كلما وقفت أمام شاشة التلفاز لأشاهد ما تبثه، تتراقص أمامي لوحات إشهارية لا تتعدى بعض الثواني، لكنها تخلق/تخلف في ذهني صورا تثير دهشتي، لاسيما وأن ما يؤثت فضاء هذه الإشهارات هو المرأة. هذا الأمر هو ما يجعل شغف المعرفة وشغب السؤال يستبدان بي إلى حد التساؤل على النحو التالي: ما الإشهار؟ وما المرأة؟ على أي نحو يتعالقان؟ لماذا تحتكر المرأة فضاء الإشهار بالمقارنة بالرجل؟ إلى أي حد تعد الصورة التي تظهر بها في الإشهار إيجابية؟
لكي نعرف الإشهار سنقول إنه إعلان تجاري أو دعاية يقوم صاحب شركة للترويج لمنتوجه بغرض استقطاب الزبناء والزيادة في نسبة استهلاك ذلك المنتوج، ويتم ذلك عبر مجموعة من وسائل الاتصال والإعلام. أما المرأة فهي كائن حي ينفرد بخاصية الوعي والكرامة، وتمثل إلى جانب الرجل مفهوم الإنسان، وبذلك هي شخص أي كائن واع ومسؤول. لكنها عند أرسطو هي ذكر غير مكتمل، وعند شوبنهاور هي جنس مبذر ولا يجد إلى تذوق الفن سبيلا، وعند نيتشه هي باحة استراحة للمحارب، أما عند فيلسوف الأخلاق والتعالي إيمانويل كانط فهي كائن أخلاقي ناقص. فهل تبدو في الإشهار كذلك؟
في أغلب الإشهارات، لا تغادر المرأة البيت، ولا تتحرر من الأشغال الشاقة المؤبدة، فتأتي مساحيق الغسيل، والمنظفات، والأكلات، والحفاظات، لتقوم بمفعول سحري ينقذها من أن تذوب كشمعة تحترق ليستنير بها الآخرون، وآلة عمل تكد لصالحهم ولا يعمل لصالحها أحد. ألا تعكس مثل هذه الإشهارات صورة لامرأة مسحوقة في الإشهار كما في المجتمع، حين يحصران كينونتها في القيام بدور الزوجة والأم والطباخة والخادمة؟
ومن جهة أخرى، يظهر الإشهار صورة امرأة تعتني جيدا بتضاريس جسدها، حتى الخضر والفواكه التي لا نجدها نحن الفقراء لأكلها، “تنصح” المرأة باستعمالها في وصفات ومراهم للشعر والوجه، فقط ليسقط الرجال في الشوارع كالذباب حين يرون مفعولها السحري عليهن. أليس هذا “الكائن اللطيف” إذن هو نفسه من يرضى أن يمارس عليه هذا العنف اللطيف، حين تقبل المرأة أن تنزل بذاتها كشخص إلى سلعة تقدم سلعة؟
تفقد المرأة إذن كثيرا من قيمتها كشخص حين ترضى أن تؤدي في الإشهار نفس الدور الذي تؤديه في المجتمع كامرأة مسحوقة اجتماعيا، ومدنسة ثقافيا، ومستغلة جنسيا.
المصدر : https://tinghir.info/?p=24959