أشعبو بواد مكون ..”مضيق الموت” الذي نجا فيه “الوزير بوشنتوف” و من معه بأعجوبة!

admin
2017-02-14T22:03:46+01:00
آخر الأخبارمحلية
admin14 فبراير 2017
أشعبو بواد مكون ..”مضيق الموت” الذي نجا فيه “الوزير بوشنتوف” و من معه بأعجوبة!

تخفي مرتفعات إغيل نومكون بإقليم تنغير وراءها مجموعة من الأسرار و تحتفظ لها بكنوز سياحية يعتبر بعضها من أخطر و أجمل المناطق الطبيعية التي تستهوي السياح و المغامرين من المغرب و خارجه,ولعل أشهر هذه المواقع السياحية التي تجمع بين جمال الطبيعة و خطورتها في الآن نفسه,مضيق أشعبو بوادي مكون حيث تنتشر العيون المتفجرة ماء زلالا,صافيا,كعيون أفسفاس و عيون أفلفال أين تلفظ جبال مكون سائلها العذب ليمنح الحياة لآلاف البشر و الحيوان و الطير و الشجر المختلفة ألوانه و أنواعه و المصطف بعضه وراء بعض كصفحات كتاب تبحث عمن يقرأها و يسبر أغوارها !

mello5845555
يقع مضيق أشعبو في وادي مكون على بعد حوالي 50 كيلومترا إلى الشمال من قلعة مكونة في اتجاه إقليم أزيلال و تحديدا بين بلدتي أكرزكا و تيغانمين التابعتين لجماعة إغيل نومكون و يعتبر هذا المضيق من الوجهات السياحية التي تجذب محبي المغامرة و عشاق السياحة الجبلية من مختلف الجنسيات الهاربين من صخب المدن و جلبتها,اللاجئين إلى المناطق الوعرة و خشونتها طلبا للهدوء و الراحة و التحدي.

و مضيق أشعبو هذا أو مضيق “تين ووتشي” كما يسميه أهل المنطقة و التي تعني وقت صلاة المغرب,في إشارة منهم إلى الظلمة التي يعرفها على طول اليوم,لأن الشمس لا تصله,عبارة عن جزء صغير من عدة خوانق و منعرجات طبيعية تمتد لأكثر من ستة كيلومترات مما يجعلها تحتل الريادة كأطول المضايق في الجنوب الشرقي المغربي إن لم نقل في المغرب كله.و يشتد ضيق هذه الخوانق إلى ثلاثة أمتار أو أقل على طول حوالي ثلاثين مترا في المكان المعروف بأشعبو أو تين ووتشي.

كان أشعبو و ما يزال ممرا إجباريا للكثير من سكان المنطقة الراغبين بالسفر من و إلى أيت بوكماز إما مترجلين أو باستعمال سفن الجبل(البغال),وهكذا و نظرا لأهميته التجارية و تفاديا لخطورة الفيضانات التي توقف الحركة لأيام فقد أبدعوا في بناء طريق معلقة شبيهة إلى حد كبير بطرق جبال الهمالايا المعلقة و الخطيرة لربط بلدة أكرزكا ببلدة تغزوت (أوزيغمت) و تعرف هذه الطريق باسم “أسدرم”,إلا أنها اليوم صارت شبه مهجورة و لا تستعمل إلا نادرا من طرف بعض المشاة لأنها لا تقل خطورة عن أشعبو نفسه نظرا لتآكلها و عدم قدرتها على التحمل.

تزداد خطورة مضيق أشعبو خاصة في حالات الفيض التي تنجم عن أمطار فجائية في العالية تنفجر بها السماء على تلك الصخور الصلدة,فتتحول في رمشة عين إلى سيل جارف يأتي على الأخضر و اليابس,الجامد و المتحرك و يقلب عالي كل شيء سافله فتصبح فرصة النجاة و الفرار من الموت في هذا “المضيق الضيق جدا” منعدمة تماما و يصير “الداخل إليه مفقودا و الخارج منه مولودا”.و رغم خطورته,إلا أن مضيق أشعبو-كما أسلفنا-يعد واحدا من المواقع السياحية التي لا يمكن أن تخطيئها أقدام الزائرين لتلك الربوع,ممن يصدق عليهم قولنا “كل خطير مرغوب”,لذلك نجد الشركات السياحية المتخصصة في السياحة الجبلية تدرجه كمحطة أساسية ضمن برامج رحلاتها.

مضيق أشعبو و الذي يمكن وصفه بمضيق أو مصيدة الموت,عرف أحداثا مأسوية كان ضحيتها سكان محليون أو سياح أجانب حاصرتهم أو جرفتهم مياه الفيضانات مع ما تجرف,و أخير ضحايا هذا المضيق و ليس آخرها كانوا سياحا فرنسيين و سويسريين حوصروا لساعات في نونبر من 2014 قبل أن تحل طائرة هيلكوبتر لإنقاذهم لأنهم من “العرق الآري” و لحسن حظهم أن المياه داهمتهم قبل ولوجهم أشعبو و إلا لكانوا ماتوا هناك بالجملة!

من أشهر الأحداث المؤلمة التي كان أشعبو مسرحا لها و التي مازالت الذاكرة الجماعية لسكان إغيل نومكون عامة و سكان أيت مراو و أكرزكا خاصة و حتى ساكنة أيت بوكماز موشومة بها,حادثة موت عنصرين مرافقين لموكب مخزني رفيع المستوى كان في زيارة سياحية للمنطقة ذات صيف من1991و هي الحادثة التي تعرف عند أهالي المنطقة ب “أسكاس ن بوشنتوف” أي “عام بوشنتوف”,في إشارة إلى من يصفونه ب “الوزير بوشنتوف” الذي كان يترأس هذا الموكب و الذي يحتمل أن يكون هو بليوط بوشنتوف عمدة الدار البيضاء في ذلك الوقت و رجل الأعمال المعروف و أحد مؤسسي حزب الحمامة أو ابنه خالد بوشنتوف صهر الملك الراحل الحسن الثاني و زوج الأميرة للا أسماء,و ما يرجح صحة الاحتمال الثاني أن بعض الروايات الشفوية المتداولة في المنطقة تجمع على أن إحدى الأميرات الملكيات كانت حاضرة ضمن ذلك الموكب دون أن تحدد اسمها و قد تكون للا أسماء أو إحدى أخوات الحسن الثاني,بل إن هناك من يتداول بأن المرحوم الحسن الثاني نفسه كان حاضرا في الموكب و لكن بشكل متخفي !!

و لقطع الشك باليقين فيما يتعلق بحضور الحسن الثاني من عدمه انتقلنا إلى دوار إسومار للقاء ابراهيم أيت يوسف من مواليد 1952 و أحد المرافقين للوفد المخزني فأكد لنا أن هذه الرواية-رواية حضور الحسن الثاني- لا أساس لها من الصحة و أن أصحابها هم ممن يحبون الزيادة و المبالغة و التضخيم في رواية الأحداث إما ممن لا شغل لهم يشغلون به أنفسهم أو من الراغبين في إضفاء طابع الشهرة و التشويق و “الغرائبية” على “حادثة بوشنتوف”,أما عن حضور إحدى الأميرات الملكيات فلا يستبعد أيت يوسف ذلك,مؤكدا أن ثلاث أو أربع نساء على الأقل كنا حاضرات في تلك الحادثة!

و من الأسماء التي كانت حاضرة إلى جانب “الوزير بوشنتوف” في هذه النزهة التي تحولت إلى مأتم و حدث مأساوي مازال الكبار يحكون  عنه للصغار,يتذكر أيت يوسف:”القايد ميمون”(كان قائدا على قلعة مكونة) و “الطبيب بوصالح” و مخزنيان أحدهما يلقب ب “أوطوف”(و هو من أيت بوكماز) و” موح أوحماد”(مقدم دوار بوتغرار حينها) و “لحسن أمركاس”(الذي كان مرشحا لدوار إسومار) و محمد أمورغن(رئيس جماعة إغيل نومكون حاليا و أخ حساين أمورغن شيخ مشيخة أيت حمد في ذلك الوقت),حماد أزروال(رئيس جماعة قلعة مكونة حينذاك,حضر معهم إلى دوار إسومار ثم عاد أدراجه),موح أيت موخا(الملقب بالشمندر),داود أزروال و حمو أوتاتوبانت(قضيا في الحادث),لحو أفراجي,أوتاكا,علي نايت لحو و باها نايت لحو,حماد أوبدي.

و بخصوص الروايات التي تروج لحضور أحدهم باسم”عزيز الوزاني” وتقدمه على أنه “أختار ن لامن”أي “كبير الأمن” أو “لقايد ن لامن”أي “قائد الأمن”,و الذي نفترض أن يكون هو “عزيز الوزاني” الذي كان يشغل آنذاك منصب المدير العام للأمن الوطني,فلا يستبعد ابراهيم أيت يوسف حضوره قائلا”إن الكثير من العناصر حضرت مع الوزير بوشنتوف و لا أحد منا كان يعرف أسماءها أو هوياتها و مهنها أو يسأل عن ذلك,لأن مهمتنا كانت تقتصر على أداء “لكلفت” التي كلفنا بها”, و يضيف:”في مثل هذه الأحداث المأساوية المباغتة كما في الحروب تتداخل التفاصيل و تتضارب الروايات حد التناقض,فحتى الذين لم يحضروا تجدهم يتحدثون بثقة حتى يخيل إليك أنهم عاينوا الحدث بأم أعينهم,و لكن ما أكده لك أن الموكب كان فعلا رفيعا و كانت تظهر عليه مظاهر الأبهة  و الفخامة و “الوزير بوشنتوف”كان حاضرا,كما أؤكد لك أن الأمر لم يكن يتعلق بضيوف أو سياح عاديين,و الدليل على ذلك أن عناصر المخزن استنفرت و معها أعوان الداخلية من شيوخ و مقدمين و مرشحين لمرافقة و خدمة الوفد و أعطيت الأوامر لتكليف كل دوار يصله الوزير بتوفير الطعام و  المرافقين و البغال للموكب حتى يصل إلى الدوار الموالي فيتكلف به و هكذا دواليك إلى أن يصل إلى وجهته التي قيل لنا إنها كانت زاوية أحنصال,كما طولب من النساء إطلاق الزغاريد كلما حل الموكب بدوار من الدواوير”.


يحكي أيت يوسف عن ذلك اليوم الرهيب قائلا:”كان الجو صحوا و معتدل الحرارة يغري بالرحلة و المشي,فانطلقت الجماعة من أيت مراو حوالي التاسعة أو العاشرة صباحا,تغذينا في دوار أكرزكا ثم أخذنا وجهتنا نحو أشعبو و كان الوقت حوالي الواحدة بعد الزوال,إلا أن العالية كانت تقول شيئا آخر,إذ ما لبث أن قصف فيها الرعد قصفا مدويا و ما هي إلا لحظات حتى انهمرت السماء و تدفق السيل بأمواجه المضطربة من تلك الجبال و بدأت معركة هائلة أدركت بعض الركب في أشعبو فسحبته هو و بغلته مع ما سحبت من أشجار و جذوع و أحجار,فتحول السفر إلى صراع مع الموت,فرأيت الأعناق حينئذ تحاول الفرار بجلدها من موت محقق !!”

نجا “بوشنتوف” بأعجوبة من الحادث بعدما وقع من على فرسه كما سلم أغلب من كان معه من “شخصيات رفيعة”,في حين لقي مرافقين مصرعهما و هما ” المدعو “داود أزروال” و “حمو أوتاتوبانت”من أيت مراو كما قضت ثلاث بغلات في الحادث من ضمن إحدى عشرة بغلة جرفتها السيول.

و يرجع أيت يوسف سبب نجاة “بوشنتوف” إلى كونه كان يتقن السباحة,حيث يقول:”وجده علي نايت لحو و باها نايت لحو راسبا على ضفة الوادي و هو في حالة يرثى لها,مخضبا بالوحل و الطين,اعتقدا في البداية أنه مات,إلا أن تأوهه و تحركه أكدا لهما أنه مازال على قيد الحياة فقاما بسحبه من وسط الماء إلى بر السلام,و أظن أنه لولا إتقانه السباحة لجرفته المياه لمسافة طويلة و لكان الضحية الثالثة التي نحصيها في ذلك اليوم المشهود”.


و عن التي يعتقد أنها أميرة ملكية فيروي أيت يوسف تفاصيل إنقاذها قائلا:”نجوت بجلدي عندما قفزت من على بغلتي ثم هرولت إلى غار يطل على الوادي و لا تصله المياه,نزعت العمامة من على رأسي و مددتها لها طالبا منها أن تطوق بها نفسها ثم قمت بسحبها بكل ما ملكت من قوة,كان أول ما سألت عنه بعد تأكدها من النجاة هو “بوشنتوف”,لقد قالت لنا: إذا مات بوشنتوف غرقا فسأنتحر بإلقاء نفسي في الوادي فمن الأفضل لي أن أموت على أن أعيش بدونه,فأكدنا لها أنه على بخير و حينها هدأ روعها,بعدها قمنا بسحب المحاصرين في الضفة الأخرى من الوادي باستعمال الحبل.لم يدم الأمر سوى دقائق حتى تراجعت المياه إلى مستواها كأن شيئا لم يقع”.


و يمضي أيت يوسف في حديثه عن هذه الواقعة بالقول:”أما إحداهن فلم يكن يفصلها عن الموت سوى شعرة من الحظ,حيث كان ارتطامها بصخرة ضخمة هو سبب نجاتها,إلا أنها رغم ذلك شرعت تصرخ بأعلى صوتها نادبة حظها المنكود لأنها فقدت حسب ما روت لنا حقيبتها التي كان بداخلها مبلغ “جوج مليون ن مريكان”.(لا نعرف كما لا يعرف هو نفسه هل المقصود مليوني دولار أم ماذا؟).


“في الصباح و بعد أن وضعت الحرب أوزارها,اتجه حمو نايت ومجا و لحو نايت داود لحمل الضحيتين إلى مثواهما الآخر,في حين حلت سيارات الجيب مرفوقة بعناصر الدرك الملكي لحمل “بوشنتوف” و من معه نحو الرباط”,يردف أيت يوسف.      

هي إذن حادثة مأسوية يأبى الزمن أن يمحوها من ذاكرة المكونيين,حادثة تصلح  سيناريو لفيلم ناجح.أما اليوم فقد أضحت مثل هذه الحوادث نادرة نظرا لتطور الاتصالات,إذ قبل أن يغامر أحد “بركوب” أشعبو سواء من المرشدين السياحيين مع زبنائهم أو من السكان,فإنهم يقومون بإجراء الاتصال مع سكان العالية(أوزيغمت)للسؤال عن أحوال الجو هناك,أو أن هؤلاء(سكان العالية) يبادرون إلى الاتصال بسكان السافلة لتحذيرهم من خطورة التوجه إلى الحقول الواقعة على الجانب الآخر من الوادي أو السفر عبر “معبر أشعبو”,فينتشر الخبر باستعمال مكبرات الصوت بالمساجد,كما أن انتشار أجهزة التلفاز و الهواتف الذكية التي مكنت من تتبع و التنبؤ بحالات الجو خفضت من احتمال وقوع مثل هذه الحوادث.


*المسامحة !!

كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحا عندما التقينا يومه السبت 30 يوليوز2016 بسياح مغاربة على مستوى بلدة تغفرت بأوزيغمت كانوا عائدين من مضيق أشعبو,قدموا أنفسهم على أنهم من الرباط,سألونا عن وجهتنا و عما إذا كنا ننوي المرور عبر أشعبو؟فأخبرناهم أن نعم,نصحونا ألا نجرب ذلك قائلين بأنهم كانوا عازمين على عبوره إلا أنهم تراجعوا في آخر لحظة,لأن الجو متقلب و مضطرب هذه الأيام,ولأنه مازالت تفصلنا عنه حوالي الساعتين مشيا,ما يعني أننا لن نصل إلى مدخل تلك المضايق إلا عند منتصف النهار,و نحتاج إلى خمس ساعات على الأقل للخروج إلى بر الأمان,فقد ألحوا علينا بعدم المخاطرة بأنفسنا و لكنهم أمام إصرارنا و تأكيدنا العزم على عبور أشعبو و ليحصل ما يحصل ما كان عليهم إلا أن تمنوا لنا السلامة معلقين  بشكل مازح كأنهم يودعوننا الوداع الآخر:المسامحة !!


في اليوم الذي سبق يوم عبورنا لأشعبو أخبرنا السكان بأن الوادي ضاق بما حمل حيث عرفت المنطقة تساقطات غزيرة و وجدنا الفلاحين يعيدون إصلاح السواقي التي غمرتها المياه و الجرافة تعيد إصلاح بعض المسالك مما صعب من مهمتنا حيث إن مياه الغدير تعيق الرؤية و تحول دون معرفة العمق الحقيقي للمياه و أماكن تواجد الأحجار مما يزيد من خطورة الاصطدام بها و الوقوع في الماء.


ثلاثة أيام بعد “نجاتنا من مصيدة الموت” اتصل بي أحد سكان أكرزكا فأكد لي أن وادي مكون غضب غضبا شديدا و دمر الحقول و جرف أشجار الجوز و غمر السواقي بالحصى و الأحجار !   

المصدرمصطفى ملو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.