ظللت أتردد على مكتب المفتشية التابع للمديرية الإقليمية للتربية والتكوين بتنغير منذ يوم الإثنين ثالث عشر من شهر فبراير لسنة 2017 للميلاد، تاريخ التوصل بقرار إنهاء مهامي التوجيهية بالقطاع المدرسي المسند إلي، القرار كان قد وقعه قبل ذلك مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة درعة تافيلالت في اليوم السابع من الشهر نفسه.
للتذكير فإني أذهب إلى المكتب المذكور بناء على تكليف شفوي غير مبني على أية وثيقة تحدد العنوان ولا المهام المنوطة بي؛ مكثت على هذه الحالة إلى يوم الإثنين ثالث أبريل من نفس السنة الدراسية طبعا.
ثم جاء الفرج…
الحمد لله، جاء الفرج ! لقد نودي علي إلى المديرية لاستلام رسالة أخرى من الأكاديمة تخبرني بسحب القرار المشؤوم وإلغائه.
حسنا، كان الأسبوع الذي أستقبله عطلة دراسية في الجهة المعنية، جهة درعة تافيلالت، هي إذن فرصة لزيارة أهلي الذين فرق المخزن بيني وبينهم، فقد تعذر علي البحث عن سكن جديد، ونقل أبنائي المتمدرسين إلى مدينة تنغير، خصوصا بعد مضي جزء زمني كبير من السنة الدراسية، فمنهم تلميذة بالابتدائي، وتلميذ بالجذع المشترك العلمي، وآخر يتابع دراسته بالجذع المشترك للتعليم الأصيل بمدينة ورزازات، وأختهم الكبرى بكلية ورزازات، ناهيك عن عدم وجود الكلية ولا التعليم الأصيل بمدينة تنغير.
ثم استبشرت من جانب آخر، إذ فتحت لي الرسالة الجديدة الأمل في التعبير عن الرغبة في المشاركة في الحركة الانتقالية عبر البوابة الإلكترونية التي أعدتها الوزارة في الشبكة العنكبوتية.
جل زملائي الذين تم سحب إعفاءاتهم، لم تمض يومين أو ثلاث حتى جاءهم الإعفاء هذه المرة من الوزير بن المختار مباشرة، وألغت لهم المديرية الإقليمية وثيقة التعبير عن الرغبة في الحركة الانتقالية، أما أنا فقد تمت المصادقة على وثيقيتي على مستوى المديرية.
كنت أتوقع في كل لحظة، أن أتوصل بالإعفاء الوزاري على غرار كافة الزملاء، لكن العطلة مرت بسلام.
اليوم 10 أبريل 2017م، انتهى أسبوع العطلة، باشرت العمل بالقطاع المدرسي، وأنجزت عدة أنشطة وازنة ولله الحمد وله المنة في إطار الإعلام والمساعدة على التوجيه خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء 10، 11 و12، توجتها بعروض عن التحفيز وتحقيق التميز لفائدة تلاميذ وأساتذة الثانوي التأهيلي بثانوية ألمدون بجبال إمكون على بعد مسافة حوالي 50 كيلومترا، قد لا أبالغ إن قلت بأنها من أخطر الطرق على صعيد قطرنا الحبيب، عروض لاقت تجاوبا واستحسانا كبيرين، تجلى ذلك في المناقشة والحوار الجادين الرائعين الذين أعقبا العروض، ذلك من فضل الله، النجاح والتجاوب وبشر استقبال التلاميذ والأساتذة الذين عبروا عن فرحتهم بزوال الحيف الذي طالني، كلها أمور أنستني صعوية الطريق الجبلية الضيقة و منعرجاتها المتعبة، ذهابا وإيابا، بسيارتي الخاصة، وبدون أدنى تعويض، تقبل الله…
ومن القطاع المسند إلى المشاركة في قافلة الإعلام والمساعدة على التوجيه، التي نظمها أطر التوجيه بالمديرية الإقليمية، إذ تم وضع برنامج القافلة أثناء فترة إعفائي، لكن ذلك لم يمنعني بعدما تم سحب القرار المشؤوم من المشاركة الإيجابية معهم فيها جنبا إلى جنب في جو أخوي رائع.
يوم الخميس 13 أبريل، نحن في ثانوية بومالن التأهيلية، وصبيحة يوم الجمعة الموالي استقلنا سيارة المديرية وسافرنا عبر طريق غاية في الخطورة أيضا إلى جبال امسمرير قصد تمكين تلاميذ التأهيلي هناك بالبلدة من الاستفادة من عروض القافلة.
وهناك جاءت المفاجأة…..
بينما نحن نعد العدة لاستقبال التلاميذ جاءتني مكالمة هاتفية من المديرية تحمل خبرا صادما، نعم كانت الصدمة هذه المرة أقوى وأشد شؤما مما كان عليه الأمر من ذي قبل، هذه المرة، جاء الإعفاء من وزير التربية والتكوين، وخاب رجائي في الحركة الانتقالية…
تأخر إعفاء الوزير بن المختار، بعد سحب قرار مدير الأكاديمة علي براد لمدة 11 يوما، على خلاف زملائي الذين لم تدم فرحتهم بسحب قرارات الأكاديميات أكثر من يومين أو ثلاث، فساورني الأمل في الإبقاء على هذه الحالة حتى تنتهي فصول الحركة الانتقالية على الأقل، والانتقال إلى مدينة ورزازات بجوار الأسرة، وحينذاك إن جاء الإعفاء فسيكون وقعه أخف، فالتكليف بمهام إدارية بمديرية ورزازات لن يكلفني الكثير، لن أبحث عن كراء سكن جديد، لن أفرق أبنائي فينتقل معي البعض إلى تنغير، ويبقى البعض في مدينة ورزازات لضرورات دراسية…
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينة رجائي، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
حاولت التكتم على الخبر بين ظهراني أصدقائي في القافلة رغم بعض الاضطراب الذي بدا علي، وقد لاحظه بعض الزملاء، إلى حين إنهاء العروض، لكن المديرية في شخص أحد موظفيها اتصلت أيضا بالإطار المكلف بالقافلة فأخبرته بأن الأستاذ أحمد حسيسو تم إعفاؤه من جديد من مهامه مستشارا في التوجيه التربوي، وأن عليه مغادرة المؤسسة مباشرة !!! لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم….
كان ذلك يوم الجمعة رابع عشر من شهر أبريل، ونحن على بعد 110 كيلومترا من مدينة تنغير، أكثر من نصف المسافة جبلية وعرة ضيقة، حادة الصعود والهبوط، كثيرة المنعرجات الخطيرة، وعلى حافة الوادي السحيق…
والحمد لله على أن زملائي لم يبدوا تخوفا من مرافقتي إيابا في المساء في سيارة المديرية ! نعم فعلا، لو كانوا جبناء لفروا مني فرار الناس من الأجرب، ولسعوا للتخلص مني لأبحث عن وسيلة نقل أخرى بعيدا عنهم، كيف لا وقد جاءت التعليمات بأن علي مغادرة المؤسسة لحظة وصول فاكس إعفائي إلى المديرية ! ولقد علمت أن بعض الناس من أطر المنظومة التعليمية كان يمنعهم الخوف من نفس المصير إذا هم تواصلوا معي ولو هاتفيا للتعبير عن تضامنهم ومواساتهم !… مساكين… يا حسرة على العباد… أليس هذا إرهاب نظام، وإرهاب دولة؟؟
وكان علي الانتظار إلى يوم الإثنين 17 أبريل ليتأتى لي المجيء إلى المديرية الإقليمية…..
اليوم 17-04-2017 كان يوما استثنائيا آخر من يوميات أستاذ موجه تعيس بما يدبره المخزن من مكائد للذين أبوا الركوع إلا لله…. أتسلم وثيقة الإعفاء موقعة من الوزير بن المختار بتاريخ 3 أبريل 2017م….
الطريف غير الظريف هو أنه نفس تاريخ صدور رسالة إلغاء الإعفاء الصادر عن الأكاديمية الجهوية !!!
إفهم ما طاب لك أن تفهم أيها القارئ الكريم، وافهم إن استطعت أن تفهم شيئا، كل ما أنا عليه خلال أسبوعين أحلام، وكل تلك الرسائل المتقاطرة علي مهنئة برفع الحيف خلال الفترة الممتدة من 3 إلى 17 أبريل مجرد أوهام…
ففي الحقيقة لم يرفع عني الإعفاء ولو يوما واحدا، إنما تأخر وصول المراسلة الوزارية لأمر ما !
7 فبراير: إعفاء صادر عن الأكاديمية، والتوصل كان يوم 13 فبراير….
3 أبريل: فاكس سحب قرار الإعفاء المذكور …..
3 أبريل نفسه: توقيع قرار إعفاء وزاري، والتوصل تأخر إلى يوم 17 أبريل من نفس السنة دائما 2017م….
في غفلة مما تحيكه خفافيش الظلام، كنت أصول وأجول وأجوب الفيافي والقرى والجبال، أبذل الجهد، وأرجو الله سبحانه وتعالى القبول…
الآن حصحص الظلم، تسلمت وثيقة بن المختار، تقول لي بأن المصلحة العامة تقتضي منك مغادرة منصبك في القطاع المسند إليك ! وتسلمت وثيقة المديرية التي دلتني على مكتب المفتشية بتنغير، حيث علي القيام هناك بمهام إدارية، وتسلمت المفاتيح…
ماذا بعد؟ ماذا بعد هذا المآل، لقد منع أعضاء العدل والإحسان من ولوج المجال العسكري وشبه العسكري، الأمني والدركي، ومنعوا من التوظيف في الداخلية وفي القضاء، ومنعوا من التأسيس، بل ومن الوجود في الجمعيات والنقابات والأحزاب، ثم تم ترسيبهم في امتحان ولوج وظيفة التربية والتكوين، وها هم يقصون من مهامهم بعدما بذلوا جهودا مضنية في الدراسة وتحقيق التفوق، أليست الوظيفة حقا للجميع، مستحقا بالجهد والكفاءة والمردودية؟ ما دخل الرأي السياسي في الاستحقاق الوظيفي والكفاءة المهنية؟
إلى أين يريد واضعوا ومدبروا هذه المخططات الخرقاء والتصرفات الحمقاء، غير المحسوبة العواقب، أن يرسلوا هؤلاء المقصيين من كل شيء، المطرودين من كل باب؟ هل إلى الانحراف، أم إلى المخدرات، أم إلى السرقة، أم إلى داعش؟ أم ماذا؟؟؟
الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها….
من أراد للبلاد والعباد خيرا نسأل الباري جل جلاله أن يوفقه لكل خير، ومن أراد بالبلاد والعباد شرا فنسأله جل في علاه أن يحفظنا من كيده ويكفينا مكره خبثه وشره، آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين….
المصدر : https://tinghir.info/?p=28015