بفضل الدبلوماسية الملكية الحكيمة المتسمة بالواقعية السياسية، والرؤية الاستشرافية الواضحة، تمكن المغرب من خطف الأضواء بعودته المظفرة إلى حضن أسرته المؤسساتية الإفريقية، خلال القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي، المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 30-31 يناير 2017، بعد غياب طال لأزيد من ثلاثة عقود، دون أن ينسحب لحظة من قلب إفريقيا.
وبذلك يكون قد دحض مزاعم خصوم وحدته الترابية، مبطلا مفعول مناوراتهم الخبيثة ومحبطا مؤامراتهم الخسيسة، ليسترجع بقوة مكانه الطبيعي في بيته الكبير بين أهله، قاطعا مع سياسة المقعد الفارغ وما ترتب عنها من سلبيات، يحذوه الأمل في غد أفضل، وجعل الاتحاد الإفريقي أكثر تماسكا، يسود أعضاءه الوئام والانسجام…
وتضاعفت لذة النصر بسبب سحب عدد مهم من الدول اعترافها بجمهورية الوهم، سقوط القناع عن الوجه البشع لحكام الشقيقة الجزائر وانفضاح ألاعيبهم الدنيئة، والتصويت الكاسح على عودة المغرب بمباركة 39 دولة إفريقية، وإنهاء عرس القمة بتوجيه الملك محمد السادس خطابا تاريخيا ذا دلالات عميقة، يمزج بين لغتي المشاعر والواقعية، إلى الجيل الجديد من القادة الأفارقة الأشقاء، المتحررين من أي عقدة تاريخية، باعثا لهم إشارات قوية، قصد التأسيس لمرحلة قادمة خالية من دواعي الفرقة والتوتر، في ظل التحولات العالمية السريعة والمتلاحقة.
وبالنظر إلى ما يكتسيه هذا الحدث البارز من أهمية بالغة وفريدة، فقد واكبته حملة إعلامية كثيفة. وكما نال رضى غالبية الزعماء الأفارقة، لقي أيضا ترحيبا واسعا من قبل بلدان عربية وغربية كثيرة، تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، معربة جميعها عن أملها الكبير في أن يقدم المغرب للاتحاد قيمة مضافة ويلعب دورا طلائعيا في القارة السمراء، باعتباره أكبر بلدانها تصديرا للأسمدة وأكثرها قدرة على المساهمة في استقرارها وأمنها، والمزيد من الاندماج الإقليمي والسياسي والاجتماعي. والأهم من ذلك كله، أنه يعد مصدرا رفيعا للخبرة والمعرفة والتطور التقني الفلاحي… ناهيكم عن انخراط قواته المسلحة الملكية في عمليات الأممية الإفريقية، وعقده شراكات تنموية في مختلف القطاعات مستندا إلى منطق رابح – رابح، استقباله مئات الطلبة الأفارقة الراغبين في استكمال دراساتهم العليا بالمعاهد والكليات، وتسوية أوضاع آلاف المهاجرين في سنتي 2014 ثم 2016، وتمتيعهم بجميع الحقوق الإنسانية وممارسة الطقوس الدينية بكل حرية، على غرار المواطنين المغاربة.
فعلاوة على رغبة المغرب في تسوية النزاع المفتعل وإيجاد حل سلمي ونهائي لمشكل الصحراء، يملك إرادة قوية في خلق تكتل اقتصادي ونسيج صناعي يرتكز على بنيات تحتية صلبة في مختلف القطاعات، وفتح آفاق رحبة مع أشقائه الأفارقة، الذين يتوفرون على رؤى مغايرة لقادة معسكر محور الجزائر وجنوب إفريقيا، بعيدا عن النظرة الإيديولوجية المتجاوزة واعتماد الشعارات الجوفاء والخطب الزائفة لنهب ثروات البلدان والشعوب. وهو الذي سعى دوما إلى تعزيز قدرات البلدان الإفريقية الأقل نموا، من خلال التعاون جنوب/جنوب جاعلا منه ركيزة أساسية في سياسته الخارجية، ومحورا استراتيجيا لترسيخ قيم التضامن والحوار، والاتجاه صوب توحيد الصفوف في مواجهة التحديات، وتحسين موقع القارة والرفع من قدرتها التفاوضية، والإسهام بفعالية في تسوية النزاعات وحفز التنويع الاقتصادي، تجويد بيئة الأعمال وتعزيز التبادل التجاري، تمتين الروابط الروحية والثقافية وتوفير الأمن، لاسيما في ظل تنامي التطرف والإرهاب، والاهتمام بقضايا التعليم والصحة والتعاون العسكري، وتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحل مشاكل التصحر والبيئة…
وإذا كان يوم عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي يوما جميلا له ما قبله وما بعده بالنسبة للملك، إذ رأى فيه ثمرة الجهود المبذولة، فإن طغمة الفساد بالجزائر وكراكيز “جبهة البوليساريو” رأوا فيه أحد أسوأ أيامهم، ولم يستسيغوا الطعم المر لهزيمتهم النكراء، بعد توظيفهم لمختلف الوسائل المتاحة في حربهم القذرة، بغية الحيلولة دون عودته لأسرته المؤسسية. فقبل أيام قليلة على انعقاد القمة، تسارعت وتيرة التصريحات المغرضة، وبثت رسائل ملغومة بالواضح والمرموز لمن يهمهم الأمر حول شروط طلب “انضمام” المغرب للاتحاد، في محاولات يائسة للتضليل، من بينها اعتبار المغرب تارة بلدا محتلا لجزء من أرض “دولة” عضو في المنظمة القارية، وتارة أخرى الترحيب به كعضو إلى جانب باقي الأعضاء ومن ضمنهم جبهة العار، إقحام المفوضية الإفريقية واستغلال التعقيدات المسطرية المؤطرة لعمل الاتحاد… وما اللجوء إلى التصعيد والاستفزاز، سوى ترجمة حقيقية لتخبط الدبلوماسية الجزائرية، في وقت كان الملك يجوب ربوع القارة وفق استراتيجية قوامها الانفتاح والبراغماتية، لسحب البساط من تحت أقدام الخصوم، محملا بعشرات المشاريع التنموية ومبادرات الشراكة الهامة وتوقيع عقود اتفاقيات، قد تعود بالخير العميم على الجميع.
فالموقف العدائي للنظام الجزائري إزاء المغرب رهين سنوات بعيدة، حيث لم يفتأ جنرالات العسكر يعادونه في أمنه واستقراره ووحدته الترابية ومساره الديمقراطي، رغم سعيه الدؤوب إلى محاولة تخطي العراقيل وفتح الحدود المغلقة، بيد أنهم يصرون على التمادي في غيهم، والاستمرار في دعم الانفصاليين الصحراويين ماديا ولوجستيكيا مهما كلفهم الأمر من ميزانيات ضخمة، بدل الانشغال بهموم وقضايا الشعب الجزائري الشقيق، الذي يعاني من شظف العيش والبطالة.
إن المغرب مطالب بعد كسبه رهان العودة إلى عشه الدافئ، بالاستعداد الجيد لما ينتظره من معارك ضارية، ومواصلة التدبير الدبلوماسي الرصين، والتحلي بمزيد من الصدق والحزم ومد الجسور حتى مع الموالين لأطروحة الانفصال، في أفق تحقيق الريادة وطرد الكيان الوهمي.
المصدر : https://tinghir.info/?p=25637