Ad Space

ويظل وطني تاجا رغم المعاناة

admin
اقلام حرة
admin16 فبراير 2017
ويظل وطني تاجا رغم المعاناة
لحسن أمقران

بعد أن نجح “ربيع الثورات” في كسر جدار الصمت الذي خلفته سنوات الرصاص في بلادنا، رغم محاولات المصالحة النسبية مع انتهاكات الماضي فجر هذه الألفية، أصبح الخروج إلى الشارع للمطالبة بأشياء والتنديد بأخرى تقليدا شبه يومي تشهده مختلف المناطق عبر كل ربوع الوطن، ممّا يجعلنا أمام ظاهرة اجتماعية تستحق منّا وقفة لاستقراء الوضع ومحاولة فهمه.

عندما نتحدث عن المغاربة فإننا نتحدث عن مجتمع سواده الأعظم يغلّب العاطفة في المواقف والأحكام ويظل عبدا مملوكا للميولات والنزوات، مجتمع يتميز بالاندفاعية والانفعال، ويسود فيه التهور والارتجالية وعدم الانتباه الى الجدوائية ومضاعفات الأمور، تحركه الهيستيريا الجماعية ولا يطيق التأمل والمنطقة وفق تصور موضوعي واختيارات ذكية.

إن الخروج إلى الشارع في مسيرات والتجمهر أمام المؤسسات الرسمية وقطع مئات الكيلومترات للأسف أصبح “موضة” نتيجة التجاهل وسياسة الأذن الصمّاء للدولة، “موضة” تقترب من التطبيع بل من الابتذال، مما يستوجب إعادة النظر في مثل هذه الاختيارات التي سرعان ما تنطفئ دون تحقيق أدنى الأحلام حتى لا نقول الحقوق.

إن المخاطب هو “الدولة”، وهذه “الدولة” كائن “هلامي” غامض ومتشعب، فهي تعرف جيدا كيف تمتص الغضب ولها في ذلك أساليب خاصة وتقنيات دقيقة تتجاوز بكثير تقديرات المنظّرين لهذه الأشكال الاحتجاجية، وهي تعرف متى تتدخل للتحاور ومتى تتجاهل ومتى تهدّد، متى تخترق ومتى تصفّي الحسابات مع متزعمي هذه الأشكال.

. ما رأيناه ونراه هذه الأيام في ربوع الريف اﻷشم يحتاج منا جميعا، باعتبارنا مواطنين ومسؤولين، إعادة ترتيب الأوراق بشكل أكثر تعقلا ومسؤولية، يجب على الدولة أن تعي أن المقاربة اﻷمنية الصرفة لن تجدي نفعا للعديد من اﻷسباب، فالريفيون –وبما لا يحتمل الجدل- عانوا من قبل من انتهاكات وتجاوزات سابقة جعلت “ليّ أعناقهم” وفق هذه المقاربة أمرا مستبعدا، بل إن من شأن هذا السلوك الذي يعمد إلى استعمال القوة أن يشعل اﻷوضاع أكثر فأكثر، ويهدد بخروجها من تحت السيطرة اﻷمنية.

الشخصية الريفية عموما “تتضايق” من شيء إسمه السلطات ﻷسباب تاريخية محضة، وعلى الدولة أن تتفهّم ذلك وتبحث عن طرق أذكى تتعامل بها مع هذه الحاﻻت النفسية، عوض فتح الباب على مصراعيه أمام كل اﻻنزﻻقات التي يصعب التنبؤ بمستقبلها.

يجب على الدولة أن تكون جادة في تعاطيها مع مطالب الشعب الواقعية والمنطقية، والريف -ولو أني لست ريفيا- يحتاج أوﻻّ الى ثقة في الدولة، ثقة أولى لبناتها القطيعة الصادقة مع ماضي اﻻنتهاكات، عبر رفع كل أشكال اﻻستثناء التي ينظر بها إلى الريف، خاصة وضع مدينة الحسيمة ضمن المناطق العسكرية. الريف –حسب تقديري الشخصي- في أمس الحاجة بالدرجة الأولى إلى مستشفى جامعي يخفف من معاناة سكان هذه الربوع من شبح السرطان الذي يؤزم الوضع النفسي أكثر فأكثر، وهو مطلب مشروع بالنظر إلى أعداد ضحايا هذا المرض الخبيث. هما إذا مطلبان بسيطان لكنهما أساسيان ويبقى ما دونهما مطالب نشترك فيها جميعا، من توفير البنية التحتية والخدمات العمومية واﻻصلاحات السياسية ومراجعة السياسات اﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية لتحقيق تنمية حقيقية وشاملة.



aid

. نمرّ إلى “مشاة” أنركي بجهة بني ملال والذين قطعوا قرابة مئة كيلومتر على اﻷقدام أو يزيد، ليس مطالبين بجعل بلدتهم عاصمة للبلاد، أو ربطها بالمحيط اﻷطلسي، بل ليبلغوا والي ورئيس الجهة أن يحتاجون إلى “نواة إعدادية” لتعليم بنيهم، إنه العبث والتخبط بكل المقاييس!!! لقد مثّل المسؤولون في هذه الجهة بجثة كرامة هذا الوطن أشنع تمثيل حينما عجزوا عن إيجاد حل لمثل هذه النوازل البسيطة، أين أنتم من المسؤولية؟ من التواصل؟ من التفاعل؟ من اﻹقناع؟ من الحلول اﻵنية التي يفترض أن تبدعوها تخفيفا من اﻻحتقان؟ أليس هنالك سلطات تربوية تتوفر على إحصائيات المتعلمين ومدى حقّهم في مؤسسة تربوية قريبة من سكناهم؟ أليست هذه السلطات قادرة على توفير مؤسسة ولو مؤقتة ﻻحتواء الوضع في انتظار حل جذري؟ ماذا عسانا نقول للعالم لو حاصرت الثلوج “المشاة” وماتوا أفواجا بسبب البرد؟ أليست مهزلة من الدرجة الأولى تجعلنا أضحوكة أمام العالم؟

أكاد أجزم أن هناك من يريد بوطننا سوءا، يفعلون كل شيء من أجل ﻻ شيء، وعلى حكماء الوطن أن يدخلوا على الخط ليجنّبونا ذلك، يجب على الدولة أن تتوقف عن ابتزاز مواطنيها بإسم “مصلحة الوطن”، وعلينا نحن المواطنين أن نقدّر هذا الوطن ونقدّسه، وأﻻّ ندع مطالبنا تكون سببا في الكفر به والمساس بوحدته.

أكثر من ذلك يجب أن نتجنّد ضد كل الطروحات اﻻنفصالية التي تهادنها الدولة الرسمية، هذه الأخيرة التي يبدو أنها لم تستفد من أخطائها فيما يخص ملف الصحراء المغربية خاصة الحقوقية في تعاملها مع مطالب المواطنين، لأن مقاربتها الأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان هي ما يدفع إلى نرفزة الشارع وتأجج الأوضاع، إن الوحدة لا تكون بفرض النموذج اليعقوبي وتركيز الثروات والاستثمارات الموجهة للتنمية في مناطق دون غيرها مقابل تهميش وتفقير أخرى وحرمانها من أبسط شروط الحياة.

يجب أن تعي الدولة أن هناك في أقاصي المغرب مهمشون منسيون يتعين إنصافهم، ومن حقهم أن يكون لهم نصيب من رأسمال الدولة الذي لا يغادر مثلث طنجة-فاس-البيضاء، إلا ليهاجر إلى أعماق إفريقيا لأسباب جيو-سياسية وضريبية تبقى قابلة للنقاش، جميل أن نستثمر ونتعاون ونتضامن وننفتح على غيرنا، لكن يجب أن نستحضر أن أوضاع ذوي القربى من مواطني الهامش تستلزم بعد النظر .

نحن مع كل حراك مجتمعي مسؤول، وطنيّ ومواطن، حراك الفكر والعقل، يكفينا ما سمعنا من التصفيق والشعارات الجوفاء، آن الأوان أن تتغير التكتيكات والاستراتيجيات، نحن في حاجة إلى ثورات فكرية لا “ثورات” الهستيريا الجماعية والمواجهات المجانية، على الدولة أن تصغي إلى مواطنيها وتتفاعل معهم، وتستجيب لمطالبهم كلما كانت واقعية ومنطقية، وتكف عن سياسة اﻷذن الصماء، وتزجر كل مسؤول أبان عن التقصير واللامسؤولية في التعاطي مع المواطنين.

بالقدر ذاته، يجب أن تكون الدولة حازمة مع بعض “الفوضويين” الذين يستفيدون من تأجيج اﻷوضاع بشكل مباشر أو غير مباشر، يجب على المواطن  أن يحترم سلطة المؤسسات ويعي أهميتها، الدولة هي المسؤولة الأولى عن تقصير المسؤولين وتعسفاتهم وشططهم، عنما ندد المغاربة بطحن المواطن “محسن فكري” فإنما نددوا بالسلطة التي استقوى بها ذلك الآمر لإعطاء ذلك الأمر، فلو كان هنا احترام ولو قليل لروح المسؤولية ولربطها بالمحاسبة لما تجرأ على إصدار أمر أرعن يعبر عن تبخيس للمواطنة واحتقار لها، وهنا، يتعين على الدولة التدخل بحزم وإحقاق الحق بكل صرامة وموضوعية، واحترام اﻻختصاصات والتشريعات وسلطة وخصوصا استقلالية المؤسسات.

في الختام، يجب أن تعمل الدولة على تغيير ثقافة المواطن –الموبوءة- التي اكتسبها من تجاربه، تلك الثقافة التي تعتقد أن تحرك الدولة والتفاعل مع آمال وآلام المواطن لن تتحقق بالطرق “الحضارية” و”الراقية”، بل مرهونة بقوة ووزن “تحرك شعبي” يغلي في الشارع، هذا دون أدنى اعتبار لحجم  المطالب التي تبقى في أحايين كثيرة، بسيطة، مشروعة تتمثل في العيش الكريم والكرامة في أدنى تجلياتها، في وقت يفترض أن تجسد فيه الدولة قيم المواطنة الكاملة والإنصاف.

المصدرلحسن أمقران

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.