عذرا عزيزي القارىء،فأنا لا أعرف شيئا عن مقام الرصد ولا البياتي،ولا أعرف شيئا كثيرا عن البحر الطويل والقصير ولا الأبيض ولا الأسود،الوديان والبحور لا أتقن السباحة فيها و تغرقني،والألحان والمقامات المتعسف عليها لا تطربني،غير أن مقام البرد لا أدري كيف يتلبسني في بحر الصيف والشتاء،على بطن خاوية وأمعاء ثاوية وأسنان مصطكة باردة،تقطعت بها وبصاحبها السبل وأعياها الانتظار،وكان حتما عليها أن تتجرع زخات المطر و أطباق الثلوج وهبوب الرياح وسكون الأفراح في الوادي وبين الأهالي،بل أين المأوى وأين الأهالي،أين الحقول وقد جرفها الوادي أمام أهلها ولا يبالي،وأين البهائم وقد نفقت تحت الثلوج في الأعالي؟؟.
نحن لا نشكو شيئا أي شيء يا ربنا،وعلى ما نشكو وكل ما استطاع القوم أن يعكروا به صفو حياتنا،مجرد موجة برد قارس،وكل حياتنا بك يا رب دفىء وبهم يا ربنا برد قارس، سخروه علينا سنين وسنين بل عقودا وعقودا تركت الأمة في ثلاجتهم المفتوحة جامدة هامدة أو تكاد؟؟.هؤلاء المسؤولون ممن يتولون أمرنا وتسيير دنيانا،يسكنون القصور الدافئة،ويلبسون أحسن الثياب ويتدثرون بالوثير من الفراش،ويأكلون أشهى الأطعمة ويشربون المياه المعدنية الصافية،-بالصحة والعافية- ولكن ما بالهم يقولون لعبادك المحاصرين وسط الصقيع في السهول والجبال والغارقون في الأوحال وقد تقطعت بهم الأوصال وساءت الأحوال:”وما لكم ألا تشربوا غدير المطر،وتطلوا لكم للدفىء الأوحال،أو مالكم لا تنطحون رؤوسكم ضد الحيطان وتشربون لكم الدماء وهي تجري بينكم كالوديان؟؟.
نحن لا نشكو يا ربنا ضعفنا وحرماننا وهواننا إلا إليك،نحن شعب الثلج في المغرب غير النافع استوطنا الجبال والفيافي،وقهرنا البرد والصقيع كما قهر أجدادنا الأعادي في الوادي والضفاف،كيف نشكو إلى القوم قطع الطرقات والطرقات عندهم معبدة سيارة،أو دفن الثلوج لكهوفنا والثلوج عنهم تجرفها وتفتحها الجرافات،أو قطع الأسواق الأسبوعية والأسواق عندهم يومية ممتازة،أو حصار العربات والحافلات عبر الممرات أيام وليالي و هي عندهم برية وبحرية وجوية لا تحاصر،أو غياب مستوصف وفي جل عمارتهم مختبرات وعيادات وصيدليات،أو تعطيل المدارس والمدارس عندنا مشتركة المستويات، منذ كم وكم وهي عندنا معطلة،لا ظهرا وعلما تبقي ولا أرضا تقطع أوطفلا تنفع وللتفوق تدفع؟؟.نحن فقط نريكم هذا الذي ترون في كل نشرة على تلفازكم لعلكم ترونه على حقيقته ببصيرتكم قبل أبصاركم:
- طفل قروي من شدة البرد والصقيع يرتدي أكياسا بلاستيكية له أحذية وجوارب،ولما ترجل فوق الثلج يلعب رغم كل شيء،وكأنهم قد رأوا أثر قدميه العملاقة على الثلج بالأقمار الاصطناعية،و للتو حلت في القرية سيارات رباعية الدفع،ومروحيات وكاميرات ومصورون ومصورات،يبحثون عن “رجل الثلج” الأسطورة،لعلهم يحظون منها بشريط سينمائي وثائقي غير مسبوق،أو على الأقل وبالمقابل يقبضون على هذا الذي لا يزال مصرا على إفشال مشروعهم”زيرو ميكا”؟؟.
- ولا أتحدث عن رب أسرة فقد كل صلاحياته ولا حول له ولا قوة،بل لا منقذ ولا متدخل ولا مساعد إلا أن يدركه الله برحمته وألطافه،فالطريق مقطوعة،والسوق معطلة،والأطفال بردى عطشى وجياع،والماشية تحت الثلج والدواجن من شدة البرد قد نفقت،والمساعدة قد أبطأت وأخطأت،والزوجة مريضة ومن شدة مرضها ومباغتة حملها وقرب وضعها الصعب،لم يجد الأهالي بدا من أن يفعلوا تضامنهم ويحملوها على نعش كالموتى،ولكن إلى أين،إن لم يكن إلى بساط ثلاجة الصقيع المفتوحة التي ستقضي فيها قضائها؟؟،الأنين لا ينقطع والطريق لا تنفتح والمستشفى لا تقترب،ومروحية الإسعاف لا زالت مشتغلة في التلفاز؟؟.
لله ذر العديد من دول البرد والصقيع في روسيا وسيبريا والإسكيمو والقوقاز والصين ومنغوليا…،وقد كان حظها أضعاف مضاعفة من قساوة الطبيعة ومآسيها التاريخية من الفياضانات والثلوج والزلازل والبراكين…،وكم كانت لهم من حكايات وأساطير حول البرد والثلوج والصقيع وغيرها،ولكن بعزمهم وإرادتهم حولوا تلك الحكايات والأساطير إلى حقائق واقعية،قهروا بها كل ظروفهم الطبيعية القاسية أو على الأقل خففوا منها بدرجة كبيرة،فإذا حكاية التنين العملاق يصبح قطارا عملاقا،يخترق كل تلك الدول من الصين و روسيا وسيبريا والقوقاز والتبت ومانغوليا…،وإذا بكل دول المنطقة يوحدها ويخترق مناطقها الوعرة هذا القطار الجبار،فلا انعزال ولا حصار في مثل هذه الدول الحديثة والحداثية فعلا،وإذا بالجليد القطبي تمزقه مجرد كلاب الإسكيمو من فصيلة”الهيسكي”الوفية القوية تجر عربات البريد والتسوق،وعربات السياحة والاستكشاف،فازدهرت الرواية الأسطورية والسياحة الدولية والسينما العالمية،ولم تتعطل المدارس؟؟.
نحن لا نحلم بمثل هذا أو بعضه،وإن كان مجمله في المتناول ويمكن تحقيقه على أرض الواقع،فقط لو استطعنا في البداية محاربة هذا البرد السياسي والاجتماعي،الصحي والتعليمي،وحتى بعض البرد المدني الغريب عن مناطقه وهموم أهلها؟؟.وإلا فقط،ما معنى أن نجد مجرد نادي رياضي للطيران قد يملك عددا من المروحيات أكثر من الذي تملكه وزارة الصحة؟؟،وإلى متى ستظل أسطورة كثرة الإكراهات وقلة الإمكانيات واهية لا تنطلي حتى على دعاتها،وطالما فضحتها المهرجانات الفلكلورية والفنية والرياضية والموازينية…،والتي تغيب فيها كل الإكراهات وتظهر فيها بقدرة قادر كل الإمكانيات وتصرف بسخاء كل الميزانيات المليونية وحتى المليارية؟؟.ويبقى الأسوأ في الموضوع أن بعض السلطات في بعض المناطق والجهات لا تجد خجلا ولا وجلا من أن تمنع بعض المبادرات المدنية التلقائية،من تقديم بعض المساعدات لإخوانهم البدويين المتضررين على تواضعها،بدعاوي واهية لا يقبلها منطق ولا عقل،خاصة وإن قوافلها ونشطاؤها قد يكونون قد قطعوا من أجل إيصال تلك المساعدات آلاف الكيلومترات من الداخل أو من الخارج؟؟.
و أخيرا،كيف نعمل على إنجاح النقطة الوضاءة في الموضوع ونحقق رسالتها وأهدافها،ألا وهي المبادرة الملكية لتقديم المساعدات وإنشاء المستشفيات العسكرية الميدانية في المناطق القروية المهددة بموجة البرد والصقيع،أين نحن من رسالتها التي تقول بالعناية الفائقة بالمواطن كل المواطن،عناية استباق ومواكبة وإنصاف ومصالحة…،في الجبل والقرية كما في السهل والمدينة؟؟.أين نحن من مبادرة انتقال المسؤولين إلى المواطنين لتفقدهم ومساعدتهم؟،وأين نحن من انتقال الأطباء إلى المرضى للعطف عليهم ومعالجتهم؟،إن الفقر وحده لما رأى دفىء المسؤولين وعطفهم على المواطنين قال لهم :”مالي ولبلاد الحب والدفىء،وماذا سأجني في بلاد عسكرها يساعد فقرائها ولا يطلق عليهم النار في الساحات والميادين”؟؟،وإن المرض وحده لما رأى هذا السلوك الدافىء للأطباء المواطنين المناضلين قال لهم كالجن الجبان:”لا عليكم لقد أحرقتموني بعطفكم وحبكم،فلا أسفار ولا مواعيد ولا سمسرة في العمليات وشراء الأدوية،الكل في الحين وبالمجان،وفي الحين وبالمجان،أنا أيضا سأغادر أجساد المرضى حتى قبل أن تمسوها وتعالجوها”؟؟.صدق من قال:”الرضا مقام،والشكر حال وإن شكرتم لأزيدنكم،فاللهم عل مقامنا بين المقامات وحسن أحوالنا بين الأحوال؟؟.
المصدر : https://tinghir.info/?p=25631