ملامح حزينة ووجوه بئيسة وعلامات الفقر والتهميش… تلك صور ومظاهر اجتماعية تأخذ الأنفاس، وهي أولى المشاهد التي تشد انتباه الزائر للجماعة القروية إكنيون بإقليم تنغير.
وبالرغم من مرور أربعة وثمانين عاما على معركة “بوكافر” الشهيرة التي خاض غمارها أبناء أيت عطا، من أجل الانعتاق من أغلال الاستعمار، ما زالت هذه الجماعة لم تنل بعد حقها في التنمية، وما زال سكانها يعيشون على هامش الوطن.
تعتبر جماعة إكنيون من المعاقل الحصينة لمقاومي أيت عطا الذين واجهوا الاستعمار الفرنسي سنة 1933، من أجل حماية الوطن والدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية؛ إلا أن ذلك لم يشفع لأبنائها وأحفادها وكذلك للمنطقة لتجسد بها مشاريع تنموية؛ وهو ما جعل الساكنة تتهم الدولة في كثير من المرات بتجاهل مطالبها وانشغالاتها ومعاناتها.. وضع شاذ يؤجج علاقة الجماعة بمختلف مستويات التدبير الترابي؛ وهو ما يساعد على استمرار تعميق بؤس وشقاء الساكنة المحلية.
وتبقى جماعة إكنيون، التي تقع ضمن النفوذ الترابي لإقليم تنغير، تقبع في مؤخرة الجماعات الأكثر فقرا بجهة درعة تافيلالت، حيث لا يزال سكانها يتنفسون الفقر ويلتحفون التهميش والعزلة، فهي لا تزال تتخبط في عزلة قاتلة وتعاني من مخلفات التهميش التي فرضتها السياسة الممنهجة من قبل الجهات المنتخبة المتعاقبة على تسيير الشأن المحلي، وكذا عدم اهتمام القطاعات الحكومية بهذه المنطقة، ما حرمها من عدة مشاريع تنموية؛ فلا طرق مدت ولا مشاريع اجتماعية أو ثقافية دشنت، بالرغم من احتضان ترابها لأكبر مناجم المغرب إيرادا.
مركز الجماعة
تتميز الجماعة القروية إكنيون، التي تعني “التوأمان” باللغة الأمازيغية، الواقعة على الحدود الترابي لإقليم زاكورة من جهة الشمال، بطابعها الجبلي.
وقد كانت هذه الجماعة شاهدة على المعارك التي خاضها مقاومو ومقاومات قبائل أيت عطا ضد المستعمر الفرنسي الغاشم سنة 1933، في سبيل الدفاع عن الوحدة الترابية وحماية المقدسات وكرامة الوطن.
وبالرغم من التطور الكبير الذي عرفه النسيج العمراني بهذه الجماعة والمناطق المجاورة لها، ما زالت تعاني ويلات غياب مشاريع تنموية.
وتضم هذه الجماعة حوالي 50 دوارا مترامي الأطراف، ولها مؤهلات بشرية وسياحية وفلاحية، يمكن استغلالها للمساهمة في الدفع بعجلة التنمية؛ غير أن كل هذا لا يخفي حقيقة نقص المرافق العمومية وغياب برامج لتهيئة مركز الجماعة الذي يعد هو واجهتها.
وقفت هسبريس، خلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها بذات الجماعة، على جملة من الانشغالات التي لا يزال قاطنو مركز جماعة إكنيون والدواوير الواقعة تحت نفوذها ينتظرون جميع المتدخلين محليا وإقليميا وجهويا ومركزيا، من أجل التكفل بها من خلال إدراج وتفعيل البرامج والمشاريع التنموية التي تأخرت بهذه المنطقة بشكل كبير.
حالة طرق متدهورة
الزائر لهذه الجماعة يدرك، منذ الوهلة الأولى، المعاناة التي يرزح تحتها السكان القاطنون بترابها، حيث لا يزالون يتجرعون مرارة العيش في ظل انعدام أدنى متطلبات الحياة الكريمة.
وحسب تصريحات متطابقة أدلت بها مجموعة من النساء لجريدة هسبريس، فإن معاناة الساكنة تعود إلى العقود الماضية؛ فلا يمكن التنقل من دوار إلى آخر بوسائل العصر الحديث، بل تحتاج في كثير من الأحيان إلى دواب، والتفكير في يوم رحلة الى مركز بومالن تعتبره الساكنة يوما في الجحيم.
وتعد الطرق والمسالك من أكبر المشاريع التنموية التي تنتظرها الساكنة المحلية تجسيدها على أرض الواقع، بالرغم من أن بعضها انطلقت بها الأشغال، مثل الطريق الرابطة بين إكنيون وتنغير، أو الطريق الرابطة بين إكنيون وزاكورة؛ وهو ما يضع الدولة في تحدّ كبير لتوفر لهذه الساكنة ما تتطلبه للحياة الكريمة والاستقرار وعدم الهجرة نحو المراكز.
مشكلة الطرق تعتبر الشجرة التي تخفي الغابة؛ فكل دقائق الحياة بالمنطقة مرتبطة بهذه الشرايين الطرقية التي يعود تشييد معظمها إلى مرحلة الاستعمار.
“لا مشاريع أنجزت بالمنطقة.. ولا مسؤول بالحكومة زارها… كلشي مشغول علينا ونساو بالي كاينين ناس عايشين فهاد المنطقة”، كلمات أطلقتها سيدة وعلامات الحزن على وجهها، مضيفة في تصريحها للجريدة أن المنطقة ستبقى على حالها لا طرق ستنجز ولا مستشفى سيشيد ولا تنمية تلوح في الأفق، مؤكدة أن المنطقة ستعيش أربعا وثمانين سنة أخرى من التهميش والإقصاء الممنهج في حق هذه المناطق شبه المنسية.
وأضافت المتحدثة أن غياب المسالك والطرق المعبدة من مركز إكنيون في اتجاه بعض الدواوير البعيدة بحوالي 50 كيلومترا يعيق تنقل السكان، للوصول إلى الأسواق والإدارات العمومية لقضاء أغراضهم، حيث تكون تلك الطرق والمسالك في فصل الشتاء غير صالحة للاستعمال، مطالبة في السياق ذاته المسؤولين بضرورة النظر الالتفات إلى معاناة الساكنة وأخذ مطالبهم بعين الاعتبار.
صحة عليلة
المستشفى المحلي حلم قديم ما زالت ساكنة إكنيون تنتظر تحقيقه وتشييده بمكان المركز الصحي الحالي، الذي تصفه بـ”محطة الاستراحة”، نظرا لغياب تجهيزات طبية كفيلة لتقديم العلاجات لفائدة المرضى المتوافدين عليه من كل جهة، خاصة أن المنطقة عرفت في السنوات الأخيرة توسعا عمرانيا وكثافة سكانية كبيرة؛ وهو ما يستوجب من الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي بإقليم تنغير التفكير في بناء مستشفى محلي قريب من المواطنين الذين يضطرون إلى التنقل إلى بومالن دادس وتنغير والرشيدية وورزازات، مما يزيد من معاناتهم وآلامهم.
لحسن ايت امحند، منتخب جماعي سابق في عقده الثامن، أوضح أن النساء الحوامل بمنطقة إكنيون هم الأكثر تضررا من غياب المستشفى المحلي وغياب دار الأمومة.
وأشار المتحدث، في تصريحه هسبريس، إلى أن بعض الدواوير تبعد عن مركز الجماعة القروية إكنيون بحوالي 50 كيلومترا، دون ربطها بالمسالك المعبدة لتسهيل عملية التنقل بينها وبين المركز؛ وهو ما يجعل الحياة هناك صعبة كما أن “المواطنين سئموا من الوضع الحالي للصحة باكنيون”، يشدد المصدر ذاته الذي أبرز أن الساكنة “أضحت لا تتحمل هذا الوضع الذي يكلفهم عناء كبير للنقل إلى مستشفيات الأقاليم المجاورة، من خلال المصاريف الإضافية التي يدفعونها يوميا”، وفق تعبيره.
من جهتها، ذكرت المسماة “عائشة. ت”، التي صادفتها هسبريس أمام المركز الصحي لإكنيون، أن “الصحة بالمنطقة تحتضر؛ فالنساء الحوامل يضطررن إلى التنقل إلى تنغير أو بومالن دادس، لوضع حملهن مما يزيد من معاناتهم ويعمق آلم جراحهن”، متساءلة عن الأسباب الحقيقة لعدم الاهتمام بمنطقة إكنيون في بعض القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والطرق.
شباب مُهمش
الشباب، بدورهم، يعانون مشاكل البطالة وغياب مرافق للترفيه، بالرغم من مرور عقود من الزمن على إحداث الجماعة الترابية إكنيون، التي ما زالت لم تجد لنفسها مخرجا، خاصة في ظل سياسة التهميش واللامبالاة التي تنهجها الدولة في حق أبناء “صاغرو”.
واستنادا إلى تصريحات الشباب، فإن كل ركن من أركان الجماعة يئن في صمت بعيدا عن أعين المسؤولين، خاصة أن المنطقة تفتقد إلى العديد من المرافق العمومية، ناهيك عن البطالة التي نخرت أجساد الشباب الذين يجهلون مصائرهم المستقبلي، ليبقوا في قوقعة وبيئة منعزلة ولغياب الوعي وارتفاع نسب الهدر المدرسي بها.
وفي السياق ذاته، أكد ناشط جمعوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن نسبة البطالة بالمنطقة جد مرتفعة إلى جانب ارتفاع نسبة الهدر المدرسي؛ وهو ما جعل الشباب يقعون فريسة في أيدي مجموعات من المنحرفين، حسب تعبيره.
وقال المتحدث ذاته إن “الوضع بالنسبة إلى الشباب لم يتغير منذ عقود ومع تعاقب المجالس المنتخبة والحكومية”، مضيفا “أن العديد من الشباب لا يجيد القراءة والكتابة لمغادرتهم مقاعد الدراسة باكرا ويعانون من البطالة التي نخرت أجسادهم ومنهم من أسعفه الحظ للهجرة إلى الخارج”، حسب تعبير المتحدث.
وتابع قائلا: “وما زاد من تدهور وضع الشباب، الذي راح ضحية الآفات الاجتماعية من جهة أخرى، غياب مرافق ثقافية وشبابية من شأنها توعية الشباب وفتح الآفاق أمامهم”، مؤكدا أن الجماعة تفتقر إلى مثل هذه المراكز التي تعتبر متنفسا لصقل مواهبهم.
للجماعة رأي
من جهته، قال لحسن ادومز، نائب رئيس الجماعة القروية إكنيون، إن المنطقة عرفت، في السنوات الأخيرة، تطورا نسبيا وانطلاقة مشاريع تنموية همت المجال الطرقي، مشيرا إلى أن الجماعة لا تتوفر على إمكانات مالية كفيلة بالاعتماد عليها في تجسيد مشاريع ذات الوقع الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة.
وأضاف المسؤول الجماعي ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن الجماعة القروية إكنيون هي من بين الجماعات التي وصل فيها الربط بالماء والكهرباء حوالي 96 في المائة من الساكنة الواقعة تحت نفوذها، مذكرا بأن المكتب الجماعي على علم بالنقائص والخصاص الذي تعاني منه المنطقة في مختلف المجالات، وهو ما سيتم الاشتغال عليه في اطار برنامج عمل الجماعة، حسب تعبير المتحدث.
وعن إحداث مستشفى محلي باكنيون، قال لحسن ادومز إن “الجماعة تدافع، منذ مدة ليست بالقصيرة، على إحداث هذا المشروع الاجتماعي بالمنطقة وبناء دار الأمومة لتخفيف معاناة المرضى والنساء الحوامل اللواتي يضطررن للذهاب إلى بومالن وتنغير”.
وطالب المتحدث “جميع المتدخلين، محليا ومركزيا، برد الاعتبار لهذه المناطق التي عرفت ركودا في مختلف المجالات من خلال إنجاز مشاريع ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة”.
وجواب عن سؤال طرحته جريدة هسبريس متعلق بالاتهامات الموجهة إلى المجلس من قبل الساكنة، حول فشله في تجسيد مشاريع تنموية بالمنطقة وعدم قدرته على تدبير الشأن المحلي، قال المسؤول الجماعي: “ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الجماعة لا تتوفر على موارد مالية كافية لإنجاز برامج تنموية”، مسترسلا “الجماعة ما زالت تؤدي الديون لصندوق تنمية الجماعات، الذي مكننا من سلف لتزويد الدواوير النائية بشبكتي الماء والكهرباء”.
وفي الأخير، قال لحسن ادومز إن التنمية بمنطقة “صاغرو” لا يمكن إحداثها دون مساهمة جميع القطاعات الوزارية، مشددا على ضرورة إنصاف منطقة صاغرو “مهد قبائل آيت عطا”.
بين هذا وذاك، لا يحق لنا أن ننشد مستقبلا مشرقا وجزءا من تاريخنا في عمق المغرب تمحوه العزلة والتهميش في كل وقت وحين.
المصدر : https://tinghir.info/?p=27124