المركب، والبحث عن الحقيقة من زاوية الوصف المطابق للواقع مع الدليل والبرهان والحجة لهو غاية البحث العلمي، وبرهان على العقل المتنور، والناقد البناء، والكاتب اللوذعي، فحينئذن يكون للكاتب ولكتاباته قيمتها العلمية بما تنقله من دقائق الحقائق أو تفصيلها أو تحليلها أو تعليلها أو تبريرها.
أضحكني كثيرا حين بدأ يقدم دروسا للصحفيين التنغيريين، الذين أفنو سنوات من أعمارهم في الكتابة الصحفية، ومن خلال تأملي في درسه اتضح لي قمة جهله بالصحافة وأجناسها رغم أنه حاول توظيف جنس من أجناسها، إذ لم يفرق بين معنى جنس الخبر أو التقرير “القصة الإخبارية”، أو التحقيق، أو الحوار أو الرأي أو غيرها من الأجناس. فقد جمع الكل في سلة واحدة، فماذا بقي للجهل إذن؟.
ثم عاد صاحبنا في مقالته تلك إلى توزيع التهم المعلبة على الصحفيين، ودليله في ذلك الإشاعات المروجة، محاولا تبرئة ذمة الفاسدين والمستبدين، والمتسلطين على رقاب المواطن التنغيري، وجاعلا من نفسه ناطقا رسميا باسم الجماهير التنغيرية والرأي العام، عجبا عجبا، غالبا ما تكون مثل هذه الذهنية متصلبة ومحدودة الأفق، تتحكم فيها الأيادي الخفية، فكل حركة نضالية أوفكرية نقدية للوضع تعتبر في نظرهم إثما يستحق العقاب إما بالنبذ، أو السخرية، أو التخوين..إلخ، وهذه بعض مظاهر التماهي بالمتسلط، يقول الدكتور مصطفى حجازي: “التماهي بالمتسلط يشكل أحد المظاهر البارزة في سعي الإنسان المقهور، لحل مأزقه الوجودي والتخفف من انعدام الشعور بالأمن، والتبخيس الذاتي الذي يلحق به من جراء وضعية الرضوخ، إنه كحل عبارة عن هروب من الذات وتنكر لها، وهروب من الجماعة وتنكر للانتماء إليها، من خلال التشبه بالمتسلط وتمثل عدوانيته وطغيانه ونمط حياته وقيمه المعيشية، إنه استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المتسلط ونظامه آملا في الخلاص”. “التخلف الاجتماعي، ص: 123”.
هنا تثور أسئلة من قبيل: ما العيب وما الإشكال في أن يشارك الإعلامي الحر والصحفي المواطن في مسيرة احتجاجية يطالب من خلالها بتغيير الوضع المزري الذي يعرفه قطاع الصحة بتنغير؟ أليس مواطنا؟، ثم ما هي مبررات المدعو الصالحي التي يمكن أن يبرر بها عدم تواجده في المعركة النضالية؟، لماذا لم يشارك في توجيه المسيرة ولم يعبر عن رأيه إلا بعدها بزمن؟، ألا يمكن أن نفهم من ذلك أن هناك تواطئا بينه وبين جهات معنية وظفته لتغليط الرأي العام وقلب الطاولة على الحدث؟.
يحز في النفس أن نجد مثل هذه النماذج على الساحة، ويحز في النفس أكثر أن تكون من أبناء المنطقة. ويحز في النفس أضعاف ذلك أن يصدق مثل هذه التراهات أناس آخرون.
عبد الحكيم الصديقي، رئيس فرع الاتحاد المغربي للصحافة الإلكترونية بتنغير.
المصدر : https://tinghir.info/?p=2890