قالها الشاب العربي المسكين،وهو يركن في مقهاه الشعبي يحتسي كالعادة فنجان سادته المرة،على نثرات نرجيلته التي يتداول سمها الزعاف بين الزملاء،وهم بين ضوضاء لاعبي النرد والورق ومشجعي “البارصا وباري سانجرمان”،يتابعون نتائج الرئاسيات الفرنسية على شاشة المسائية وهم مشدوهون إليها أكثر من تشريعيات بلدانهم التي تزامنت معها؟؟،أعلنت الصحفية المذيعة على الشاشة رسميا فوز المرشح الفرنسي الشاب “إيمانويل ماكرون”39 سنة بالانتخابات الرئاسية الفرنسية،وقبل أن تخوض الإعلامية مع ضيوفها في الموضوع قال الشاب معلقا:”أواه..داها “ماكرون”..برافو على la jeunesse،هنيئا..هنيئا”،قال زميله الذي بجانبه:”إذا كان “ماكرون”هو الشباب فمن نكون نحن،وإذا كنا نحن الشباب فمن يكون هو”؟؟،وكانا ينظران إلى زميلهما الثالث وهو ينثر دخان نرجيلة الزفت وهو يتطاير معه في عالم آخر،فقال:”أنا خاطيني la politique،خاطيني صداع الراس”؟؟.
“ماكرون”الشاب الرئيس والرئيس الشاب،يعني أن الرجل كان له طموح ورؤية،عزم وإرادة،خبرة وتجربة،برنامج وإدارة،مشروع وتعبئة،مواطنة وإبداع،مواجهة وأنصار وانتصار..؟؟، “ماكرون”الشاب الرئيس والرئيس الشاب،يعني أن الرجل قد وصل وتعدى كل معيقات الشباب المعاصر،لم يدخل في دوامة يأس أو قنوط،ولا في متاهة سفسطة وسفاسف أوقعود،ولا في انحراف ومخدرات وغرق أو جمود،الرئيس من حسن حظه أكمل دراسته ولم يهدرها،ومارس أشغاله وتقلب في مناصبها،وانخرط في السياسة ولم يجمد ويقلد فيها،واليوم لن يعاني مثلنا من البطالة واحتجاجاتها المكسرة للعظام والمسيلة للدماء،ولن ينتظر من الآباء والأصدقااء ليمنوا علينا ببعض مصاريف الحمام والحلاقة،ولا من الأبناك الديون والقروض وضغوطات أقساطها وضرائبها،ولا من العنوسة والحرمان العاطفي لا استقرارها وكوابيسها،ولا من البحث عن شقة السكن نذرتها واستحالتها،الرجل وأهله سيسكنون “الإيليزيه”أفخم قصر تاريخي في فرنسا،وقد وفر لهم الشعب كل الخدم والحشم والحراس والمواكبين والمستشارين،والمخططين والمبرمجين وكل فرق العمل وبكل اللوجستيك الشخصي والمؤسساتي دون انخراط حر أو ملزم أو أداء رخيص أو باهض،مقدم أو مؤجل؟؟.
لا يقولن أحد أين شبابنا من هذا الشاب الفرنسي النموذج والسياسة التي صنعت منه رئيسا على يفاعته وآمنت بقدراته واقتنعت بمشروعه السياسي وسلمت له مقاليد الحكم في البلد وفيها من الشيوخ والحكماء والأثرياء والزعماء ما فيها؟؟،ونحن الذين لا يسمع لصوتنا ولا يستجاب لمطالبنا ولا تدعم مشاريعنا الجمعوية ولا مقاولاتنا التعاونية،رغم ما لدينا من طاقات شابة والحمد لله، ورغم ما نتمتع به نحن الشباب العربي من شهادات جامعية عليا وديبلومات مهنية شتى،ليس الماجستير والدكتوراه فحسب بل نتمتع أيضا بالكثير من الخبرات الاجتماعية المدنية و العديد من الرؤى السياسية والتجارب الرئاسية،ليس رئيس جمعية أو جماعة بمجلس بلدي أو قروي إقليمي أو جهوي فحسب، ولا رئيس مندوبية أو مديرية أو أي قسم في وكالة أومقاطعة أوباشوية..، بل رئيس وأي رئيس،رئيس جمعية أو جماعة،أو ورشة أو تعاونية،أو حتى فرقة رياضية أو جوقة نحاسية أوعصابة إجرامية أو خلية داعشية..؟؟.وكما أن “إيمانويل”ليس وحده الشاب الواصل في الغرب،ولا ندري ماذا سيفعل معه الفرنسيون الجدد بفرنسا ولا بالأجيال الثانية والثالثة من أبناء المهاجرين ومهمشي الضواحي وهم الذين ساهموا في صعودهم وتمكنهم من القرار الفرنسي،والذي سيقررون فيه على مدى خمس سنوات قادمة،في الشأن الداخلي لفرنسا على تعقده (الهوية القومية والمتمثلة في مبادىء الجمهورية والتي هي العلمانية ومبادىء الثورة عقيدة الفرنسيين و هي الحرية والأخوة والمساواة) وعلاقاتها الأوروبية والدولية على أهميتها وخطورتها(الاقتصاد والأمن والتعايش ومحاربة التطرف والإرهاب)،شأن البلاد ومصير العباد إذن بيد الرئيس الشاب،ولكن ليس على بياض بل على دفتر تحملات واضح وضوحا هزم أعتى الطروحات الحزبية التقليدية اليمينية واليسارية على السواء،هذا إن كان هناك في الأصل حق ليترك أحد مصيره في يد غيره،وهل ترك “ماكرون”مصيره حتى الانتخابي في يد غيره؟؟.
على أي ليس هناك”ماكرون”واحد في فرنسا وحدها،بل هناك “ماكرونات وماكرونات”بالعشرات والمئات إن لم يكن بالآلاف والآلاف في بريطانيا وفي إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفي الكيبك و أمريكا وعند النمور الناهضة في شرق لآسيا وفي كل بلد غربي أو شرقي متقدم،ونحن أيضا كذلك،لا نرى شبابنا والحمد لله رغم عبث العابثين وتهور المتهورين،والبعض يحسبهم لا يستطيعون حتى سماع أنفسهم ولا التغيير حتى في أوضاعهم فبالأحرى أوضاع غيرهم؟؟،نحن على العكس،لا نراهم إلا وكأنهم لم يخلقوا إلا لممارسة السياسة وتحمل المسؤولية ليس في القاع المجتمعي وحده،بل ربما أيضا في الشركات والوكالات والمؤسسات والجامعات والبرلمانات والحكومات الأجنبية،المهم هو تشجيع ممارسة الشباب للمسؤولية ولو بالوكالة،ولو في مشاريع وبلدان الآخرين؟؟،وذلكم السؤال.. وذلكم السؤال،سؤال لكل الساسة العرب وما يدعونه من سياستهم البالغة العناية بالشباب،وسؤال في نفس الوقت إلى الشباب العربي وكيف يمكنهم الاستفادة من ملحمة “ماكرون”ويحررون أنفسهم من هذا الخناق ويرسمون لهم منه ومن تجربته الأمل والعمل سبيل انعتاق،ذلكم السؤال.. وذلكم السؤال ؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=28574