كلما دخلت إدارة من إدارت مدينتي الصغيرة تثير انتباهي ملصقات كتبت عليها عبارة بالعامية المغربية تحذر من التعاطي للرشوة نصها هو :”واياكم من الرشوة”، وهو ما يجعلني صراحة أشعر بغير قليل من الانفصام والخداع والكذب الذي تحبل به هذه العبارة/اللغم، بل إنها تجعلني أتساءل بمرارة لا تعادلها مرارة: هل يكفي أن نوظف مثل هذه العبارات السطحية الساذَجة للحد من آفة تنخر مجتمعنا نخرا؟ ما معنى أن نزين جدران إداراتنا بملصقات تحذر من الرشوة وقد استقر في عقلنا الجمعي أن “الرشوة” شرط لازم للحصول على أبسط حقوق المواطنة، بل إنها مفتاح لفتح كل الأبواب التي يرادُ لنا أن تغلق إلى حين، ولإضفاء شرعية على ظلم أغتصب من خلاله حقوق جيراني وأقاربي، ولأثبت للمجتمع المريض أني قادر على جعل الممنوع ممكنا، والحرام حلالا، والبعيد قريبا، والمضحك/المبكي فعلا أن المواطنين الأعزاء صاروا يتداولون في جلسات سمرهم أنباء عن مقادير الرشوة الواجب التسلح بها قبل اقتحام عقبة من العقبات الإدارية المستعصية، بل إنهم يتفاخرون بأنهم يمتلكون من المال ما يمكنهم من شراء الذمم وإخراس كل الألسنة المحتجة المعترضة.
كلمة صدق أوجهها لكل من يهمه الأمر:
_أولا: اعلم أيها المسؤول الذي أقسم ذات يوم واضعا يده على المصحف الشريف بأنه سيكون مخلصا لدينه ووطنه، أن أول من يحتقرك ويهينك في قرارة نفسه وأمام الملأ هو ذلك المواطن الذي بدا أمامك حَمْلاً وديعا مسالما وهو في حقيقة الأمر حيوان شرس مفترس، لأنه سَلَّمَكَ ما سلمك من رشوة ليبرر ظلمه وعدوانه على حقوق الآخرين. واعلم أيضا أنك بهذا سلوك لا تهين نفسك فقط، بل إنك تهين فئة المثقفين المتعلمين كلهم لأنك تجعلهم لقمة سائغة تلوكها ألسنة العوام الأميين الذين لفظتهم المدرسة ذات سنة لأن غباءهم منعهم من مواصلة المسير، فأنت تعطيهم فرصة التنفيس ورد الاعتبار بل والانتقام من أولئك الذين كانوا يحتلون المراتب الأولى معتدين بجديتهم ومواظبتهم ونبوغهم وتفوقهم.
_ثانيا: اعلم أيها الموطن المخادع الحقود الظلوم الضعيف الهش أنك تغتصب حقوق إخوتك المواطنين بهذه الوسائل الحقيرة، وأنك بذلك تطعم أهلك حراما وتكسوهم حراما فأنى يستجاب لك، وأنك تناسيت أن “كل لحم نبت بالحرام فالنار أولى به”، واعلم أيضا أن “دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب”، وأن الله عز وجل أقسم معزيا ومواسيا المظلوم قائلا: “والله لأنصرنك ولو بعد حين.”، هذا المظلوم الذي سيخادعه المسؤول المرتشي إرضاءً لك، سيجد أبواب المحكمة الإلهية مفتوحة في وجهه باستمرار، سيقدم شكواه بلا واسطة ولا محام لأحكم الحاكمين، وأعدل القضاة، إلى من حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، فافهم!!
_ثالثا وأخيرا، اعلم يا من يتوهم أنه بمثل هذه العبارات الجوفاء الرخيصة يحارب ظاهرة التعاطي للرشوة، أنك نسيت أو تناسيت أنه ليس ثمة أبلغ ولا أجمل ولا أقوى من كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو يحذر كل أطراف هذه الجريمة القاتلة من التمادي في تعاطيها، يقول عليه الصلاة والسلام: “لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما”[لأحمد في مسنده عن ثوبان، حديث صحيح] ، واللعنة في كلام العرب تعني الطرد والإبعاد على سبيل السَّخَطِ، وذلك من الله تعالى عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره. قال الله تعالى: “ألا لعنة الله على الظالمين”[هود/18]، “والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين” [النور/7]، “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل” [المائدة/78]، و”يلعنهم اللاعنون” [البقرة/159]. ونقول: لعنه أهله: طردوه وأبعدوه، وهو لعين طريد. وقد لعن لله إبليسَ: طرده من لجنة وأبعده من جوار الملائكة.
صفوة القول، إنه لا معنى للحديث عن الحكامة والمحاسبة والافتحاص والنزاهة والشفافية وغيرها من العبارات الرنانة في غياب الوزاع الديني الذي يدعونا لأن نسمي الأشياء بمسمياتها بعيدا عن كل تمويه أو خداع أو شبهات، والذي يفرض علينا استحضار وتمثل الوحي الإلهي قرآنا وسنة مطهرة لفضح وكنس القمامات والأمراض التي تنخر أوصال المواطن التنغيري الذي أصبح سيء السمعة حتى في أوساط إدارات أقرب المدن إلى مدينته الوديعة الوقور (الرشيدية، ورزازات)، لسبب وجيه مفاده أنه “عندما صمت أهل الحق على الحق، اعتقد أهل الباطل أنهم على حق.”
المصدر : https://tinghir.info/?p=26182