تعطي الساحة السياسية بجهة درعة ـ تفيلالت انطباعا بأنها دخلت حالة من البيات الشتوي بعد انحسار دور العديد من الفاعلين السياسيين في الظهور بمظهر الطهرانية، وذلك راجع لتجاهلهم وضع الديمقراطية كقاعدة وكهدف لهذه الساحة، هذا الانطباع ربط به هؤلاء بين مثاليتهم التهويمية في تدبير الشأن المحلي، وبين استمرار حالة العطالة التي تعرفها الساحة السياسية بالجهة، وذلك لاعتقادهم أنهم الفاعل السياسي الوحيد القادر على تقديم ما يشبه الضمانات على أحقيتهم في التموضع على كراسي تدبير الشأن المحلي.
إن هذا الانطباع وهذا الموقف يتعارض مع الاختيارات الاجتماعية المعلنة لحزب العدالة والتنمية، ومع تطلعات الذين صوتوا عليه، ومع مبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية، كما أنه يأخذ مسارا متعارضا مع التحول الديمقراطي الذي تتطلع إليه الجهة، ولذلك يتساءل العديد من المتتبعين للوضع السياسي بالجهة عن حقيقة امتلاك حزب العدالة والتنمية بالمنطقة لبرنامج واضح المعالم ومؤسس على معطيات دقيقة تنم عن إلمام كاف ببنية المجتمع وحاجياته الأولوية، بل إن التساؤل يمتد ليشكك في مدى إدراك قيادات الحزب لمدلول برنامجه السياسي المنبثق من مرجعيته وأيديولوجيته المحافظة.
ما يدعم هذا القول هو الخبر الذي نشرته جريدة الأخبار الورقية والعديد من المواقع الإلكترونية في الأيام القليلة الماضية، ومفاده أن وزارة الداخلية أبدت ملاحظات على مجموعة بنود ميزانية 2017 التي أعدها مجلس جهة درعة ـ تفيلالت، والذي يترأسه الحبيب الشوباني القيادي بحزب العدالة والتنمية، وجاء في الخبر أن هذه الملاحظات تخص بالأساس الجانب المتعلق بصرف النفقات والتحويلات التي تم إدماجها في بنود الميزانية، وعلى رأسها التحويلات المرصودة لأداء بعض الأجور، بالإضافة إلى المنح المخصصة للجمعيات، ومنها منحة بمبلغ 500 مليون لجمعية حديثة التأسيس والتي اعتبرها الخبر أنها تخدم أجندة حزب العدالة والتنمية، إلى جانب الأجور التي خصصتها بنود الميزانية لموظفين يعملون في ديوان رئيس الجهة الحبيب الشوباني، وعلى إثرها رفضت المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية مشروع ميزانية الجهة، مبررة ذلك بعدم احترام رئيس المجلس المقتضيات الإدارية الخاصة بمالية الجماعات، وعدم التقيد بالمقتضيات الخاصة بالتدبير العقلاني للنفقات العمومية ـ حسب ما نشرته بعض المواقع الالكترونيةـ .
وحسب نفس المصادر أصدر رئيس جهة درعة ـ تفيلالت من جهته بلاغا أكد فيه أنه لم يتوصل بأي مراسلة رسمية من وزارة الداخلية تؤكد رفضها التأشير على مشروع الميزانية، واعتبر البلاغ هذا الخبر تسريبا وإشاعة، ما يستدعي مواجهة وزارة الداخلية قانونيا على أساس مضمون الخبر المسرب ـ إن صح ـ قبل توصل رئيس الجهة رسميا بأي مراسلة في الموضوع، وذكر البلاغ أنه إذا تأكد صحة هذا التسريب فإنه سيمس لا محالة بسمعة الإدارة ومهنيتها وحيادها.
ما يهم الرأي العام المتتبع لهذه الصراعات والتطاحنات بين رئيس الجهة من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى ليس هو بيان صحة تسريب الخبر من عدمه، أو الوعود الرنانة بمواجهة الوزارة الوصية قانونيا، إن ما يهمنا الآن هو نفي المعطيات التي جاء بها الخبر، على السيد رئيس الجهة إصدار بلاغ يكذب فيه هذه المعطيات وإن كانت مجرد إشاعة أو تسريبات لأنها في آخر المطاف لا تعنينا صراعات الحزب مع الداخلية أو التحكم كما يحلو لهم أن يقولوا في شيء، لأنه لو ثبت صحة هذه الملاحظات فإن الطريقة التي تم بها تدبير الميزانية لا تقل خطورة عن تسريب الخبر بحد ذاته، إلم تكن أخطر من ذلك، وذلك لأن ما ذكره الخبر من معطيات يعد فعلا هدرا للمال العام وخدمة لأجندة حزب العدالة والتنمية. والسؤال المطروح هنا: ما الذي سيستفيده مجتمع الجهة من هذه التحويلات والمبالغ المخصصة لتلك الجمعيات والعاملين في ديوان السيد الرئيس في حالة صحة الخبر؟، أليس من الأولى أن تصرف هذه الأموال على بناء المدارس، والمستشفيات والمستوصفات؟، ونحن نعلم أن العديد من المدارس في بعض مناطق الجهة لا زالت طينية لحد هذه اللحظة، والعديد من المناطق محرومة من الخدمات لا المستشفيات فقط، وإنما حتى المستوصفات.
إذا صح ما ورد في ذلك الخبر ـ وأرجو ألا يصح ـ فهذا يعني تفاقم الفوارق الاجتماعية لا تقليصها، وتهميش الفئات المهمشة بل وإغراقها في أوحال الهشاشة لا إنصافها، وأن طريقة تدبير ميزانية الجهة تدبير تقليدي مشخصن لا تدبير معقلن للنفقات العمومية.
المصدر : https://tinghir.info/?p=24756